أكدت مصادر في وزارة الصحة المصرية أن الوضع الوبائي المتعلق بفيروس كورونا دخل مرحلة خطيرة في مصر، بسبب إهمال الدولة للتدابير الاحترازية والتمادي في السماح بالتجمعات بأشكالها المختلفة من حفلات ومهرجانات ومصايف، من دون ضوابط، ووقف تطبيق الإجراءات الخاصة بمواعيد غلق المحال التجارية ونسب الإشغال، عدا في المراكز التجارية الكبرى. وقالت المصادر، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن المؤشرات الرقمية لأعداد المصابين المحجوزين في المستشفيات الحكومية حالياً "خطيرة، وتنذر بأزمة حقيقية إذا لم تتدخل الدولة بقرارات عاجلة"، منها الربط الكامل بين معامل التحاليل المركزية والمعامل الخاصة لتسجيل إصابات كورونا، نظرا لتراجع الإقبال الشعبي على التحليل في المعامل الحكومية التي يتم من خلالها تسجيل عدد الإصابات اليومية التي تعلنها وزارة الصحة. وتسبب الإقبال المتزايد على المعامل الخاصة، وكذلك المستشفيات الخاصة لتلقي العلاج، في خلق منظومة موازية للتعامل مع الوباء، لا يُكشف عن تفاصيلها للرأي العام.
لا توجد أي وسيلة لمعرفة مدى انتشار متحور دلتا في مصر سوى في معامل وزارة الصحة
وكشفت المصادر أنه لا توجد أي وسيلة لمعرفة مدى انتشار متحور دلتا الجديد من كورونا، الذي أعلنت وزيرة الصحة هالة زايد أنه دخل إلى مصر في منتصف يوليو/ تموز الماضي، وتمّ تسجيل حالات عدة منه. ويأتي ذلك نظراً إلى عدم التوسع في استيراد وسائل التعرف إلى هذا المتحور، والتمييز بينه وبين السلالات السابقة من الفيروس، ولأن المعامل المركزية في وزارة الصحة هي وحدها التي تملك وسيلة التعرف إلى هذا المتحور من خلال تحليل "بي سي آر" الخاص به، وليس أي من المعامل الخاصة العاملة في هذا المجال. ويعني ذلك أن المصابين بهذا المتحور لن يتم تشخيصهم بالإصابة أو سيتم تشخيصهم كمصابي كورونا فقط.
وأوضحت المصادر أن عدداً من مديري المستشفيات الحكومية طلبوا توفير الاعتمادات المالية لاستيراد الإمكانيات اللازمة لتعميم الفحوصات لاستكشاف معدلات انتشار المتحور دلتا. وجاء ذلك بالتزامن مع تقارير طبية وعلمية، قُدمت لرئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء في الأسبوع الماضي، تؤكد ملاحظة إدارة الترصد في وزارة الصحة والمستشفيات المختلفة وجود اختلافات في نسب وسرعة انتشار الفيروس بين الأقارب والمقيمين في مكان واحد، بصورة أكبر منها في السابق، مع ملاحظة زيادة نسب الإصابة بين الأطفال، وزيادة نسبة الوفيات بين هذه الحالات تحديداً، على الرغم من أن الأعراض المرضية لا تكون بادية بالحدة المعهودة للحالات الخطيرة المصابة بسلالات كورونا سابقاً. ودفع ذلك إلى ترجيح انتشار متحور دلتا في خمس محافظات على الأقل، هي القاهرة والجيزة والإسكندرية وبورسعيد ودمياط.
وأوضحت المصادر أن هذه التقارير دعت إلى التدخل الحاسم من الدولة لوقف التجمعات وعودة تطبيق الإجراءات العقابية لحمل المواطنين على ارتداء الكمامات، بالتوازي مع التوسع في تهديد الموظفين بالعقوبة والغرامات حال عدم التسجيل لتلقي اللقاح. ويأتي ذلك لا سيما أن وزارة التربية والتعليم لا تملك أي خطة للحد من انتشار الفيروس حال بدء الدراسة المقرر انطلاقها في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، عدا ضمان تطعيم أكبر عدد من المعلمين والعاملين الإداريين، والأمر ذاته بالنسبة للجامعات الحكومية والأهلية والخاصة، ما يهدد بتفاقم الوضع خلال الشهر المقبل.
لكن المصادر استبعدت اتخاذ الإجراءات بالصرامة نفسها التي طبقت خلال العام الماضي سريعاً، بسبب الضغوط الاقتصادية ورفض رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي ورجال الأعمال والمستثمرين وقف التشغيل والمشروعات. كما يعترض أصحاب المدارس الخاصة والدولية على الإعلان عن أي إجراء يخص الدراسة قبل سداد الأسر للأقساط والمصاريف المدرسية، وإبلاغ الحكومة رسمياً بذلك، بحجة تمكينهم من ضمان نفقات التشغيل والعمالة. ورجحت المصادر أن تنعقد اللجنة العليا لإدارة الأزمة خلال الأسبوع المقبل لبحث الإجراءات الوارد اتخاذها والتوقيت المناسب لذلك.
وحصل "العربي الجديد" على بيانات أعدّتها أجهزة الدولة المصرية الأمنية والطبية، للعرض على لجنة إدارة أزمة كورونا، تضمنت ستة مؤشرات سلبية على حجم حركة وتجمعات المواطنين في شهر أغسطس/ آب الماضي، كاشفة عن ارتفاع كبير في توافد المصريين إلى أماكن التجمع والترفيه من المطاعم والملاهي والمحال التجارية غير الغذائية والمقاهي والسينما والعائمات والمراكب النيلية بنسبة 150 في المائة عما كانت الأوضاع عليه في بداية العام، ما يمثل دليلاً على استمرار توطن الزحام والتجمعات في أماكن الترفيه وتحولها إلى بؤر للإصابة.
برزت 6 مؤشرات سلبية على حجم حركة وتجمعات المواطنين في شهر أغسطس/ آب الماضي
وسجل التقرير زيادة إقبال المواطنين على أسواق الخضروات والفاكهة ومحال البقالة، بنسبة تزيد على الضعف قياساً ببداية العام، والأمر نفسه تقريباً مع وسائل النقل العامة التي تضاعف استخدامها قياساً ببداية العام، على الرغم من وقف الدراسة في جميع الجامعات والمعاهد خلال فترات العطلة. كما سجّل التقرير زيادة كبيرة في الإقبال على الأماكن السياحية والشواطئ والفنادق بنسبة زادت على 120 في المائة قياساً بالصيف الماضي، سواء من خلال الزيادة بسبب السياحة الداخلية في الساحل الشمالي ومنتجعات البحر الأحمر وحتى الجنوبي منها، وكذلك بالنسبة للسياحة الأجنبية.
وبناء على تلك النتائج، بات من الواضح أن ارتفاع أعداد الإصابات المسجلة حاليا لحوالي 300 يومياً، ربما يمثل بداية لموجة انتشار كبرى جديدة. وقالت المصادر إن الإدارات المختصة في وزارة الصحة تتوقع ارتفاعاً كبيراً في عدد الإصابات خلال شهر سبتمبر/ أيلول الحالي، بناء على عدد من المعطيات، أولها زيادة التجمعات في الجامعات ولدى التقديم في المدارس والأكاديميات والمعاهد، وثانيها عودة المواطنين من المصايف، وثالثها وضوح عدم تأثير اللقاح إيجابياً على انتشار المتحور دلتا.
وتحاول مصر التوسع في حملة اللقاح ضد كورونا، بالإعلان خلال الساعات الماضية عن ضرورة تسجيل الأطباء الموظفين الحكوميين والمعلمين وأساتذة الجامعات والعاملين الإداريين والطلاب فوق 18 سنة للحصول على اللقاح خلال الشهر الحالي، لتتمكن الدولة ابتداء من بداية أكتوبر من فرض بعض القيود على دخول بعض الأماكن التابعة لها ومزاولة بعض الأنشطة الرسمية إلا بعد تقديم ما يثبت أخذ اللقاح.
وعلى الرغم من تعدد أنواع اللقاحات المتاحة حاليا في مصر، فإن الوضع لا يزال هشّاً بسبب عدم تمكن الحكومة من الدفع سريعاً بجرعات لقاح "سينوفاك" محلية الصنع حتى الآن، لأسباب تتعلق بالكفاءة الفنية واكتشاف عيوب صناعية في بعض تشغيلاتها، حتى بعد أسبوع تقريباً من صدور موافقة هيئة الدواء المصرية على منح رخصة الاستخدام الطارئ لهذا اللقاح. وكانت الهيئة قد اكتشفت في وقت سابق مشاكل في بعض التشغيلات، على الرغم من الإعلان رسمياً عن تصنيع أول مليون جرعة في حفل كبير حضره رئيس الوزراء مصطفى مدبولي منذ شهرين تقريباً. وكان مدبولي قد أعلن إعادة فتح المنشآت التجارية، بما في ذلك المحال والمقاهي ومراكز التسوق الكبيرة، في مواعيدها العادية خلال فصل الصيف، دون قيود، ابتداء من الأول من يونيو/ حزيران الماضي. كما تقرّر استمرار حظر جميع الفعاليات الجماعية داخل المنشآت، مع منع إقامة الموالد وسرادقات العزاء والأفراح، وإعادة فتح الحدائق والمتنزهات والشواطئ العامة.