أعلنت الرئاسة التونسية، اليوم الأربعاء، عن تكليف نجلاء بودن رمضان، بتشكيل الحكومة، كأول امرأة تتولّى هذا المنصب في تاريخ تونس، "على أن يتم ذلك في أقرب الآجال" بحسب بيان الرئاسة التونسية. وقال رئيس الجمهورية قيس سعيد لرئيسة الحكومة الجديدة: "قررت تكليفكم بتشكيل حكومة جديدة وسيكون هذا لأول مرة في تاريخ تونس، لأول مرة تتولى امرأة رئاسة الحكومة"، مستدركاً: "حتى نهاية التدابير الاستثنائية". وأضاف: "نحن نتحمل اليوم مسؤولية تاريخية، وهذه لحظة تاريخية فللمرة الأولى تكون امرأة رئيسة للحكومة في تونس لا عضواً فيها فقط، وهذا شرف لتونس وتكريم للمرأة التونسية القادرة على القيادة بنفس القدر من النجاح والرؤية الواضحة". وأوضح سعيّد: "أضعنا الكثير من الوقت ولا بد من العمل بسرعة وفق ما تنص عليه التدابير الاستثنائية والأوامر المنظمة لها، وسيكون الفريق الذي تتولين رئاسته متجانساً يعمل على مقاومة الفساد ومحاربة هذه الآفة والاستجابة لمطالب التونسيين".
وأكد: ''سنعمل معاً في المستقبل بإرادة وعزيمة ثابتة للقضاء على الفساد والفوضى التي عمّت الدولة في مختلف المؤسسات، هناك صادقون وصادقات يعملون ليلاً ونهاراً، ولكن هناك أيضاً من هم على نقيض هؤلاء يعملون على إسقاط الدولة''.
ولا يعرف الكثير عن بودن رمضان، وهي مجهولة تقريباً في الساحة السياسية التونسية، عدا عن كونها من مواليد عام 1958 وأصيلة محافظة القيروان وسط تونس، وهي أستاذة تعليم عالٍ في المدرسة الوطنية للمهندسين بتونس، ومختصّة في علوم الجيولوجيا، وتشغل حالياً خطّة مكلفة بتنفيذ برامج البنك الدولي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي. وتمّ تعيينها مديرة عامة مكلفة بالجودة بوزارة التعليم العالي سنة 2011. كما شغلت منصب رئيسة وحدة تصرف حسب الأهداف بالوزارة ذاتها، وكُلّفت بمهمة بديوان وزير التعليم العالي السابق شهاب بودن سنة 2015.
بودن رمضان مكلّفة بتنفيذ برامج البنك الدولي في وزارة التعليم والبحث العلمي
ولئن استبشر كثيرون بهذا التعيين، الأول من نوعه في تونس، فإنه طرح في نفس الوقت أسئلة واحترازات متنوعة، خصوصاً بما يتعلق بتجربتها في وضع سياسي معقّد للغاية، ومدى خبرتها الاقتصادية أمام ملفات مستعجلة لا تنتظر.
وتوقف كثيرون عند معايير ودوافع اختيارها، وما إذا كانت حركة تلطيفية وتجميلية لموقف سعيّد الدقيق، بعد تصاعد موجات المعارضة وتوسعها، أو أن معيار اختيارها الأساسي هو الولاء له.
وللتذكير، فقد أكد سعيّد بنفسه من شارع بورقيبة، منذ 20 يوماً أنّه "سيتمّ الإعلان في أقرب الآجال عن تشكيل الحكومة"، مؤكّداً أنّه حضر جلسة عمل منذ قليل حول أعضاء الحكومة، وسيعمل "على اختيار الأشخاص الذين لا تشوبهم شائبة، والذين يشعرون بثقل الأمانة".
وتعني هذه التأكيدات أن سعيّد يشرف بنفسه وقبل أسابيع من تعيين بودن على اختيار ملفات الوزراء، على قاعدة الولاء وعدم خيانة العهد، خصوصاً بعد تجربته مع رئيس الحكومة المقال، هشام المشيشي، والتي كانت من بين أسباب الوصول إلى هذا الوضع أصلاً. وفي هذه الحالة، يطرح السؤال عما إذا كانت بودن رمضان ستختار وزراءها فعلاً، أم أن القصر قد أعد القائمة، أم ستكون تسمية الوزراء تشاركية مع سعيّد؟ وما هي صلاحياتها الحقيقية في هذه التركيبة؟
مع العلم أن سعيّد عيّن أربع شخصيات على رأس وزارات خلال الفترة الاستثنائية، وهي: مصطفى الفرجاني، مكلفاً بتسيير وزارة الصحة، والضابط بالحرس الرئاسي، رضا غرسلاوي مكلفاً بتسيير وزارة الداخلية، والمديرة العامة بوزارة المالية سهام البوغديري نمصية مكلفة بتسيير وزارة الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار، ونزار بن ناجي مكلفاً بتسيير وزارة تكنولوجيات الاتصال والاقتصاد الرقمي. ولا يستبعد متابعون الإبقاء على عميد جامعة تونس المنار السابق فتحي السلاوتي المكلف بتسيير وزارة التعليم.
أما ما يتعلق بصلاحيات ونفوذ رئيسة الحكومة الجديدة فعلياً، فينبغي العودة إلى النص القانوني الذي كُلّفت على أساسه بتشكيل الحكومة، وهو الأمر الرئاسي الشهير عدد 117 الصادر يوم 22 سبتمبر/أيلول الحالي. ويشير هذا الفصل إلى أن رئيس الجمهورية "يمارس السلطة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس حكومة"، وهو الذي "يرأس مجلس الوزراء وله أن يفوّض لرئيس الحكومة ترؤسه"، و"تتكوّن الحكومة من رئيس ووزراء وكتاب دولة يعينهم رئيس الجمهورية". كما "يؤدي رئيس الحكومة وأعضاؤها أمام رئيس الجمهورية اليمين المنصوص عليها بالفقرة الأخيرة من الفصل 89 من الدستور"، و"تسهر الحكومة على تنفيذ السياسة العامة للدولة طبق التوجيهات والاختيارات التي يضبطها رئيس الجمهورية".
ويؤكد الفصل 18 من الأمر 117 على أن "الحكومة مسؤولة عن تصرفها أمام رئيس الجمهورية"، وهو ما يعني أنه الوحيد الذي يمنحها الثقة وينزعها عنها، وأن مصدر شرعية هذه الحكومة مستمد فقط من الرئيس ومن الأمر رقم 117.
واعتبرت أغلب ردود الفعل القانونية أن هذا التعيين غير دستوري، إذ دوّن القاضي أحمد الرحموني "من دون أية استشارة ولا مشاورات وفي غياب الاستناد إلى أية شرعية دستورية (دستور 2014)، قيس سعيد يعتمد على الأمر الرئاسي عدد 117 لتكليف شخصية غير معروفة لتشكيل حكومة".
وقال أستاذ القانون الدستوري، جوهر بن مبارك إن "سعيّد يوغل في الانقلاب والسطو على السلطة ومباشرتها بنفسه. هذه حكومة غير شرعية وغير قانونية ومجرّد أداة أخرى من أدوات الانقلاب".
معارضو الرئيس: سعيّد يوغل في الانقلاب والسطو على السلطة
وتبدو نجلاء بودن رمضان في اختبار تاريخي بالفعل، ليس فقط لأنها تخوض أول تجربة لامرأة على رأس حكومة ويتعين عليها إنجاحها حتى تؤكد نجاح التجربة وتتواصل وتتوسع في المستقبل، بل لأنها تأتي في مرحلة دقيقة للغاية من تاريخ البلاد. وستكون بالضرورة طرفاً في إدارة الأزمات وحلقة وصل مع أطراف متعددة في الشارع التونسي لتأدية دور سياسي، إن مكنها الرئيس من ذلك. كما ستكون طرفاً مهماً في محاورة الشركاء خارج الحدود، اقتصادياً وسياسياً، وربما يكون منصبها كمكلفة بتنفيذ برامج البنك الدولي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي عنصراً في ذلك، رغم محدودية هذه المشاريع.
وستتحرك رئيسة الحكومة الجديدة وسط غابة من المحاذير التي يضعها سعيّد بحكم تجاربه السابقة مع الحكومات وعلاقته المتوترة مع الأحزاب، وبحكم ضوابط تحركه في مشروعه السياسي ونواياه بخصوص خريطة الطريق، المجهولة حتى الآن. كما ستكون بودن رمضان في مواجهة شارع منقسم وجبهة معارضة للرئيس تتسع يوماً بعد يوم، وفي خضمّ أزمة اقتصادية حادة، وتدهور لأوضاع الحقوق والحريات.