وصل الرئيس الأميركي جو بايدن إلى بلفاست (عاصمة أيرلندا الشمالية)، أمس الثلاثاء، في زيارة "تاريخية" إلى منطقة مأزومة، لم تكن الآمال حولها كافية لطيّ عقود من التوتر والعنف.
حتى هذه اللحظة، تبدو الظروف المحيطة بالزيارة أكثر تعقيداً من المعلن عنه، فلا رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك استطاع "الفوز" بهذه الزيارة وتحويلها إلى أول "انتصار" دبلوماسي وتاريخي منذ وصوله إلى "داونينغ ستريت" في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ولا تصريحات الرئيس الأميركي في طريقه إلى بلفاست تبدو منسجمة مع الجو العام، إذ قال الأخير إنّ الهدف من زيارته هو "التأكّد من نجاح اتفاقية الجمعة العظيمة ووثيقة وندسور في الحفاظ على السلام".
ومن الواضح أنّ احتفال أيرلندا الشمالية بحضور زعماء بريطانيين وأميركيين بالذكرى الخامسة والعشرين لاتفاقية السلام لا يعتبر تفصيلاً بسيطاً، خصوصاً أنه يتزامن مع فترة تعيش فيها السلطة التنفيذية في البلاد مأزقاً حقيقياً وسط إصرار الحزب الاتحادي الديمقراطي على تعليق مشاركته السياسية، حيث إنّ العودة إلى تقاسم السلطة كان "حجر الزاوية" في اتفاقية "الجمعة العظيمة" التي جرى التوقيع عليها بعد أسابيع من المفاوضات الصعبة عام 1998، مما يجعل الاحتفاء بـ"السلام" في هذه اللحظة تحديداً خياراً صعباً ومراوغاً، وربما كاذباً أيضاً.
- يعتبر جو بايدن ثاني رئيس كاثوليكي أيرلندي للولايات المتحدة بعد جون كينيدي، وهذه هي زيارته الأولى للبلاد منذ قدومه إلى الرئاسة.
- تشير الإحصاءات إلى أنّ أكثر من 30 مليون شخص في الولايات المتحدة الأميركية لا يزالون يعتقدون أنهم من أصول أيرلندية.
- تاريخياً، كان القوميون أكثر حماسة من النقابيين الاتحاديين في ما يخص الدور الذي تلعبه مجموعات الضغط في واشنطن عبر السياسيين من أصول أيرلندية. وهذا بالضبط ما يثير المخاوف اليوم من أن تؤدي زيارة بايدن عكس المرجوّ منها، وأن تتسبّب بالمزيد من العناد لدى النقابيين.
- رفض بايدن الدعوة التي تلقّاها من جمعية أيرلندا الشمالية أو "ستورمونت" لإلقاء كلمة في مقرّها في ضواحي بلفاست، وهي رسالة رمزية لكنها ستفاقم وطأة "إخفاق" سوناك في جرجرة الحزب الاتحادي الديمقراطي إلى السلطة مجدّداً قبل الذكرى الخامسة والعشرين لاتفاقية السلام.
- شهدت الاتصالات بين "داونينغ ستريت" والبيت الأبيض بعض التوترات الأسبوع الماضي أثناء التحضير للزيارة، وبخلاف التوقعات اقتصر اللقاء بين الزعيمين سوناك وبايدن مساء أمس الثلاثاء على مصافحة دافئة لكن سريعة عند مدرج الطائرة العملاقة "إير فورس وان"، كما أنّ اللقاء المقرّر بينهما اليوم لن يتعدّى الثلاثين دقيقة.
- لن يكون رئيس الحكومة البريطاني ريشي سوناك حاضراً خلال الكلمة التي من المقرّر أن يلقيها بايدن ظهر اليوم في جامعة أولستر.
- مع أنّ الغرض السياسي الرئيسي والمعلن من هذه الزيارة هو دعم تقاسم السلطة في أيرلندا الشمالية، إلا أنّ بايدن لن يمضي فيها سوى 15 ساعة، بينما ستستغرق زيارته "الشخصية" و"العائلية" يومين أو أكثر بقليل حيث سيزور منزلين من منازل أقربائه في مقاطعتي لاوث ومايو.
- يصطحب بايدن معه أخته فاليري بايدن أوينز وابنه هانتر، ما يعزّز الأبعاد الشخصية للزيارة.
- سبق لتصريحات بايدن المتعلقة بجذوره الأيرلندية، في مواقع مختلفة، أن أثارت جدلاً لدى النقابيين تحديداً، إذ كان بايدن قد أجاب بتعجب على مراسل "بي بي سي" خلال الحملة الانتخابية لعام 2020 عندما طلب منه الأخير رسالة سريعة للمحطة العريقة، قائلاً: "بي بي سي؟" ثم أعقب ضاحكاً: "أنا أيرلندي". كما أنه صرّح في العام 2021 عندما سُئل عن نزوح المهاجرين الفارّين من الفظائع في أميركا اللاتينية بالإشارة إلى جدّه الأكبر الذي أُجبر على مغادرة أيرلندا الشمالية بسبب "ما كان عليه البريطانيون". إضافة إلى تذكيره بمناسبات بما روته له عمّته جيرتي بليويت قائلة: "والدك ليس رجلاً سيئاً وليس ذنبه أنه إنكليزي". هذا عدا عن روايته قصة والدته التي فضّلت النوم على الأرض بدلاً من النوم على السرير عندما علمت خلال تواجدها في أحد فنادق لندن أنها ستنام في نفس السرير الذي نامت فيه ذات مرة ملكة بريطانيا العظمى، ووالدته نفسها قالت له أيضاً قبل مغادرته إلى لندن عام 1982 في زيارة للقاء الملكة إليزابيث الثانية، وكان حينها عضواً في مجلس الشيوخ: "لا تنحنِ لها، ليس هنالك من هو أفضل منك".