أرجأ مجلس الأمن الدولي، أمس الخميس، التصويت على مشروع قرار لتمديد تفويض آلية إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سورية عبر معبر باب الهوى عاماً إضافياً.
وينتهي التفويض الاستثنائي الحالي لمجلس الأمن لإيصال المساعدات إلى شمال غربي سورية عبر معبر باب الهوى، الواقع على الحدود السورية مع تركيا في 10 يوليو/ تموز الحالي.
وكان من المفترض أن يصوت المجلس، صباح الخميس، على مسودة مشروع صاغتها أيرلندا والنرويج تمدد للقرار لعام إضافي، ما يسمح بتقديم المساعدات عبر معبر باب الهوى على الحدود التركية السورية للشمال الغربي من سورية.
وبعد نقاشات مطولة مع الجانب الروسي، أرجأ المجلس التصويت حتى عصر الخميس، ثم إلى المساء منه، قبل تأجيله للمرة الثالثة من أجل "مزيد من المشاورات"، بحسب مصادر غربية.
ورجّحت تلك المصادر أن تكون جولة التصويت القادمة صباح الجمعة بتوقيت نيويورك.
ويعود هذا التأجيل لخلافات بين الدول الأعضاء، تحديدا روسيا والصين من جهة والدول الغربية من جهة أخرى. فتصر روسيا، في مسودتها التي وزعتها على الدول الأعضاء في المجلس، على أن يكون التمديد لعبور المساعدات الإنسانية الحدود لستة أشهر، بدلا من 12 شهرا كما اقترحت الأمم المتحدة وأيدته الدول الغربية.
واطلعت مراسلة "العربي الجديد" على نسخ مسربة من المسودات المختلفة.
ومن ضمن التعديلات الإضافية التي أرادت روسيا إدخالها على نص المشروع الأيرلندي-النرويجي ما تعلق بمادة في مشروع القرار تشير إلى أن المساعدات الإنسانية والأنشطة المقرونة بها أوسع من مجرد تلبية الاحتياجات العاجلة للسكان، وطلبت روسيا أن تضاف كلمة "الكهرباء" للخدمات الإضافية التي تشير إليها الفقرة.
وجاء في المادة أن مجلس الأمن "يسلم بأن الأنشطة الإنسانية أوسع نطاقا من مجرد تلبية الاحتياجات العاجلة للسكان المتضررين، وأنها ينبغي أن تشمل تقديم الدعم للخدمات الأساسية من خلال مشاريع الإنعاش المبكر الهادفة إلى توفير المياه والكهرباء وخدمات الصرف الصحي والرعاية الصحية والتعليم والمأوى". يذكر أن القرار الأخير حول المساعدات الإنسانية والذي تبناه المجلس العام الماضي وتنتهي مدته في العاشر من الشهر الحالي، أي القرار 2585 (2021)، لم يتضمّن مفردة "كهرباء".
وطلبت روسيا تغييرات كذلك على المادة الرابعة، التي ترحب بالمجهودات الحالية والرامية إلى توسيع نطاق الأنشطة الإنسانية، ونصت على أن مجلس الأمن "يرحب بجميع الجهود والمبادرات الرامية إلى توسيع نطاق الأنشطة الإنسانية في سورية، بما في ذلك مشاريع الإنعاش المبكر الهادفة إلى توفير المياه وخدمات الصرف الصحي والرعاية الصحية والتعليم والمأوى، والتي تضطلع بها اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمات أخرى، ويهيب بالوكالات الإنسانية الدولية الأخرى والأطراف المعنية أن تدعم تلك الجهود والمبادرات".
وبحسب النسخة المسربة، فإن روسيا طلبت أن يتم تعديل نص المادة لتصبح: "يحث (مجلس الأمن) على زيادة وتدعيم الجهود الدولية لتوسيع نطاق الأنشطة الإنسانية في سورية، بما في ذلك مشاريع الإنعاش المبكر الهادفة إلى توفير المياه والكهرباء وخدمات الصرف الصحي والرعاية الصحية والتعليم والمأوى، والتي تضطلع بها الوكالات الإنسانية الدولية والأطراف ذات الصلة".
كما طالبت روسيا بأن يضاف إلى مشروع نص القرار تشكيل فريق عمل تتكون أطرافه من "الأعضاء المعنيين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والجهات المانحة الرئيسية والأطراف الإقليمية المهتمة وممثلي الوكالات الإنسانية الدولية العاملة في سورية، من أجل المراجعة والمتابعة المنتظمة لتنفيذ هذا القرار مع توفير المعلومات ذات الصلة لإدراجها في تقارير الأمين العام".
قضية خلافية
وبحسب "رويترز"، وافق المجلس المؤلف من 15 عضوا على العودة للاجتماع، اليوم الجمعة، لإجراء مزيد من المحادثات، بعد مفاوضات الخميس التي شهدت خلافا بين روسيا من جهة والولايات المتحدة وبريطانيا من جهة أخرى.
ونقلت عن نائب سفير روسيا لدى الأمم المتحدة دميتري بوليانسكي، أن موسكو تريد تجديد عملية المساعدة لمدة ستة أشهر فقط وتطلب من المجلس بعد ذلك تبني قرار جديد لتمديدها ستة أشهر أخرى.
وقالت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد للصحافيين: "ستة أشهر تنتهي في يناير، أي في منتصف الشتاء، وهو أسوأ وقت ممكن".
وأضافت توماس غرينفيلد، التي زارت المعبر الحدودي التركي الشهر الماضي لتقييم عملية المساعدة: "لا يوفر قرار مدته ستة أشهر اليقين والثقة اللذين يحتاجهما اللاجئون السوريون والمنظمات غير الحكومية (جماعات الإغاثة) للاستمرار في التخطيط وتقديم الدعم".
وبحسب "فرانس برس"، اقترحت النرويج وأيرلندا، المكلّفتان هذا الملفّ في مجلس الأمن، نصًا جديدًا مساء الخميس، ينصّ على تمديد لمدّة ستّة أشهر حتّى 10 كانون الثاني/يناير 2023، "مع تمديد لستّة أشهر أخرى، حتّى 10 تموز/يوليو 2023، إلّا في حال قرّر المجلس عكس ذلك".
ونقلت "رويترز" عن سفيرة أيرلندا لدى الأمم المتحدة جيرالدين بيرن ناسون قولها للصحافيين، إنها ستواصل العمل خلال الليل و"آمل أن أعود في الصباح ومعي حل".
وتصويت مجلس الأمن على عملية الإغاثة العابرة للحدود قضية خلافية منذ عدة سنوات.
ويستفيد 2,4 مليون سوري شهرياً من مساعدات تدخلها الأمم المتحدة، وفق بيانات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا). وعبرت الحدود خلال العام الحالي وحده أكثر من 4600 شاحنة مساعدات، حملت غالبيتها مواد غذائية، بحسب المصدر ذاته.
وتهدّد موسكو، داعمة دمشق الرئيسية، بعرقلة تجديد التفويض عبر استخدام حق النقض (فيتو)، وهو ما سبق وفعلته وأدى إلى إغلاق معابر أخرى استخدمتها الأمم المتحدة لإيصال المساعدات إلى مناطق خارج سيطرة الحكومة السورية.
تصرّ روسيا على أنه يمكن الاستمرار بتقديم المساعدات للسكان المحتاجين عبر مناطق سيطرة الحكومة السورية.
وفي عام 2014، أجاز المجلس توصيل المساعدات الإنسانية إلى مناطق تسيطر عليها المعارضة في سورية من العراق والأردن ونقطتين في تركيا. لكن روسيا والصين، اللتين تتمتعان بحق النقض (الفيتو)، قلصتا ذلك إلى نقطة حدودية تركية واحدة فقط.
وناشد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس المجلس، الشهر الماضي، تمديد موافقته على توصيل المساعدات من تركيا إلى شمال غربي سورية، قائلا: "لا يمكننا التخلي عن شعب سورية".