يحاول تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير في السودان، مرة أخرى، لملمة شتات العمل المعارض عقب الانقلاب العسكري، لكن محاولاته تصطدم في كل مرة بأكثر من عقبة.
اليوم السبت، أصدر التحالف بيانا تعهد فيه بمخاطبة القوى السياسية والنقابية ولجان المقاومة لإعادة مقترحه القديم المتجدد ببناء الجبهة المدنية الموحدة لهزيمة الانقلاب، وفي الحد الأدنى إن تعذر بناء الجبهة، تشكيل مركز تنسيقي ميداني وإعلامي موحد يتولى مهمة التحضير لمواصلة تصعيد العمل الجماهيري والإعداد للعصيان المدني الشامل في الفترة المقبلة.
وخلال ثمانية أشهر من الانقلاب العسكري، في الخامس والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، زادت هوة الخلافات بين مكونات المعارضة، ووقف تحالف الحرية والتغيير في صف والحزب الشيوعي السوداني وتجمع المهنيين السودانيين ولجان المقاومة في صف آخر، لا يجمع بينهما سوى رغبة الطرفين في إسقاط الانقلاب.
وتوسعت الهوة في الشهر الأخير بعد أن أقدمت الحرية والتغيير على التفاوض مع العسكر تحت الرعاية السعودية الأميركية.
ويوضح القيادي في تحالف الحرية والتغيير شهاب إبراهيم أن دعوتهم الجديدة تلك تعني أول ما تعني "كل حزب أو تنظيم نقابي أو مهني أو مؤسسة مجتمع مدني له موقف واضح ضد الانقلاب، لأنه يتشارك مع الحرية والتغيير هدفا أصيلا هو إنهاء الانقلاب كليا وعودة العسكر للثكنات وقيام سلطة مدنية كاملة غير منقوصة".
ويرفض إبراهيم، في حديث لـ"العربي الجديد"، فكرة التعارض بين إسقاط الانقلاب والحراك الجماهيري، "لأن التحالف حدد منذ وقت مبكر عقب الانقلاب 3 أدوات لإسقاطه، في مقدمتها الحراك الجماهيري والضغط الدولي والإقليمي، والحل السياسي عبر عملية سياسية ذات مصداقية شرطها الأول والأخير إسقاط وهزيمة الانقلاب"، مؤكدا أن "المزايدة السياسية وحدها هى التي تخلق تقاطعا بين الأدوات الثلاث". وأشار إلى أن "توقيت الدعوة الأخيرة بشأن تشكيل الجبهة الموحدة برزت بعد نجاح مليونية 30 يونيو التي كانت ستعطي ثمارا أكثر بوجود قيادة سياسية وميدانية موحدة، كما أن الدعوة تهدف لتنظيم عصيان شامل في البلاد.
وتوقع "حدوث استجابة للدعوة ونجاحها هذه المرة للضرورة التي تفرضها أهمية وحدة قوى الثورة؛ لا لشيء سوى تحقيق مطالب الشارع العريض بإنهاء الانقلاب وعودة المسار الديمقراطي، ما يفرض في نفس الوقت على الكل التعاطي مع دعوة الحرية والتغيير".
على العكس من ذلك، لا يعلق المتحدث الرسمي باسم تجمع المهنيين السودانيين مهند مصطفى، أي آمال على الدعوة، ويتوقع لها "الفشل المبكر"، مشيرا إلى أن موقف التجمع واضح جدا من تلك الدعوات المتكررة لتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير بتكوين جبهة موحدة ضد الانقلاب، إذ يرفضها تمامآ لأكثر من سبب؛ "أولها أن تحالف الحرية والتغيير يحمل تناقضات داخليه ويحتوي تنظيمات هي جزء من انقلاب 25 أكتوبر، مثل الجبهة الثورية الممثلة بأعضاء منها داخل مجلس السيادة الانتقالي، ولديها وزراء ما زالوا يحتفظون بمقاعدهم، بالتالي لن يكون التجمع معهم في أي جبهة".
كذلك يرى مهند مصطفى، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن دعوة الحرية والتغيير "لا تقدم أي رؤية بشأن برامج وأهداف الحلف الجديد، بما في ذلك غياب الرؤية لما بعد سقوط الإنقلاب وهزيمته، وهذا تكرار لأخطاء الماضي القريب، كما أن الحرية والتغيير مصرة على التفاوض مع العسكر رغم الرفض الواسع لقوى الثورة الحقيقية، سواء في الشارع أو لجان المقاومة، والأغرب أنهم يتحدثون عن عدم مضيهم في التفاوض، في وقت يؤكد فيه فولكر بيرتس رئيس بعثة الأمم المتحدة أن المفاوضات قطعت شوطا بنسبة 80 بالمائة".
ويؤكد مصطفى أن تجمع المهنيين السودانيين كواحد من قوى الثورة يرفض أي تفاوض أو شراكة جديدة مع العسكر "مهما كانت المبررات"، مبيّنًا أن رؤية التجمع هي "دعم ما تقوم به لجان المقاومة السودانية من إعداد لمواثيق سياسية ودمجها حتى يتواصل المد الثوري للوصول لنقطة هزيمة الانقلاب ومحاكمة قادته والقصاص للشهداء وتشكيل سلطة مدنية كاملة، وعودة كل العسكر إلى ثكناتهم وحل مليشيات الدعم السريع والمليشيات التابعة للحركات المسلحة".
ويستطرد مصطفى أكثر بالحديث عن اضطراب في الخطاب داخل مكونات تحالف الحرية والتغيير؛ "فرئيس حزب الأمة القومي، اللواء متقاعد فضل الله برمة ناصر، في كثير من تصريحاته، يتمسك بضرورة وجود شراكة مع العسكر والمدنيين".
وليس بعيدا عن موقف تجمع المهنيين، يرفض الحزب الشيوعي السوداني مبدأ الحديث عن طرح ومبادرة الحرية والتغيير، لأنه يرى أن "التحالف جزء أصيل من قوى الهبوط الناعم التي لا تريد تغييرات جذريا في البلاد".
وتقول المتحدثة الرسمية باسم الحزب آمال الزين، لـ"العربي الجديد"، إن الأزمة السياسية في السودان مقسومة على مشروعين سياسيين: "الأول يتبناه الحزب الشيوعي ومعه القوى السياسية والاجتماعية الحية، هدفه إحداث تغيير جذري ينشأ بموجبه مركز موحد لإنهاء النظام السياسي القديم القائم لأجل مصالح طبقات بعينها منذ خروج المستعمر، والذي أبقى على وكلائه وبقايا الإقطاع ورؤساء الإدارات الأهلية وعسكريين باحثين عن الثروة والسلطة".
وتمضي الزين إلى القول إن "تحالف الحرية والتغيير هو جزء من طبقة المصالح وتتضارب مصالحه وأهدافه مع مشروع التغيير الجذري، إذ رضي في فترة من الفترات بتغيير سياسي محدود، عبر تغيير رأس النظام القديم مع بقاء كل مؤسسات النظام والتعايش مع العسكر حتى النهاية، ولم يتخذ موقفا إلا بعد انقلاب 25 أكتوبر، والذي جاء نتيجة خلافات سطحية بينه وبين العسكر، لذا لن يكون التحالف جزءا من مشروع التغيير الجذري".
رغم ذلك، ينبه المحلل السياسي صلاح الدومة إلى أن عدم موافقة "المهنيين" و"الشيوعيين" تلك لن تمنع استمرار توافق بقية القوى السياسية، بما في ذلك قوى ميثاق التوافق الوطني القريبة من الانقلاب"، مؤكدا أنه "في حال حدث ذلك التوافق فإنه سيسحب البساط من العسكر الذين يشترطون توافقا وطنيا لتسليم السلطة للمدنيين".
ويوضح الدومة، لـ"العربي الجديد"، أن قوى التوافق الوطني فشلت في أن تكون حاضنة سياسية للانقلاب، ويمكنها التفكير بجدية في التخلي عنه لضمان استمرار حصتها في السلطة على الأقل، ورجح حدوث انفراج سياسي قريب حال اكتملت فصول الوحدة بين الأطراف التي يجمعها هدف مشترك.