ما تخطط له إسرائيل: احتلال أجزاء من غزة ومسح أفكار حماس وربما اجتياح في لبنان

19 أكتوبر 2023
الاحتلال الإسرائيلي يعد لعدوان بري طويل على غزة (Getty)
+ الخط -

يقود الربط بين التصريحات العلنية للمسؤولين الإسرائيليين وتحليلات المحللين العسكريين المبنية عادة على معطيات ووقائع وتسريبات، مع الحذر من التسليم بها، إلى سيناريو كارثي ومرعب في قطاع غزة، يقوده الاحتلال الإسرائيلي بضوء أخضر أميركي وسط تواطؤ المجتمع الدولي، يشمل تقليص مساحة القطاع المحاصر واحتلال أجزاء منه وإقامة مخيمات لأهله والقضاء على أي فكر وتوجهات أيديولوجية.

كما تشير بعض التحليلات إلى أن لبنان أيضاً ربما يكون عرضة للاجتياح البري في حال استمر التصعيد.

وبتصريحات واضحة لا تقبل التأويل، قال وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي إيلي كوهين، وعضو المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية في إسرائيل (الكابنيت)، للقناة 14 الإسرائيلية، يوم الثلاثاء، إن إسرائيل تسعى للقضاء على حماس وتقليص مساحة قطاع غزة.

يرى كوهين أن "هجمات السابع من أكتوبر (أي عملية طوفان الأقصى)، كانت بمثابة هجوم انتحاري من قبل حماس. نحن ملتزمون ومصممون على القضاء على حكم حماس. هذا هو التزامنا تجاه سكان الجنوب والقتلى. سنحرص على أن تزدهر منطقة الغلاف (المستوطنات المحيطة بغزة) كما كانت في السنوات الأخيرة وكل ما أرادت حماس تحقيقه ستحصل على عكسه تماماً".

وأوضح كوهين أن "حماس أرادت تحرير فلسطين وأنا أقول بأن مساحة غزة ستتقلص بعد نهاية الحرب. هذا يعني أن من بين الأمور التي ندرسها الاستيلاء على أراض (أي احتلال أراض في قطاع غزة). هم يريدون توسيع الأراضي بتحرير فلسطين وما سيحدث هو العكس تماماً".

وتابع كوهين: "أريد أن أقول لشعب إسرائيل بشكل واضح إن هذه الحرب تتطلب وقتاً، ليس أسبوعين ولا ثلاثة. جنّدنا أكثر من 300 ألف جندي احتياط. الجيش عمل على وضع خطط لجميع السيناريوهات. عرض الخطط ونحن جاهزون لها ونستعد في مختلف الجبهات. الأمر سيحتاج وقتاً، ولكن سيكون نصراً ساحقاً يتخلله القضاء على حكم حماس وإبطال تهديد كبير من جهة غزة".

وقال كوهين إن "أكثر من 82 دولة أعربت عن تأييدها لدولة إسرائيل. هم يدركون أننا نحارب من أجل دولة إسرائيل، ولكن أيضاً من أجل العالم الحر".

ويرى كوهين أن السلطة الفلسطينية ليست الحل في قطاع غزة، وقال في هذا السياق: "برأيي يجب عدم إدخال السلطة الفلسطينية إلى غزة بعد انتهاء الحرب"، دون أن يدلي بتفاصيل إضافية في هذا السياق.

التوغل البري غزة

وأشار كوهين أيضاً خلال اللقاء الذي أجرته معه القناة 14 إلى إمكانية توجيه ضربة إلى لبنان في حال تدخل "حزب الله" اللبناني في الحرب وتطورت الأمور على الجبهة اللبنانية.

خطط وأهداف وتهجير

إن كان كوهين لم يبح بكل ما في جعبته، فإن الربط بين أقواله وتحليلات إسرائيلية تلقي المزيد من الضوء على ما يضمره الاحتلال الإسرائيلي لغزة.

وفي هذا الصدد، استعرض المحلل العسكري رون بن يشاي، من خلال مقال تحليلي كتبه في موقع "يديعوت احرونوت" اليوم الخميس، ما اعتبره حلولًا للمديين القصير والمتوسط بالنسبة لإسرائيل مع قطاع غزة والأهداف الاستراتيجية وسُبل تحقيقها، وما ستؤول إليه نتائج الحرب، من خلال قراءته للمعطيات وإضافة أفكاره إليها، كما لمّح أيضاً إلى احتمال الاجتياح البري لمناطق في لبنان في حال استمر التصعيد.

ويرى بن يشاي أنه "بعد القضاء على حماس"، على حد تعبيره، "سيتم تحديد منطقة أمنية بعرض 1-3 كيلومترات في قطاع غزة وعلى مدار 5 إلى 10 سنوات سيدار القطاع من قبل نظام مدني محلي يعتمد على قوة دولية".

وذكر أنه "بناء على المعلومات المتراكمة صار من الممكن تحديد الخطوط العريضة للخطة الكبرى التي توجه المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وإلى حد ما جهات الإغاثة الأميركية أيضاً".

وتحتاج إسرائيل، برأي المحلل الإسرائيلي، "بشكل عاجل إلى استعادة ثلاثة عناصر مهمة للأمن القومي: الردع الاستراتيجي تجاه دول المنطقة الذي تآكل بشكل كبير في يوم السبت (أي يوم طوفان الأقصى)، والأمن الملموس في الجنوب، والشعور بالأمن والثقة في القيادة السياسية وقوات الأمن".

وأشار إلى خمسة أهداف للحرب، تشمل "هجوماً على قطاع غزة يشمل اجتياحاً برياً من أجل السيطرة العسكرية على الأرض، ما يتيح جمع معلومات استخباراتية أيضاً ومنع إطلاق القذائف باتجاه إسرائيل، والقضاء على القدرات العسكرية لحماس والجهاد الإسلامي. كما يشمل ذلك السيطرة الفعلية على كامل شمال قطاع غزة، حتى وادي غزة، لإلحاق الضرر بالمقاتلين والبنى التحتية العسكرية، وهكذا ستفقد حماس أيضاً عاصمتها".

وستسعى إسرائيل في جنوب القطاع إلى تحقيق الأهداف نفسها، ولكن بوسائل أخرى، ترتكز على المعلومات الاستخباراتية الدقيقة، الموجودة لدى "الشاباك" وشعبة الاستخبارات العسكرية بالإضافة الى ما يتم جمعه خلال الحرب.

وفي الشمال على الجبهة مع لبنان، "سيواصل الجيش الإسرائيلي مناوشاته مع (حزب الله) اللبناني، ومع الفلسطينيين الذين ينشطون في الأراضي اللبنانية وربما أيضًا مع المليشيات والجماعات المسلحة من سورية والعراق"، برأي الكاتب، "وذلك سعياً لإبقاء الصراعات تحت عتبة الحرب وحصرها في المناطق الحدودية، خلال أيام المعركة".

وأضاف "سوف يستمر الجيش الإسرائيلي بالأساس في الحفاظ على حالة التأهب، استعداداً لعملية عسكرية قوية وواسعة في لبنان، بما في ذلك التوغل البري، إذا شن حزب الله، بناء على أوامر من الإيرانيين، حرباً شاملة. وبطبيعة الحال، تفضل إسرائيل التركيز على غزة وإرسال أفضل القوات والموارد للقتال فيها من أجل تحقيق إنجازات سريعة هناك. ولكن إذا قرر حزب الله والإيرانيون التصعيد إلى حرب واسعة، فإن الجيش الإسرائيلي لديه القدرة على القتال على نطاق واسع على جبهتين. وهذا من شأنه أن يتسبب في استمرار القتال لفترة أطول من المرغوب فيه".

 وأشار بن يشاي، بحسب قراءته للمعطيات، إلى أنه "بالتزامن مع القتال في شمال وجنوب قطاع غزة، ستعمل إسرائيل مع الولايات المتحدة والأمم المتحدة على المستوى الإنساني للحفاظ على الشرعية والدعم السياسي واللوجستي الذي تقدمه الولايات المتحدة وحلفاؤها للعملية العسكرية (العدوان الإسرائيلي)، ويشمل ذلك الممرات الإنسانية ومناطق ملاذ آمن للفلسطينيين غير المشاركين في الحرب، الذين فروا من منازلهم في غزة بناءً على دعوة إسرائيل، وسيزداد تدفقهم مع بدء القتال".

وأشار المحلل العسكري الإسرائيلي إلى أن جهات دولية ودول عربية "ستزود هذه المناطق تحت إشراف جيش الاحتلال الإسرائيلي والأمم المتحدة باحتياجات أساسية، من قبيل الماء والغذاء والدواء وخدمات حيوية مثل الكهرباء (من خلال مولدات متنقلة) ومساكن مؤقتة (خيام)"، على حد وصفه.

ويضيف الكاتب أنه "وفقاً للنتائج التي سيتم تحقيقها على الأرض في الأسابيع الأولى من الحرب، سيتعين على إسرائيل أن تتوصل إلى قرارات مع الولايات المتحدة بشأن خطة الخروج المنشودة، وأن تبادر إلى التحركات السياسية اللازمة لتحقيقها وتنفيذها".

وأشار إلى أن "خطة الخروج من القطاع والإجراءات على الأرض بعد المغادرة، يجب أن تضمن تحقيق الأهداف الاستراتيجية التي تريدها إسرائيل والولايات المتحدة على المدى المتوسط (5 – 10 سنوات)".

وستسعى إسرائيل، بنظر رون بن يشاي، إلى تحقيق خمسة أهداف استراتيجية، بحيث "ينبغي أن يكون القطاع بأكمله منزوع السلاح، ولا بد من ترتيبات وآليات لضمان ذلك"، وأن "يكون النظام في غزة مدنياً ومهنياً وليس أيدلوجياً، لا دينياً ولا سياسياً".

وسيتوجب على دولة الاحتلال الإسرائيلي، بحسب المحلل العسكري، "إنشاء نظام متكامل للإنذار والحماية على الحدود يوفر الأمن لمواطنيها في حال عدم استيفاء الشروط المطلوبة في قطاع غزة، أو في حال انتهاكها. وستشمل الترتيبات الأمنية منطقة أمنية يراوح عرضها بين كيلومتر واحد وثلاثة كيلومترات، لن يُسمح لسكان قطاع غزة بالدخول إليها دون إذن خاص. ومن يدخل بدون إذن فإنه يخاطر بحياته".

مجزرة

ويرى بن يشاي أن جيش الاحتلال "لن يبقى في غزة لفترة أطول مما هو ضروري لتحقيق الأهداف المباشرة للحرب وإتاحة إنشاء نظام بديل في القطاع، إلا أن الجيش والشاباك سيحتفظان بالحق في إحباط الهجمات الإرهابية والنوايا الحربية حتى بعد عودتهما إلى الأراضي الإسرائيلية".

كما أشار إلى أن إسرائيل ستأخذ بالاعتبار المصالح والاعتبارات الاستراتيجية للولايات المتحدة ومصالح دول المنطقة التي لديها معاهدات سلام مع إسرائيل أو اتفاقيات تطبيع وعلاقات دبلوماسية.

في مواجهة المقاومة

على الرغم من جميع التصريحات والتحليلات الإسرائيلية، إلا أن تطبيق الخطط الإسرائيلية لن يكون سهلاً في قطاع غزة، بل إن أماني الاحتلال الإسرائيلي القضاء على المقاومة الفلسطينية قد يكون مستحيلاً.

لا شك أن غزة ومقاومتها وسكانها مقبلون على واحدة من أصعب المراحل منذ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، هذا يبدو جلياً في عدد الشهداء حتى اليوم، الذي تجاوز 3785، وقوة الضربات ووتيرة القصف وما يُستشف من تصريحات المسؤولين الإسرائيليين.

بالمقابل صرحت المقاومة في عدة مناسبات بأنها ستحوّل غزة الى جحيم بالنسبة للاحتلال في حال حصول الاجتياح البري.

كما أن محللين ومسؤولين إسرائيليين أشاروا إلى أن ثمن أي عملية عسكرية في غزة قد يكون باهظاً بالنسبة لإسرائيل، مع عدد كبير من القتلى يفوق الخسائر الإسرائيلية في حروبها وجولات عدوانها السابقة.

المساهمون