تجاوزت الانتفاضة الشعبية في السويداء السورية ضد نظام بشار الأسد المائة يوم، دون أن تتراجع عن مطالبها السياسية، المتمثلة في إسقاط النظام وتطبيق القرار الأممي 2254 الخاص بالحل السياسي في سورية، دون أن تسجل ساحات التظاهر فيها أي اختراق أمني من شأنه أن يحرفها عن مسارها السلمي.
كما استطاعت تلك الانتفاضة أن تتوسع من مجرد تظاهرة في ساحة الكرامة وسط مدينة السويداء، لتشمل كل أنحاء المحافظة. واستطاعت أن تستقطب معظم فئات الشعب، بمن فيهم الموظفون لدى مؤسسات حكومة النظام، من مدرسين ومهندسين ومحامين وموظفي مؤسسات خدمية وغيرهم، دون التسبب في تعطيل عمل أي من تلك المؤسسات. كما استطاعت تحييد قيادات حزب "البعث" وعناصر الأفرع الأمنية دون الصدام معها.
إلا أن انتفاضة السويداء، ورغم ظهور بعض التكتلات السياسية والشعبية فيها خلال الفترة الأخيرة بهدف تنظيم الحراك فيها، مثل "الكتلة الوطنية"، و"تيار الحرية والكرامة"، وحزب "البعث الشعبي"، لم تتمكن حتى اللحظة من تشكيل قيادة موحدة للحراك توحد وتضبط مطالبه وتتحدث باسمه.
ومن شأن هذا الأمر تعطيل مفاعيل الحراك، وبالتالي انتشاره إلى باقي المناطق السورية، وتأخير تجاوب المجتمع الدولي معه، خصوصاً أن متصدر الانتفاضة ومحركها حالياً هو الشيخ حكمت الهجري الذي لا يُصدّر نفسه كرجل سياسة، يمكن أن يتفاوض باسم الحراك على مطالب سياسية.
كما أن طول مدة التظاهرات دون تحقيق مطالب ملموسة ولّد شعوراً لدى بعض المحتجين باللاجدوى، كما أفسح المجال لبعض عصابات السلب والسرقة لممارسة نشاطها خلال الأسابيع الأخيرة من الحراك.
في المقابل، عوّل النظام السوري على عامل الوقت لتراجع الاحتجاجات، مع بعض المحاولات لاحتوائها، سواء عبر الترغيب في طرح بعض المبادرات بشأن الحلول الخدمية، والتي سعى من خلالها لشق صف المحتجين وتحويل الانتفاضة في السويداء إلى مجرد احتجاج على سوء بعض الخدمات، أو من خلال الترهيب، إما عبر التهديد باستخدام الحل العسكري لإنهاء الاحتجاجات، أو محاولة تفعيل بعض العصابات التي تتبع للأفرع الأمنية لخلق البلبلة في المحافظة.
إلا أن كل محاولات النظام لتطويق انتفاضة السويداء لا تزال تبوء بالفشل حتى اللحظة. وفي الوقت نفسه لم تجبر تلك الانتفاضة النظام على تحقيق أي من مطالبها، لكنها استطاعت كشف كذب روايته حول محاربته للإرهاب، وحول وهم الانتصار الذي يروج له. كما ساهمت نسبياً في تعطيل الهرولة العربية باتجاه التطبيع معه.