ماكرون مرشحاً لولاية ثانية: زمن "حماية" الفرنسيين من الحرب

04 مارس 2022
حاول ماكرون إبقاء الغموض حول ترشحه لفترة طويلة (Getty)
+ الخط -

بعد نحو 5 سنوات قضاها في قصر الإليزيه، حافلة بالاضطرابات والتحديات والانتكاسات والخسارات، اختار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إعلان ترشحه لولاية ثانية، على وقع الحرب الدائرة في أوروبا الشرقية بين روسيا وأوكرانيا، والتي وضعت القارة بأسرها في حالة تأهب.

وزاد الغزو الروسي لأوكرانيا من حالة عدم اليقين التي تعتري الفرنسيين حول مستقبلهم، والتي كانت في تصاعد وعمّقها وجود الرئيس الشاب في السلطة، بعدما تمكن من تصعيد نفسه وحزبه الجديد، الجمهورية إلى الأمام، في عام 2017، إلى الدورة الثانية من انتخابات الرئاسة، إلى جانب مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان.

توقع آخر استطلاع للرأي تأهل ماكرون ولوبان للدورة الثانية

في ذلك العام، أزاح ماكرون، البالغ من العمر حينها 39 عاماً (أصغر رئيس للجمهورية) اليمين واليسار التقليديين في فرنسا، من المنافسة بالدورة الثانية، للمرة الأولى في عهد الجمهورية الخامسة، وهو وضعٌ مرشحّ بقوة لأن يستعاد بحذافيره، في 24 إبريل/نيسان المقبل. ويطرح ماكرون نفسه اليوم، كرئيس سيعمل لحماية الفرنسيين، على ضوء الحرب المشتعلة في شرقي القارة.

ماكرون يعلن ترشحه لولاية ثانية

واختار الرئيس الفرنسي أن يعلن ترشحه لولاية ثانية، أول من أمس الخميس، برسالة مكتوبة من 3 صفحات وجّهها إلى الفرنسيين، طلب فيها منهم منحه ثقتهم للبقاء في الإليزيه خمس سنوات إضافية، وتصحيح أخطاء قال إنه لو كان يمتلك الخبرة التي اكتسبها خلال ولايته، لما كان ارتكبها.

تقارير دولية
التحديثات الحية

وكان إعلان ماكرون سعيه لتجديد ولايته، منتظراً، في ظلّ حسابات "الجمهورية إلى الأمام" التي ترى أن أي منافسة جدّية من اليمين واليسار التقليديين، للرئيس، مستبعدة. ويأتي ذلك مع استمرار تقهقر اليسار الفرنسي، وعدم قدرة اليمين (الجمهوريين) على تقديم مرشح قوي منذ نيكولا ساركوزي.

وجاءت هذه الحسابات على وقع سيطرة متواصلة لليمين المتطرف على المرتبة الثانية بعد الرئيس في استطلاعات الرأي منذ الصيف الماضي. وشهدت الرئاسيات الفرنسية هذا الموسم، انقسام اليمين المتطرف بين لوبان، التي تبقى متقدمة على جميع المرشحين الآخرين، والكاتب المثير للجدل إريك زيمور.

وتوقع آخر استطلاع للرأي لشركة "بي في إيه" لصالح إذاعة "آر تي إل" وشركة "أورانج" للاتصالات، ونشرت نتائجه أمس، تصدر ماكرون نتائج الدورة الأولى (10 إبريل المقبل)، بحصوله على 29 في المائة من الأصوات، تليه لوبان بـ16 في المائة، مع تعادل مرشحة اليمين رئيسة منطقة إيل دو فرانس فاليري بيكريس، وزيمور (13 في المائة). وبحسب الاستطلاع، فإن ماكرون سيتغلب على لوبان في الدورة الثانية ويفوز بالرئاسة، بـ60 في المائة من الأصوات.

خطاب إلى الأمة مخصص للحرب

وكان ماكرون قد أجّل مراراً إعلان ترشحه لولاية ثانية، ما رأى فيه الإعلام الفرنسي محاولة لإبقاء الغموض حول هذا الترشح مسيطراً على الخصوم. وجاءت عودة كورونا بقوة مع بداية العام الحالي إلى فرنسا، لتؤجل مجدداً الإعلان، ثم التوتر بين روسيا والغرب. واعتبرت صحيفة "لوموند"، الأربعاء، أن الرئيس أراد أن ينصهر ترشحه بعهده الرئاسي، وأن يظهر وكأنه امتداد طبيعي له.

دافع ماكرون عن سجلّ ولايته الأولى، مشيراً إلى انخفاض البطالة لمستوى قياسي

وكان ماكرون قد ألقى خطاباً إلى الأمة الفرنسية قبل يوم من رسالة الترشح، خصّصه لحرب أوكرانيا. ووضع الرئيس، وهو المؤيد القوي لفكرة الاتحاد الأوروبي، الفرنسيين، في صورة أن الآتي أعظم، متعهداً بالرد على الحرب بقرارات تاريخية. وأكد دعم بلاده الكامل لكييف، في موازاة رغبته بالعمل لوقف المعارك، داعياً إلى أوروبا أكثر سيادية

وحمّل ماكرون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المسؤولية عن "الإعادة العنيفة لتراجيديا التاريخ". وأكد الرئيس الفرنسي الذي تسلّمت بلاده مطلع العام رئاسة الاتحاد الأوروبي، أن كورونا والحرب في الشرق يجب أن تدفعا الاتحاد إلى الاستثمار في المستقبل، وقال للفرنسيين إن هدفه الوحيد هو "حمايتهم".

هكذا، انطلقت حملة ماكرون رسمياً تحت شعار حماية الفرنسيين، القلقين من ارتفاع إضافي في نسبة التضخم وحتى من أزمة محروقات، على وقع قرقعة السلاح في شرقي القارة. ولمّح ماكرون إلى منافسيه من باب الانقسام بين التقدميين والانغلاقيين، معتبراً أن "التحدي هو بناء فرنسا جديدة لأطفالنا وليس عودة فرنسا- طفولتنا"، في إشارة إلى "تحسر" زيمور على فرنسا الثلاثينيات. وقال ماكرون إنه يترشح للدفاع عن "قيمنا التي تهددها الفوضى العالمية".

ماكرون يدافع عن إنجازاته

ودافع ماكرون، ذو الخلفية المهنية المصرفية ووزير الاقتصاد السابق، عن ولايته الرئاسية الأولى التي طبعها حراك "السترات الصفراء" الاقتصادي الاجتماعي، ثم تداعيات كورونا الاقتصادية، وتراجعه عن إصلاح نظام التقاعد تحت ضغط النقابات، عن سجلّ ولايته الأولى، مشيراً إلى انخفاض البطالة لمستوى قياسي منذ 15 عاماً. وتعهد بمواصلة خفض الضرائب، وأوحى بأنه لن يتخلى عن إصلاح نظام التقاعد. كما لمّح إلى رغبته في إصلاح النظام التعليمي، لكي يصبح المعلمون أعلى أجراً.

ويرجح أن تهيمن التحديات الخارجية على ما تبقى من حملة الرئاسة الفرنسية، وهو ملف قد يقلب التوقعات السابقة بأن تسجل الانتخابات نسبة امتناع قياسية عن التصويت بسبب تململ الفرنسيين من سياسييهم. وسيهيمن ملف روسيا وأوكرانيا على حملات جميع المرشحين، ومنهم من بات عليه التراجع عن إعجابه ببوتين. وكان ماكرون قد فشل في انتزاع حلّ دبلوماسي للأزمة، رغم تقربه من الكرملين.

وكان ماكرون أيضاً قد حاول طوال ولايته انتزاع اختراق فرنسي في ملفات خارجية، من دون توفيق، سواء في الملف اللبناني، أو الإيراني. ومنيت فرنسا في عهده بضربة قوية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، مع استبعاد واشنطن لها من صفقة غواصات نووية ضخمة مع أستراليا، فيما تخسر باريس نفوذها تدريجياً في منطقة الساحل الأفريقي. غير ذلك، فإن حزب ماكرون قد هزم في الانتخابات المحلية التي جرت خلال ولايته. وهبط التأييد الشعبي للرئيس مراراً إلى ما دون الـ40 في المائة.

وأمس الجمعة، أغلق باب تقديم الترشيحات للرئاسة، حيث يتنافس أيضاً كل من عمدة باريس آن هيدالغو، عن الاشتراكي، ويانيك جادو عن الخضر، وجان لوك ميلانشان عن اليسار الراديكالي، وفابيان روسيل عن الحزب الشيوعي وغيرهم من المرشحين.

وذكّر هؤلاء جميعهم، أمس، الرئيس، بإخفاقاته، وبأنه مجبر على خوض المناظرات معهم. وكان زيمور نشر فيديو الخميس قال فيه للرئيس: "إني أنتظرك"، في إشارة إلى توقعه أنه هو من سيكون بمواجهة ماكرون في الدورة الثانية.

تقارير دولية
التحديثات الحية

 

المساهمون