محاولة جديدة للنظام لإخضاع السويداء: تعويم العصابات وملاحقة ناشطين

22 ابريل 2023
السويداء في يناير الماضي (العربي الجديد)
+ الخط -

بعد تغييرات في قيادة شرطة محافظة السويداء، جنوبيّ سورية، وفي الأفرع الأمنية التابعة للنظام السوري، دخلت هذه السلطات مرحلة جديدة، عنوانها العريض فرض السطوة والقوة على الأرض، وإعادة الهيبة التي فقدتها منذ يوليو/ تموز 2018، عندما انكشفت أمام هجمات "داعش"، وانتهت فعلياً عقب انتفاضة أهالي المحافظة على العصابات التابعة للنظام في يوليو 2022.

تعزيز المراكز الأمنية بعدد كبير من العناصر، وتعزيز الحواجز وإطلاق الدوريات الليلية المشتركة، وتعميم مئات الأسماء المطلوبة وتدويرها، وإطلاق يد أقدم عصابة في السويداء من جديد، هي سمات المرحلة المقبلة التي بدأت مع الانفراجات السياسية التي سوّق لها نظام بشار الأسد تحت بند الانتصار.

لعل السوريين ما زالوا يتذكرون قصة نشأة عصابة "المزاهرة" التي شُغلوا بها لأشهر طويلة قبل سبع سنوات، وكان بطلها ومحركها الأساسي العميد وفيق ناصر، رئيس فرع الأمن العسكري التابع للنظام في السويداء منذ 2013 حتى 2018.

وكانت بدايتها بخطف فتاة تدعى كاترين مزهر ومقتل كل من اشتُبه في علاقته بقضيتها، وصولاً إلى تعويم عصابة "المزاهرة" وسيطرتها على مدينة السويداء.

وامتهنت هذه العصابة، بالتحالف مع عصابات المحافظة الأخرى، الخطف وسرقة السيارات، وباتت الذراع العسكرية للنظام السوري في المحافظة، فيما كان قائدها المدعو معتز مزهر أبرز الوجوه الاجتماعية في السويداء، والقريب من روسيا وإيران أيضاً.

عودة العصابات باسم القانون

ويؤكد الناشط المدني ساري الحمدان لـ"العربي الجديد" أن العصابة عادت بعد انكفائها لأشهر عقب القضاء على عصابة راجي فلحوط، وعقب التخلي العلني لرئيس شعبة المخابرات العسكرية في سورية، اللواء كفاح الملحم عنها.

ويوضح أن العصابة عادت تحت مسمى تطبيق القانون بالقوة، فباتت تنشئ الحواجز الطيّارة، وتلقي القبض على اللصوص وصغار تجار المخدرات، وتوزع المعونات للفقراء، وتتابع عملها المعتاد في الخطف والتشبيح والسرقة. ويشير الحمدان إلى أن هذه الطريقة اختتمت خلال الأيام القليلة الماضية بنصب حواجز لمصادرة الدراجات النارية التي يقوم أصحابها الشبان بإزعاج المارة في الطرق الرئيسية.


يستدعي النظام طلاباً شاركوا بتظاهرات ديسمبر الماضي

طلبت إدارة الثانوية الصناعية في مدينة السويداء من جميع طلاب الصف الثالث الثانوي إحضار بطاقاتهم الشخصية في 2 إبريل/ نيسان الحالي، بغية إتمام بيانات شخصية للطلاب، علماً أن جميع الطلاب المتقدمين لامتحان الشهادة الثانوية النهائي قد أكملوا أوراقهم المطلوبة منذ أشهر، ولم يحصل في السابق أن طُلبت البطاقة الشخصية، وغالباً ما استوفيت البيانات من إضبارة كل طالب.

ويكشف مصدر مقرب من إدارة الثانوية لـ"العربي الجديد" أن وراء طلب البطاقات الشخصية فرع الأمن السياسي بالتحديد، والغاية من الطلب التدقيق في عدد من الأسماء والصور لبعض الطلاب الذين شاركوا في التظاهرة التي أدت إلى حرق مبنى المحافظة في 4 ديسمبر/ كانون الأول الماضي. ولم يستبعد المصدر حجز بطاقات بعض الطلاب بغية التحقيق معهم أو استدعاء أوليائهم أو حتى طردهم من المدرسة.

وادعت إدارة المدرسة في ردها على الموضوع بعد نشره في موقع الراصد المحلي، أنه قرار وزاري معمَّم على كل المدارس برقم صادر وتاريخ، ويخص قسم المعلوماتية في الوزارة، لكن القرار لم يذكر طلب البطاقة الشخصية ولم تبرر المدرسة تمييز طلابها بهذا الطلب.

أحد طلاب الثانوية الصناعية يقول لـ"العربي الجديد"، طالباً عدم ذكر اسمه، إن عدداً كبيراً من طلاب المدرسة شاركوا في تظاهرة 4 ديسمبر، بخلاف جميع طلاب المدارس، وظهرت صور البعض على وسائل التواصل الاجتماعي حينها.

وما أثار الشك لديهم، استثناء البعض في طلب إحضار البطاقة الشخصية في هذا الوقت، علماً أن لدى المدرسة أضابير وبيانات أكثر دقة وتفصيلاً عن كل طالب من البطاقة الشخصية.

وكانت الجهات الأمنية قد عمّمت أسماء مئات الأشخاص في محافظة السويداء على الحواجز الأمنية والمنافذ الحدودية والمطار بعد التظاهرات والاعتصامات، وتحديداً تظاهرة 4 ديسمبر التي شهدت حرق مبنى المحافظة ومقتل متظاهر برصاص قوات الأمن وشرطي برصاص مجهولين. وشمل التعميم أسماء معارضين وناشطين وإعلاميين وموظفين لم يُشاركوا في التظاهرات.

ويقول أحد الناشطين الإعلاميين الذي يعمل تحت أسماء مستعارة لـ"العربي الجديد"، إنه تفاجأ عند إجراء فيش أمني لاسمه، بوجود تعميم يتعلق بأحداث مبنى المحافظة التي لم يشارك فيها. فيما اعتقلت الجهات الأمنية قبل ثلاثة أشهر الشاب فراس المحيثاوي في أثناء سفره من مطار دمشق للأسباب نفسها.

هذا الأمر الذي خلق تخوفاً لدى أهالي المحافظة من عمليات اعتقال ممنهجة قد تطاول أصحاب الرأي من أهالي السويداء، على الحواجز الأمنية، بعد التعميمات الأخيرة، وهي سياسة عقابية تتّبعها الأجهزة الأمنية ضد المعارضين، خصوصاً أنها شملت أسماء أشخاص يشاركون في الاعتصامات السلمية، ولم ينخرطوا في تظاهرة 4 ديسمبر.

وكان المحامي مهند بركة قد حذر في وقت سابق عبر منشور كتبه على صفحته الشخصية على "فيسبوك"، من أن كل مطلوب بناءً على تقارير أمنية قد لا يظهر له أنه مطلوب، حتى لو قام بتفييش اسمه لدى فرع الأمن الجنائي أو فرع الهجرة والجوازات، مؤكداً أنه قد يكون مطلوباً بتعميم داخلي خاص بفرع أمن محدد من دون غيره، وهذا التعميم لا يظهر بالفيش.

اعتقالات بحجة الاحتجاجات

وكان أحد الحواجز الأمنية قد أوقف في 3 إبريل الحالي الشيخ نبيه أبو ترابة، وهو شيخ دين من الطائفة الدرزية يقود فصيلاً محلياً، في أثناء وجوده في مدينة دمشق. وبحسب مصدر في أحد الفصائل المحلية، جاء التوقيف بحجة مشاركته بالاحتجاجات التي جرت في السويداء عام 2021، وبناءً عليه استنفر عدد من الفصائل المحلية لاتخاذ قرار بشأن هذا التوقيف.

ويضيف المصدر أن حجة الاحتجاجات باتت مكشوفة وشماعة للسلطات الأمنية، كي تشل حركة الناس وتهددهم بها، وتفرض الخوف والترهيب من دون أن تقدم لهم أي شيء.


أوقف شيخ شارك في تظاهرات السويداء في عام 2021

وقد عُرف أبو ترابة بقيادة أحد الفصائل المحلية التي شاركت في معظم الاشتباكات التي حصلت على أطراف السويداء. وعُرف بجرأته في انتقاد سياسات النظام وفساد المسؤولين ومشاركته في معظم الاحتجاجات الشعبية، وبعدم تبعيته لأي جهة في الداخل والخارج. وشعرت السلطات الأمنية بالخطر، وأفرجت عنه بسرعة، بحجة أن التوقيف روتيني.

وكانت الجهات الأمنية، بمشاركة عناصر من فصائل موالية للنظام، قد حاولت مطلع إبريل الحالي إزالة الأكشاك المحيطة بساحة سلطان باشا الأطرش مقابل مبنى المحافظة، وكاد أن يؤدي هذا إلى مواجهات بالأسلحة النارية بين أصحاب هذه الأكشاك والجهات الأمنية، قبل أن تتوقف العملية وتقتصر على إزالة أحد هذه الأكشاك التي يمتهن صاحبها بيع الكتب، وتركت مئات الأكشاك التي يمتهن أصحابها التهريب وترويج المخدرات.

ومن المعروف أن أصحاب الأكشاك والبسطات قد خلقوا خلال هذه السنوات سوقاً "حرة" ضخمة احتلوا من خلال تمددهم معظم الشوارع والأرصفة في قلب المدينة وفي الطرقات المؤدية إلى مركز المدينة، بتسهيل من الجهات الأمنية والفصائل والعصابات التابعة لها.

وفي هذا الشأن يقول هادي عزام من مدينة السويداء لـ"العربي الجديد" إن قراراً صدر بإزالة جميع الأكشاك خلال فترة لا تزيد على الشهرين، وهذا القرار يحظى بتأييد الأهالي، ولكنه يشكل معضلة وصعوبة بالتنفيذ، وقد يؤدي إلى اشتباكات وأعمال مسلحة لا تُحمد عُقباها.

أما الناشط الإعلامي حمزة المعروفي، فيقول لـ"العربي الجديد" إن محاولة فرض السيطرة الأمنية من جديد بدأت بطريقة ناعمة عندما تسلّم فرع الأمن العسكري ضابط يدعى أحمد فياض، بعد إزاحة عدد من ضباط الفرع المذكور عقب انتفاضة أهالي المحافظة في 26 يوليو الماضي، وبدأ بزيارات للمرجعيات والوجاهات، وتوجيه الدعوات للأهالي كي يطووا الصفحة السابقة. وسرّب فياض عبر الزائرين له طيّ ملفات مئات الشبان، وإتلاف كل التقارير التي وصفها بالكيدية ضد شبان السويداء، كنوع من تبييض الأضابير.

ويشير المعروفي إلى أن فياض يعتمد الآن على جيش جديد من كتبة التقارير، ويبني علاقات متشعبة تمهد للمرحلة الجديدة بالتعاون مع فرع الأمن السياسي الذي ظهر عمله على الأرض من خلال استدعاءات مباشرة للمواطنين للمراجعة، وهي خطوة غابت لسنوات طويلة عن الساحة، وتمهد لعودة مخبري حزب البعث إلى الواجهة.

المساهمون