ما هي معاهدة القوات التقليدية في أوروبا التي يريد بوتين الانسحاب منها؟

11 مايو 2023
جنود روس مع علم الاتحاد السوفييتي في "يوم النصر" بموسكو، الثلاثاء (Getty)
+ الخط -

في خطوة جديدة على طريق انسحاب روسيا من كل الاتفاقيات الدولية السابقة، بشأن الحدّ من التسلح وضمان التوازن الاستراتيجي مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأربعاء في 11 مايو/أيار الحالي، مرسوماً عيّن فيه نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف ممثلاً خاصاً في البرلمان الروسي، للمصادقة على انسحاب روسيا من معاهدة القوات التقليدية في أوروبا الموقعة في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 1990، قبل أن يعلن مجلس الدواما، اليوم الثلاثاء، موافقته على إلغائها.

تفاصيل المعاهدة

وفي عام 1990، وقّع ممثلو 16 دولة من دول حلف الأطلسي (بلجيكا، كندا، الدنمارك، فرنسا، ألمانيا، اليونان، أيسلندا، إيطاليا، لوكسمبورغ، هولندا، النرويج، البرتغال، إسبانيا، تركيا، بريطانيا، والولايات المتحدة)، بصفتهم مجموعة واحدة، مع سبع دول كانت منضوية في منظمة حلف وارسو (الاتحاد السوفييتي، بلغاريا، رومانيا، المجر، بولندا، ألبانيا، تشيكوسلوفاكيا) بصفتهم مجموعة ثانية، على معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا.

وحينها سُمح لكلتا المجموعتين بالحصول على عدد متساوٍ من الأسلحة التقليدية والمعدات العسكرية. وتضمنت الاتفاقية معايير نشر الأسلحة التقليدية على أساس التوازن الذي كان قائماً في حينه بين الأطلسي وحلف وارسو.

مع العلم أن حلف وارسو لم يعد قائماً منذ عام 1991، بعدما انتهت مفاعيله بتفكك الاتحاد السوفييتي، وانقسمت دوله إلى فئتين: الفئة الأولى انضمت إلى حلف الأطلسي بموجات توسع الحلف منذ عام 1997، ومنها بولندا والمجر وبلغاريا ورومانيا ودول البلطيق (إستونيا وليتوانيا ولاتفيا) التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي.

حددت المعاهدة الحدود القصوى لـ5 فئات من الأسلحة التقليدية

 

أما الفئة الثانية فبقيت خارج حلف الأطلسي. وحددت المعاهدة الحدود القصوى لخمس فئات من الأسلحة التقليدية، وهي المركبات القتالية والمدرعة والمدفعية والطائرات المقاتلة والمروحيات القتالية.

وبحسب المعاهدة، فقد سُمح للمجموعتين بنشر 20 ألف دبابة و30 ألف عربة مدرعة و20 ألف وحدة مدفعية و6800 طائرة مقاتلة وألفي مروحية هجومية، لكل منهما. ويومها رفضت لاتفيا وليتوانيا وإستونيا الانضمام إلى اتفاقية باريس عقب انهيار الاتحاد السوفييتي.

تعديلات إسطنبول

بعد ذلك، وفي أثناء قمة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في عام 1999 التي عقدت في إسطنبول التركية، تم تبنّي تعديلات عدة بطلب من روسيا، وراعت انهيار الاتحاد السوفييتي وحلف وارسو، وتضمنت تحديد كمية المعدات العسكرية، بما في ذلك الأجنبية، التي يمكن للدول ذات السيادة نشرها على أراضيها.

وفي موازاة ذلك، تم اعتماد الوثيقة الختامية للمفاوضات حول تعديل معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا. وتعهدت دول الأطلسي بعدم نشر قوات قتالية كبيرة، مثل سلاح الطيران على أراضي الدول الأعضاء الجدد، كما تم تخفيض الحد الأقصى للأسلحة لدى المجر وبولندا وسلوفاكيا وجمهورية التشيك.

وفي المقابل، تعهدت روسيا بسحب جزء من الأسلحة من جورجيا وجميع الأسلحة من مولدوفا، تحديداً من إقليم بريدنيستروفيا (ترانسنستيريا) الانفصالي، إضافة إلى التحلي بالصبر وضبط النفس في نشر القوات في منطقتي كالينينغراد (الجيب الروسي على بحر البلطيق، والواقع بين ليتوانيا وبولندا) وبيسكوف، في شمال غربي روسيا، المتاخمة للاتفيا وإستونيا.

غير أن برلمانات بلدان الأطلسي رفضت المصادقة على التعديلات التي تم التوافق عليها في إسطنبول. وبعد اتهامها لدول الأطلسي بتجاوز الحد الأقصى لكميات الأسلحة المنصوص عليها في المعاهدة، دعت روسيا في يونيو/حزيران 2007 إلى عقد مؤتمر استثنائي للدول الأطراف في معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا في العاصمة النمساوية فيينا.

وفي المؤتمر، شدّدت روسيا على أن المعاهدة لا يمكن أن تكون قابلة للتطبيق من دون انضمام لاتفيا وليتوانيا وإستونيا إليها، وخفض المستوى الإجمالي لعدد أسلحة ومعدات دول حلف الأطلسي والوفاء بعدد من الشروط الأخرى، من ضمنها دخول معاهدة 1999 حيز التنفيذ أو على الأقل التطبيق المؤقت لها، وتخفيض العدد الإجمالي لأسلحة دول الأطلسي، مع مراعاة الأعضاء الجدد، وإلغاء عدد من القيود المفروضة على روسيا في مجال نشر قواتها.

ومع الفشل في التوصل إلى تفاهمات، وقّع بوتين في 13 يوليو/تموز 2007، على مرسوم "بشأن تعليق الاتحاد الروسي لمعاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا والمعاهدات الدولية ذات الصلة".

ولكن ممثلو روسيا واصلوا المشاركة في اجتماعات المجموعة الاستشارية المشتركة، التي أنشئت على أساس الفقرة 16 من المعاهدة ومهمتها النظر في القضايا المتعلقة بالامتثال أو التحايل المحتمل على أحكام المعاهدة، وكذلك لحل الغموض والجوانب المثيرة للجدل والاختلافات في التفسير، التي قد تنشأ فيما يتعلق بتنفيذ هذه المعاهدة، والنظر في التدابير لتحسين جدوى الاتفاقية وفعاليتها. وتُعقد اجتماعات دورية في فيينا مع رئاسة دورية عامة منتظمة.

وفي 11 مارس/آذار 2015، علّقت روسيا مشاركتها في اجتماعات المجموعة الاستشارية المشتركة، وبذلك استكملت عملية تعليق عضويتها في المعاهدة، لكنها استمرت بشكل قانوني بحت في البقاء فيها. ومنذ ذلك الحين، مثلت بيلاروسيا مصالح روسيا في الفريق الاستشاري المشترك.

تدهور علاقات روسيا بـ"الأطلسي"

ومع موافقة المشرعين الروس على الانسحاب من معاهدة الأسلحة التقليدية، يمكن لروسيا نشر مزيد من المعدات والقوات العسكرية والصواريخ على الحدود الأطلسية، التي باتت بعد انضمام فنلندا إلى الحلف الشهر الماضي، بطول نحو 2600 كيلومتر.

وتؤكد نية روسيا الانسحاب من المعاهدة وصول علاقات روسيا والأطلسي إلى أدنى مستوى منذ انتهاء الحرب الباردة (1947 ـ 1991)، على خلفية الحرب الروسية على أوكرانيا ودعم البلدان الغربية لأوكرانيا بالأسلحة والعتاد اللازمين لصد القوات الروسية، وتنفيذ هجوم مضاد لتحرير الأراضي التي سيطرت عليها روسيا في أوكرانيا، وزيادة الميزانيات الدفاعية في جميع بلدان حلف الأطلسي، ورفع وتيرة التصنيع العسكري لتأمين القدرات الكافية لردع روسيا.

وتنذر الخطوة الروسية بإطلاق سباق تسلح جديد ورفع مستوى التوتر في نقاط الاحتكاك بين روسيا والأطلسي، خصوصاً في منطقة بحر البلطيق والقطب الشمالي، حيث يمكن أن تنشر روسيا صواريخ هجومية في كالينينغراد ومورمانسك، وكذلك زيادة نشر قواتها في حليفتها بيلاروسيا.

وعلى الرغم من أن الخطوة الروسية بالانسحاب من المعاهدة الخاصة بالقوات المسلحة التقليدية في أوروبا لم تكن مفاجئة تماماً، إلا أن التوقيت الحالي يوجه إشارة قوية إلى الولايات المتحدة وبلدان أوروبا، بأن تعيد النظر في دعمها لأوكرانيا، وزيادة الإنتاج الصناعي العسكري وأعداد الجيوش.


تُنذر الخطوة الروسية باحتمال نشرها صواريخ هجومية
 

ومن غير المستبعد أن الإعلان الروسي جاء من أجل فتح الباب أمام مفاوضات مع الولايات المتحدة لإيجاد حلول لضمان التوازن الاستراتيجي في العالم، وفي الوقت ذاته فتح المجال أمام الوصول إلى صفقة شاملة تتضمن حلاً للحرب في أوكرانيا، خصوصاً أن الانسحاب من معاهدة الأسلحة التقليدية في أوروبا، جاء بعد تعليق روسيا مشاركتها في اتفاقية "ستارت 3" في فبراير/شباط الماضي، وقبلها انسحابها من اتفاقية الأجواء المفتوحة مع الولايات المتحدة والأطلسي.

انسحابات روسية سابقة

ففي 22 فبراير الماضي، صادق مجلسا الدوما (البرلمان) والاتحاد (الشيوخ) الروسيان على مشروع قانون عرضه بوتين يتضمن تعليق مشاركة روسيا في معاهدة "ستارت 3". مع العلم أن اتفاقية "ستارت 3" أو "نيو ستارت" هي استمرار لاتفاقيات "ستارت" الموقعة في عام 1991.

وتم توقيع "ستارت 3" في عام 2010، وعُدّت حينها نتيجة جيدة لسياسة إعادة تشغيل العلاقات في عهد الرئيسين، الأميركي بارك أوباما، والروسي دميتري ميدفيديف، لكنها لم تدم طويلاً.

وبعد الحرب الروسية على أوكرانيا، التي بدأت في 24 فبراير 2022، لم يعد تنفيذ بند مهم من المعاهدة وهو المراقبة الدورية ممكناً، إذ أنه بسبب العقوبات المفروضة على الطيران الروسي لم تستطع الفرق الروسية مراقبة تنفيذ الولايات المتحدة، ولاحقاً رفضت روسيا دخول مراقبي التفتيش الغربيين أراضيها في أغسطس/آب 2022.

وتُعدّ الاتفاقية آخر اتفاقية كبرى قائمة من اتفاقات التوازن الاستراتيجي الكبرى، بعد انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية الصواريخ المتوسطة وقصيرة المدى، والأجواء المفتوحة.

أما معاهدة الأجواء المفتوحة، فانسحبت روسيا منها في يناير/كانون الثاني 2021. وتسمح المعاهدة المبرمة في عام 1992 بين روسيا والولايات المتحدة و32 دولة أخرى، معظمها منضوية في حلف الأطلسي، لطيران جيش أي بلد عضو فيها بتنفيذ عدد محدد من الرحلات الاستطلاعية غير المسلحة في أجواء بلد عضو آخر بعد إبلاغه بالأمر.

ويمكن للطائرة مسح الأراضي تحتها، وجمع المعلومات والصور للمنشآت والأنشطة العسكرية بهدف إزالة الشكوك التي لا أساس لها بين الدول المتخاصمة وتجنب المفاجآت وتقليل احتمال اندلاع نزاعات. وفي 2 أغسطس 2019، أعلنت وزارة الخارجية الروسية، أن معاهدة الصواريخ المتوسطة وقصيرة المدى الموقعة بين روسيا والولايات المتحدة قد انتهت بمبادرة من واشنطن نفسها.

وذكرت في بيان أنه "في 2 أغسطس 2019، بمبادرة من الجانب الأميركي، تم إنهاء المعاهدة بين اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية والولايات المتحدة الأميركية حول حظر صواريخها المتوسطة وقصيرة المدى، الموقعة في واشنطن في 8 ديسمبر 1987".

المساهمون