أجّلت السلطات المصرية أخيراً جلسات النظر باستمرار حبس المتهمين على ذمة عدد من القضايا السياسية، والمحبوسين في سجن "بدر 3" شمال غربي القاهرة، من دون تواصل عبر الاتصال بتقنية الفيديو كونفرانس مع المتهمين كما هو متّبع، وبررت السلطات لمحامي المتهمين السبب بوجود "مشاكل فنية".
وقالت مصادر حقوقية لـ"العربي الجديد" إن "السبب الحقيقي للتأجيل هو عدم رغبة السلطات في إطلاع المحامين على تدهور حالات المعتقلين في سجن بدر 3 شديد الحراسة، إذ تسربت رسائل تؤكد وجود حالات انتحار بين المعتقلين، بعد إهمال شكاواهم من تردي أحوال السجن وخلوه من الاشتراطات الإنسانية المطلوبة".
إجراءات تفتقر للقواعد القانونية
ويتحدث قانونيون وقضاة لـ"العربي الجديد" عن "محاكمات وقرارات تجديد حبس وغرف مشورة وإجراءات قانونية جميعها باطلة وتفتقر إلى أبسط القواعد والمبادئ القانونية والدستورية، وتنتهك حق التقاضي والمحاكمات العادلة".
المحامي في"النقض" والدستورية العليا أحمد حلمي، وهو محامٍ لمئات من المعتقلين السياسيين، أوضح أنه "لا توجد أي زيارات مطلقاً في سجن بدر 3 منذ أن تم إنشاؤه وحتى وقتنا الحالي".
وأشار في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن "الزيارات ليست ممنوعة فقط على أسرة وأهالي وذوي المعتقلين هناك، وإنما هي ممنوعة أيضاً على المحامين الموكلين الرسميين الأساسيين للدفاع عنهم أمام المحاكم وجهات التحقيق وفي جلسات نظر تجديد الحبس وغرف المشورة"، مضيفاً "السجن مغلق تماماً على المعتقلين هناك بشكل مريع، والسجن عبارة عن امتداد لسجن العقرب سيئ السمعة".
وبخصوص تعامل هيئة الدفاع مع الموكلين عن المعتقلين في سجن "بدر 3"، قال حلمي إن "النظر في قرارات تجديد الحبس يتم عن طريق الفيديو كونفرانس، ومنذ فترة يتم إخطار المحامين وأعضاء هيئة الدفاع عن المعتقلين في القضايا المختلفة بجملة: تعذر حضور المتهمين".
حلمي: تتزايد حالات الإضراب عن الطعام كل يوم وعلمنا بوجود 55 محاولة انتحار داخل السجن
وعقب قائلاً: "الحقيقة لا أعلم كيف يتم تعذّر حضور المتهمين إذا كانت الجلسات والقضاة والمعتقلون وكل شيء يتم داخل سجن بدر 3، فكيف يكون التعذر إذا كان المعتقلون أنفسهم في ذات مكان الانعقاد؟ والحقيقة أن النظام والسلطات الأمنية تخشى من شيء لا تريدنا أن نعرفه أو أن يعلن في حال ظهور المعتقلين عبر الفيديو كونفرانس".
وتابع: "لدينا معلومات تؤكد أن النظام والسلطات الأمنية في وضع حرج ومأزق، بسبب إضراب المعتقلين وامتناعهم عن حضور الجلسات، فالسجن به حالياً حالات إضراب عن الطعام، وتتزايد كل يوم عن سابقه، وكان آخر المضربين عن الطعام هو المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع، كما أننا علمنا بوجود 55 حالة محاولة انتحار منها من علمناهم بالاسم".
وأضاف "ظهر أخيراً شكل جديد من أشكال الاعتراض من قبل المعتقلين على الممارسات الإجرامية والانتهاكات التي تحدث بحقهم، وهي غلق الكاميرات، ففي داخل كل عنبر توجد كاميرات للمراقبة، والمعتقلون حالياً يقومون بتغطية هذه الكاميرات كنوع من الاحتجاج".
وأوضح حلمي أن "التواصل الوحيد الذي يحدث بين المحامي وموكله يتم خلال جلسة المشورة، إلا أنه يتم أيضاً عن طريق الفيديو كونفرانس".
وتابع: "كل جلسة مشورة يعرض عدد متهمين ما بين 500 إلى 700 متهم، وهو رقم ضخم لا يسمح طبعاً بأخذ وقت مع كل متهم، ومنذ شهر مايو/ أيار 2022 وحتى اليوم لم يحصل أي معتقل على إخلاء سبيل ولو لشخص واحد فقط، وكل جلسة يتم تجديد حبس جميع المتهمين لمدة 45 يوماً، والأمور أصبحت واضحة وتسير وفق تعليمات". وأضاف: "كل شيء غير قانوني. لا يوجد تواصل بين المحامي وموكله. لم يعد هناك دفاع حقيقي. وأصبح دور المحامي هو طمأنة المتهم وأهله".
تحكّم كامل
من جهته، أكد المحامي في الاستئناف العالي ومجلس الدولة صالح محمد، لـ"العربي الجديد"، أن ما يحدث في سجن "بدر 3" يفتقر إلى أبسط الأسس القانونية التي كفلها القانون والدستور وحق التقاضي والترافع والدفع عن المتهمين وحق التواصل بين المحامي وموكله لبحث سبل الترافع القانونية.
وقال إن "ما يحدث هو بهدف السيطرة بشكل كامل من قبل السلطات الأمنية على المعتقلين وما يحدث داخل السجن. فالمتحكم في الفيديو كونفرانس وكاميرات المراقبة هي السلطات الأمنية، ومن ثم يمكنها التحكم والسيطرة في ما يخرج من داخل السجن إلى العلن".
محمد: ما يحدث في سجن "بدر 3" يفتقر إلى أبسط الأسس القانونية التي كفلها القانون والدستور وحق التقاضي
وروى إحدى الوقائع مع أحد المعتقلين، قائلاً "كان كلما يريد التحدث عما يحدث معه يتم قطع البث بأي حجة، وتكرر الأمر مرات عديدة حتى علمنا أنه كان يريد الشكوى من انتهاكات واعتداءات تتم ضده بشكل ممنهج، وهذا المعتقل اسمه أحمد سمير يوسف المحمدي".
وفي السياق، أكد القاضي السابق المستشار محمد سليمان، لـ"العربي الجديد"، أن "الإجراءات التي تتخذ من محاكمات وجلسات تجديد حبس وغرفة المشورة وغيرها من إجراءات داخل سجن بدر3، جميعها فاسدة وغير قانونية وغير دستورية".
وأضاف سليمان أن "من مبادئ قانونية المحاكمة، علانية الجلسات، وعدم الفصل بين المتهم وقاضيه أو المتهم ومحاميه، وكان منذ بداية المحاكمات السياسية في 2014 يتم وضع زجاج عازل للصوت بين المتهمين والقاضي ودفاعهم في المحاكمات، وكانت غير قانونية وغير إنسانية". وتابع أن الأمر "لم يتوقف عند ذلك، بل إنه في سجن بدر 3 لم يعد يمثل المتهم بشخصه أمام قاضيه ومحاميه من الأساس، وهو أمر غير قانوني بشكل قاطع، لأن قانون الإجراءات الجنائية والمبادئ القانونية الأساسية في المحاكمات، أوجبت حضور المتهم الذي يحاكم جنائياً أن يتواجد بشخصه أمام قاضيه".
تزايد الشكاوى من أوضاع سجن "بدر 3"
من جهته، لفت عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان جورج إسحاق، إلى تزايد الشكاوى من أوضاع سجن "بدر 3"، وخصوصاً من الظروف المعيشية السيئة داخل السجن، وما تردد في هذه الشكاوى عن محاولات الانتحار احتجاجاً على هذه الظروف، ناهيك عن أجواء البرودة الشديدة بسبب أجهزة الشفاطات العملاقة والإضاءة المبهرة.
إسحاق: توجه قوي من المجلس القومي لحقوق الإنسان للقيام بزيارة سريعة لهذا السجن للوقوف على صحة الانتقادات من عدمها
وأكد إسحاق لـ"العربي الجديد" وجود "توجه قوي من المجلس للقيام بزيارة سريعة لهذا السجن للوقوف على صحة هذه الانتقادات من عدمها". وأقر بـ"عدم قدرة المجلس على تغيير أوضاع هذا السجن وغيره من السجون"، لافتاً إلى "اقتصار دور المجلس على الرصد، حيث يتحقق أعضاؤه من الشكاوى، ومن ثمة تصدر توصيات للجهات التنفيذية القادرة وحدها على تغيير الأوضاع داخل السجون".
واستطرد إسحاق: "أوضاع السجون في مصر لم تشهد تحسناً لافتاً على الرغم من إقرار الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، فالسجون ليست مباني فقط بل هي تضم بين جنباتها مواطنين لهم حقوق، فلو بنى إنسان ما قصراً وأغلق أبوابه على ساكنيه، فهو سجن في كل الأحوال، لذا فتحسين أوضاع السجون يحتاج لإرادة سياسية، وليس مجرد بناء سجون جديدة".
وأشار إسحاق إلى "تلقي شكاوى عديدة من أوضاع سجن بدر 3 مع اختلاف تفاصيل الشكاوى من هذه الأوضاع"، لافتاً إلى أنه "استمع إلى شكاوى عديد من السجناء ومنهم رئيس حزب مصر القوية عبد المنعم أبو الفتوح". وأعلن أنه يتبنّى بشكل شخصي توجهاً لتحسين أوضاع حبس أبو الفتوح وغيره من السجناء، والعمل على تحسين هذه الظروف، وتقنين عملية الإضاءة المستمرة وأجهزة التهوية والشفاطات المزعجة.