قبل ساعات من مثوله أمام المحكمة الفيدرالية في مدينة ميامي في ولاية فلوريدا الأميركية، اليوم الثلاثاء، يبدو أن الرئيس السابق دونالد ترامب قد تمكن من شحذ همم أنصاره جزئياً، وسط مخاوف من تدهور ميداني، يشبه ما حصل لدى اقتحام "كابيتول هيل"، مقرّ الكونغرس، في 6 يناير/كانون الثاني 2021.
وحيال لائحة من 37 اتهاماً جنائياً موجهاً لترامب في قضية الوثائق السرية، لم يعد ترامب عملياً قادراً على التفرّغ الكامل لحملته الرئاسية لعام 2024، بل سيحاول الانتهاء من الملفات القضائية مبكراً، وتحديداً قبل 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، موعد الانتخابات الرئاسية.
ومع أن الرئيس السابق واجه ويواجه قضايا عدة، إلا أن مسألة الوثائق السرية هي الأكثر خطورة له، لكونها متعلقة بقانون التجسس الذي يمنع نقل وكشف وثائق سرية، متصلة بالأمن القومي الأميركي. غير أن ذلك لم يمنع أنصار ترامب من بدء الترويج لحملات عنيفة وانتفاضة للدفاع عنه، مما أثار قلق المراقبين.
"عمل من أعمال الحرب"
ووفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز"، فإن وصف بعض حلفاء ترامب لائحة الاتهام بـ"عمل من أعمال الحرب"، يُشكّل نزعة لعنف متجدد. واستدلت الصحيفة على "حقيقة أن الكثيرين من أنصار ترامب يحملون أسلحة"، وأن "حلفاءه صوّروه على أنه ضحية لوزارة العدل، التي يسيطر عليها الرئيس جو بايدن".
وتطرقت "نيويورك تايمز" إلى ما كتبه النائب الجمهوري عن ولاية أريزونا، آندي بيغز، على "تويتر" الجمعة الماضي: "وصلنا الآن إلى مرحلة الحرب. العين بالعين". وبيغز من قياديي اليمين الجمهوري المتطرف، الذي يُشكّل قاعدة أساسية في معسكر ترامب.
وكان قد عرقل انتخاب الجمهوري الآخر كيفن مكارثي، رئيساً لمجلس النواب في مطلع شهر يناير الماضي جلسات عدة، مما دفع مكارثي لعقد صفقة مع جناح ترامب لدى الجمهوريين وتمرير انتخابه خلفاً للديمقراطية نانسي بيلوسي. وانخرطت خطيبة دونالد ترامب جونيور، الابن الأكبر للرئيس السابق، كمبرلي غيلفويل، في معركة ترامب، مع كتابتها منشورا على "إنستغرام"، بأحرف كبيرة: "القصاص آت".
"أف بي آي" يحاول السيطرة على التهديدات الموجهة إليه
وفي مؤتمر الحزب الجمهوري في ولاية جورجيا، أكدت الخاسرة بفارق أقل من 17 ألف صوت على منصب حاكمية ولاية أريزونا في 8 نوفمبر الماضي، كاري لايك، أن "العديد من أنصار ترامب يمتلكون أسلحة".
وأضافت في كلمة لها السبت الماضي: "لدي رسالة لميريك غارلاند (وزير العدل) وجاك سميث (المحقق الخاص بقضية الوثائق السرية) وجو بايدن، والرجال العاملين هناك في وسائل الإعلام: إذا كنتم ترغبون في الوصول إلى الرئيس ترامب، فعليكم المرور بي أولاً وبـ75 مليون أميركي (الذين اقترعوا لمصلحة ترامب في رئاسيات 2020)".
وأضافت لايك: "هذا ليس تهديداً، هذا إعلان عام". وإذا كانت التهديدات بالعنف قد اتخذت مساراً خطراً بين أنصار ترامب، إلا أن تنفيذها يبقى رهن قدرة سلطات إنفاذ القانون على منعها. فقد أجبر اقتحام الكونغرس السلطات على إعادة النظر في العديد من المفاهيم، وأبرزها مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي وغرف الدردشة المغلقة للقيام بحملة استباقية لأي محاولة عنف.
ومع أن ترامب خضع للمساءلة في مانهاتن ـ نيويورك، بشأن حساباته المالية، إلا أن العديد من أنصاره لم يحضروا إلى مقر المحكمة، ولم يقوموا بأي عمل عنفي. وما يزيد المخاوف من احتمالات حصول أعمال عنف، هو ترويج وسائل الإعلام اليمينية المتطرف للعنف.
ففي برنامجه الحواري قال الإعلامي بيت سانتيلي: "لو كنت قائد سلاح مشاة البحرية، لأمرت الجنود بإخراج بايدن من البيت الأبيض"، أما أحد ضيوفه وهو لانس ميلياتشو، فذهب أبعد من ذلك بالقول: "لو كان مسموحاً لي قانونياً، لأطلقت النار على قائد الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي"، وهو عسكري اعتبره ترامب "واحداً من أعدائي".
ولم تكن هذه المرة الأولى التي تصدر فيها شخصيات من اليمين دعوات للحرب أو العنف لدعم الرئيس السابق، ولا المرة الأولى التي يبدو فيها أن ترامب يستدعي أنصاره للتجمع نيابة عنه. ففي الأيام التي سبقت الهجوم على مبنى "كابيتول هيل"، كانت فكرة "الحرب الأهلية" سائدة في الأوساط اليمينية.
ويحذر خبراء العنف السياسى من أن الهجمات ضد الأفراد أو المؤسسات تصبح أكثر احتمالاً عندما يكون المسؤولون المنتخبون أو الشخصيات البارزة على وسائل التواصل الاجتماعي قادرين على إصدار تهديدات أو الدعوة للعنف. وقبل جلسة اليوم، كشفت "نيويورك تايمز" أن مكتب التحقيقات الفيدرالي "أف بي آي"، يعمل على متابعة كل التهديدات في مكاتبه الميدانية.
وقال مسؤول مطلع على هذه الخطوة للصحيفة إن "أف بي آي" يحاول السيطرة على التهديدات الموجهة إليه من كل أنحاء البلاد. وعلى الرغم من الاحتياطات الأمنية التي تم اتخاذها لظهور ترامب اليوم الثلاثاء، رجّح خبراء أمنيون أن التهديدات لن تهدأ، بل ستتزايد مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية.
ترامب المحفّز الأول لخطاب العنف
ولم يكن المحفز الأكبر لهذا الخطاب سوى ترامب نفسه، الذي نشر على "إنستغرام" السبت الماضي، مقطع فيديو يبدو فيه ممسكاً بمضرب للغولف، موجهاً كرة أصابت رأس بايدن. وسبق للرئيس السابق أن ندد بالنظام القضائي الأميركي "الفاسد" خلال مخاطبته أنصاره السبت الماضي، للمرة الأولى بعد توجيه لائحة الاتهامات ضده.
وقال ترامب في غرينزبورو بولاية كارولاينا الشمالية: "أنتم تتعاملون مع مجانين". وأضاف: "الاتهام الذي لا أساس له ضدي"، من جانب إدارة بايدن و"سيصبح من بين أفظع إساءات استخدام السلطة في تاريخ بلدنا". في كولومبوس بولاية جورجيا، انتقد ترامب بايدن ووزارة العدل وما وصفها بأنها "لائحة اتهام مزيفة"، قائلاً أمام حشد من مؤيديه إنه ملاحق بسبب محاولته الفوز بولاية رئاسية ثانية.
وأضاف: "لهذا السبب يقومون بذلك. لو لم أفعل هذا، لما كانت هناك مطاردة، ولما كانت هناك لائحة اتهام". ووصف الرئيس السابق سميث بأنه "مختلّ عقلياً" و"كاره لترامب"، معتبراً انه يُلاحَق: "لأننا نتقدم كثيراً في استطلاعات الرأي مرة جديدة ضد بايدن".
وقال رئيس مجلس النواب كيفن مكارثي "أقف مثل جميع الأميركيين الذين يؤمنون بسيادة القانون، مع الرئيس ترامب". بينما رأى جيم جوردان رئيس اللجنة القضائية في المجلس أنه "يوم حزين لأميركا".
كاري لايك: إذا كنتم ترغبون في الوصول إلى الرئيس ترامب، فعليكم المرور بي أولاً وبـ75 مليون أميركي
وكرّر حاكم فلوريدا رون ديسانتيس أحد منافسي الرئيس السابق لنيل ترشيح الحزب الجمهوري، انتقادات ترامب لوزارة العدل. وكتب في تغريدة على "تويتر" أنه "سيقضي على الأحكام المسبقة السياسية" إذا تمّ انتخابه.
وكانت ألينا حبة (من أصول عراقية) محامية ترامب، قد ذكرت مساء الأحد، في حديث لشبكة "فوكس نيوز" أن لترامب "كل الحق في الاحتفاظ بوثائق سرية بعد أن رفعت عنها السرية". وأضافت: "إنها تذكارات، أشياء من حقه أن يأخذها"، نافية احتمال أن يقر موكلها بارتكابه جرماً.
لكن لائحة الاتهام التي تم الكشف عنها الخميس الماضي، رفضت هذه الحجة التي سبق أن طرحها ترامب. ووُجهت إلى قطب العقارات السابق 37 تهمة لأنه قام عند مغادرة البيت الأبيض بنقل آلاف الوثائق بعضها سري وكان يجب أن يعهد بها إلى الأرشيف الوطني، ولأنه رفض بعد ذلك إعادة معظمها رغم طلبات "أف بي آي".
وتورد لائحة الاتهام أنه في يوليو/تموز 2021، كشف ترامب في نادي الغولف التابع له في نيوجيرسي لأربعة أشخاص لا يحملون تصريحاً للاطلاع على الأسرار الدفاعية، "خطة هجوم" أعدتها له وزارة الدفاع عندما كان رئيساً. وبحسب لائحة الاتهام، تضمنت الوثائق السرية "معلومات عن القدرات الدفاعية للولايات المتحدة ودول أجنبية"، و"حول البرامج النووية الأميركية"، و"نقاط الضعف المحتملة في حال وقوع هجوم على الولايات المتحدة وحلفائها".
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)