ما وراء تصاعد الخطاب الديني في حملات الانتخابات المحلية الفلسطينية

20 مارس 2022
تتهم "فتح" باستغلال الخطاب الديني في الدعاية الانتخابية (فيسبوك)
+ الخط -

أخيرا، انتشرت بين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في فلسطين  مقاطع خطابية من مهرجانات تتعلق بانتخابات المجالس المحلية الفلسطينية في مرحلتها الثانية، التي ستعقد في الـ26 من الشهر الحالي، تتهم من خلالها حركة فتح، التي تقود السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، باستغلال الخطاب الديني في الدعاية الانتخابية، التي بدأت رسمياً السبت الماضي، في حين كانت مثل تلك الاتهامات توجه في الانتخابات المحلية والتشريعية في الأعوام 2004-2006 لحركة حماس ذات المرجعية الإسلامية.

وانتشر مقطعاً فيديو لأمين سر حركة فتح في الخليل عماد خرواط خلال مهرجان انتخابي لقائمة "البناء والتحرير" التي تتنافس باسم حركة فتح لانتخابات بلدية الخليل، يقول في إحداها: "أنا أتوقع كل واحد لا ينتخب رقم 6 (الرقم الانتخابي للقائمة) يؤثم شرعاً عند الله"، ليقول في مقطع آخر: "اليوم رقم ستة هو أمانة في رقابكم وأنا أتحمل الإثم عند الله عندما قلت لكم من ينتخب غير الرقم 6 يؤثم شرعاً، وأنا أؤكد لكم من ينتخب غير الرقم 6 واللهِ سيحاسبه الله، وأنا حلفت يمين".

ورغم ورود كلمة أمين سر حركة فتح في الخليل عماد خرواط في فيديو مدته ساعة و25 دقيقة، في 12 مارس/آذار الجاري، منشورا تحت عنوان "حفل إطلاق الدعاية الانتخابية لكتلة البناء والتحرير لانتخابات بلدية الخليل"، على صفحة "فيسبوك" لكتلة البناء والتحرير، يقول الناطق باسم الحملة الانتخابية محمد البكري لـ"العربي الجديد": "إن حديث خرواط كان داخل اجتماع تنظيمي ولم يكن داخل دعاية انتخابية، ولم يكن حديثاً للجماهير".

ويضيف البكري: "هذا أمين سر حركة فتح يتحدث مع كوادر الحركة الملتزمين، وهو من باب التحفيز وليس من باب الفتوى والتشريع ولا المساس بأصول الدين، هو من باب التشجيع ومن باب أن العضو الملتزم يجب أن يكون ملتزما حقيقة، وهذا الخطاب كان خطاباً موجهاً لأبناء الحركة وليس لعموم الناس، نحن في مجتمع فلسطيني فيه الكثير من الأحزاب وفيه أحزاب عديدة وأبناء شعبنا تاريخياً من أكثر الشعوب التزاماً بتيارات سياسية مختلفة ولا يجوز أن يخاطب عامة الناس بأي بعد تنظيمي لتنظيم محدد، هو كان يخاطب أبناء التنظيم، ولم يخاطب الجماهير التي لها انتماءات مختلفة، وفي نفس الوقت لم يستخدمها في إطار الفتوى بل من باب التشجيع لأبناء التنظيم يعني أنه يؤثم من لا يحافظ على انتمائه، ولا يكون صادقا في انتمائه تجاه تنظيمه".

بينما انتشر مقطع آخر لمرشح قائمة "نابلس تختار"، وهي "قائمة مهنية مستقلة تدعمها حركة فتح، شُكّلت خارج إطار الحسابات التنظيمية كلياً، تم اختيار شخوصها لاعتبارات مهنية وعلى أساس الكفاءة وليس على الأساس الحزبي"، كما عرّفها مرشح القائمة ومدير حملتها الانتخابية بكر عبد الحق في حديث مع "العربي الجديد"، وفيه يقول الشيخ مازن دويكات المرشح في القائمة : "لماذا قائمة نابلس تختار رقم 5؟ أنا سأجيبكم، قلت لهم: إن أمكن اختيار رقم 5 فاختاروه، لماذا؟ قلت لهم لأن أركان الإسلام خمسة، والصلوات في اليوم خمسة، والله جل في علاه القائل إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً، وزعها على 24 ساعة، على مدار اليوم، ولم يفرضها خلال نصف ساعة فقط، ونابلس وبلديتها تفتح أبوابها وكل مؤسساتها على مدار 24 ساعة، واخترنا الرقم 5".


واعتبر مدير مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية "شمس" عمر رحال، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن مثل تلك التصريحات تنم عن جهل في الدعاية الانتخابية والقانون، وأكد أن القانون الفلسطيني قد منع خطباء المساجد من استخدام المنابر للدعوة لانتخاب قائمة أو عدم انتخاب أخرى، كما منع أن يتم إلصاق الدعاية الانتخابية أو استخدام أي مبانٍ دينية، ومنع استخدام الرموز الدينية، مضيفاً: "فمن باب أولى أن لا يتم استخدام وزج الدين في الدعاية الانتخابية".

كما أكد رحال أن الأمر لا يرتبط فقط بالقانون، بل إنه خطاب غير موفق ومن أشكال الاستغلال السيئ للدين، وأضاف: "عندما نتحدث عن الديمقراطية والانتخابات نتحدث عن البرنامج ومدى واقعيته وصدقيته، والأشخاص الذين يمثلون هذه القائمة، واذا ذهبنا إلى استخدام الدين بهذا الشكل السلبي سيكون هناك تهديد للديمقراطية وتخويف للناس، فهناكم أناس بسطاء إذا سمعوا مثل هذه التصريحات يمكن أن يذهبوا وينتخبوا هذه القائمة أو تلك استناداً للحلال والحرام وهذا في الديمقراطية غير وارد، وهو تهديد صريح للعملية الديمقراطية".

بينما أعاد الكاتب والمحلل السياسي نهاد أبو غوش، في حديث مع "العربي الجديد"، ظهور مثل هذا الخطاب إلى خلو الحملات الانتخابية سواء لدى حركة فتح أو غيرها من البرنامج السياسي البرامجي، بسبب غياب الفصائل وضعف ثقة الناس بتجزئة العملية الديمقراطية واختزالها على البلديات دون انتخابات تشريعية ورئاسية، ما يعني عدم استجابة الخطاب الانتخابي لتعطش الناس في المشاركة.

ويعتقد أبو غوش بعدم وجود توجه مركزي لدى "فتح" باستخدام الدعاية ذات الطابع الديني، بل إن ذلك الخطاب خرج بسبب غياب السياسة والنضج والتنافس البرامجي، ما دفع الناس إلى التنافس الفردي والعشائري وما بين رجال الأعمال، لينعكس على مستوى الدعاية الانتخابية بمستوى هابط برأيه، يرتبط بالنزعات الفردية والفئوية والعشائرية لكل طرف، وليس لها أي مضمون سياسي.

بدوره، يرد المرشح عن قائمة "نابلس تختار" ومدير حملتها الانتخابية بكر عبد الحق بأن ما تحدث به المرشح دويكات ليس خطاباً دينياً، مشيراً إلى أن دويكات شخصية مستقلة ورجل إصلاح وإمام مسجد، وخطابه فطري متعلق بالدين بحكم الموقع الذي يشغله.

يضيف عبد الحق: "دويكات لم يتحدث عن أن رسالة القائمة أو برنامجها قائم على الصلوات الخمس أو مرتبط بأركان الإسلام، ولم يوظف هذه الجزئيات الدينية في خطاب أو برنامج القائمة، وإنما تحدث عن وجهة نظره المتعلقة بسبب اختياره بأن يكون رقم القائمة 5، لأنه يعني له أركان الإسلام وعدد الصلوات".

ويؤكد عبد الحق أن كلام دويكات جاء في سياق كلمة بدأها بالحديث عن الوحدة الوطنية، مستخدماً آيات تحث عليها، معتبراً أن ذلك ليس خطاباً دينياً، بل تعزيز لنزعة الوحدة من خلال الاستشهاد بالآيات القرآنية، ويتابع عبد الحق: "متى يكون الخطاب دينياً؟" مجيباً: "عندما ينعكس في البرنامج الانتخابي أو عندما ترفع شعارات انتخابية مربوطة بالدين بشكل واضح، أو تستخدم الدين لحث الناس على التصويت، مثل شعار الإسلام هو الحل، أو شعار إذا أردت أن تنصر الإسلام فانتخب القائمة الفلانية".

ويضيف عبد الحق: "من يحسم الأمر لجنة الانتخابات، هي الأقدر على الحكم إن كان خطاباً دينياً أم لا؟ ولم يردنا من اللجنة إن ما تم اقتطاعه من كلمة الشيخ دويكات وتم توظيفه في سياق مهاجمة القائمة، بأنه خطاب ديني".

وتعقد الانتخابات المحلية في مرحلتها الثانية في 26 مارس/ آذار الجاري، والتي خصصت للمجالس البلدية الكبيرة، إضافة إلى المجالس التي أجلت من المرحلة الأولى بسبب عدم ترشح قوائم فيها، حيث اقتصرت المرحلة الأولى في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، على المجالس المحلية الصغيرة، وتعقد الانتخابات المحلية الحالية في الضفة الغربية فقط بعد مقاطعة حركة حماس، التي تطالب بانتخابات عامة رئاسية وتشريعية وللمجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكانت السلطة الفلسطينية أجلت تلك الانتخابات العام الماضي، بسبب رفض الاحتلال عقدها في القدس المحتلة.

المساهمون