ماذا وراء رسائل المشرعين الأميركيين ضد الجزائر؟

03 أكتوبر 2022
لعمامرة وبلينكن في الجزائر في مارس الماضي (جاكلين مارتن/فرانس برس)
+ الخط -

للمرة الثانية في أقل من شهرين، يوجّه مشرعون أميركيون رسائل إلى إدارة الرئيس جو بايدن، لمطالبته بفرض عقوبات ضد الجزائر بسبب صفقات الأسلحة مع روسيا.

مشرعون أميركيون يدعون لعقوبات على الجزائر

وبعد الرسالة التي كان وجّهها نائب رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي، ماركو روبيو، في 14 أغسطس/آب الماضي إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، والتي اعتبر فيها أن "المشتريات الدفاعية الجارية بين الجزائر وروسيا"، تصب في صالح "تدفق الأموال إلى روسيا ما يؤدي إلى زيادة تمكين آلة الحرب الروسية في أوكرانيا"، وطالب بتسليط عقوبات على الجزائر، وجّهت كتلة تضم 27 عضواً في الكونغرس الأميركي، تتزعمهم ليزا ماكلين، قبل أيام، رسالة إلى بلينكن تحثه على إدراج الجزائر ضمن مسار العقوبات بسبب صفقات السلاح مع موسكو.

ويستند أصحاب هذا التوجّه إلى تشريع أقره الكونغرس عام 2017، تحت عنوان "قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات"، موجّه لفرض عقوبات ضد الأفراد أو الكيانات والدول التي تنخرط في صفقات تشمل قطاعات الدفاع أو الاستخبارات الروسية.

أكد مشرعون أميركيون أن روسيا تعدّ أكبر مورد للأسلحة العسكرية للجزائر

وأكدت الرسالة الأخيرة للمشرعين الأميركيين أن "روسيا تعدّ أكبر مورد للأسلحة العسكرية للجزائر. وفي العام الماضي وحده، وقّعت الجزائر صفقة شراء أسلحة مع روسيا بلغت قيمتها الإجمالية أكثر من سبعة مليارات دولار، وهي تصنف على أنها صفقة كبيرة، بموجب قانون مكافحة خصوم أميركا".

وطالب المشرعون البيت الأبيض بـ"البدء فوراً في تنفيذ عقوبات كبيرة على أولئك الموجودين في الحكومة الجزائرية المتورطين في شراء الأسلحة الروسية، لإرسال رسالة واضحة إلى العالم مفادها بأن دعم (الرئيس الروسي) فلاديمير بوتين وجهود الحرب البربرية لنظامه، لن يتم التسامح معها". ويعتقد أعضاء الكونغرس أن هذه الصفقات توفر موارد مالية لصالح موسكو تساعدها على تمويل خططها التوسعية في أوكرانيا.

لا رد جزائرياً على الرسائل الأميركية

ولم ترد الحكومة الجزائرية على هذه الرسائل الأميركية والمطالبات بإدراجها في مسار العقوبات، وفقاً لـ"قانون مكافحة خصوم أميركا". لكن صنّاع القرار في الجزائر، على المستوى السياسي والعسكري، كانوا قد توقعوا مسبقاً مثل هذه الضغوط الأميركية، منذ إعلان وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة في مايو/أيار الماضي، تفهّم الجزائر لما اعتبرها "الانشغالات الأمنية لروسيا"، وهو ما فُهم منه أنه تبرير سياسي للغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، وانحياز لصالح موسكو.

ويُفهم هذا التوقع الاستباقي بوضوح، من خلال تصريحات كان قد أدلى بها الرئيس عبد المجيد تبون في حوار تلفزيوني مطلع أغسطس الماضي، قال فيها إن "الجزائر توازن بين علاقاتها مع موسكو وعلاقاتها مع واشنطن، لدينا علاقات مميزة مع روسيا منذ ستين عاماً، ولدينا علاقات مع أميركا والصين، ولا أحد يفرض علينا كيف ندير علاقاتنا، والأميركيون يتفهمون ذلك جيداً".

وقبل ذلك، قال قائد الجيش الجزائري الفريق سعيد شنقريحة، بشكل مباشر أمام قائد الأركان العسكرية لحلف شمال الأطلسي، الفريق هانس وارنر وييرمان، خلال زيارته إلى الجزائر، في مايو الماضي، بوضوح إن "الجزائر تتبنى سياسة الحياد، وتحرص على النأي بنفسها عن التجاذبات الحاصلة بين مختلف الأطراف".

وأضاف "لكن في المقابل، وإذ تندد بسياسة الكيل بمكيالين، التي تميّز حالياً تعامل المجتمع الدولي مع قضايا الشعوب المقهورة، فإن الجزائر ستواصل، على غرار باقي دول العالم، التعاون مع حلفائها وشركائها، في إطار مصالحها الوطنية ومبادئها الراسخة"، في إشارة إلى روسيا والصين.

أدرج مسؤولان جزائريان الدعوات الأميركية لمعاقبة الجزائر ضمن "لعبة لوبيات ضاغطة داعمة لإسرائيل، ومغتاظة من موقف الجزائر من التطبيع، وموالية للمغرب"

وعلى الرغم من عدم صدور أي تعليق رسمي، فإن مسؤوليْن جزائريين تحدثت إليهما "العربي الجديد"، أدرجا الدعوات الأميركية لمعاقبة الجزائر ضمن "لعبة لوبيات ضاغطة داعمة لإسرائيل، ومغتاظة من موقف الجزائر من التطبيع، وموالية للمغرب"، بدليل وجود (بين المشرعين الداعين لمعاقبة الجزائر) عدد من الأعضاء الداعمين للمغرب، بينهم ماريو بلارت، الذي كان قد طرح مسودة قانون لتصنيف جبهة البوليساريو كتنظيم إرهابي مدعوم من إيران عام 2018.

الضغط على روسيا في أفريقيا

إلا أن الباحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية فيصل ازدارن، فسّر في حديث مع "العربي الجديد"، الضغوط الأميركية التي تأخذ في الوقت الحالي شكل رسائل من المشرعين الأميركيين ضد الجزائر، بأنها "مرتبطة بتحولات استراتيجية تتجاوز الصراع الراهن في أوكرانيا".

وقال "منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، بات من الواضح أن روسيا فتحت جبهات صراع ضدها، ومن هذه الجبهات ما يتعلق بتواجدها في المجالات الحيوية عبر العالم، فالصراع ليس فقط في مناطق أوكرانيا، ولكن في منطقة الساحل وشمال أفريقيا والقرن الأفريقي".

وأضاف "بالتالي، فأميركا تحاول جاهدة تحييد مناطق نفوذ روسيا، وهذه المساعي للضغط على الجزائر لتقليص تعاونها وشراكتها مع موسكو، تدخل في هذا الإطار، وهي أيضاً الوجه الآخر لإنجاح رزمة العقوبات التي فرضتها أميركا على روسيا".

وبرأي ازدارن فإن "ما يميّز السياسة الخارجية الأميركية هو أن أحد مقوماتها الغموض الاستراتيجي، سياسة تقودها مصالح آنية وبعيدة المدى أيضاً".

واعتبر أن "واشنطن تحاول تحييد الجزائر، ومنع موسكو من الارتكاز عليها في منطقة شمال أفريقيا والساحل، خصوصاً أن هناك انتباهاً من قبل أميركا وحلفائها لمخاطر النفوذ الروسي في القارة الأفريقية، والذي انعكس من خلال التصويت لصالح موسكو في أروقة هيئة الأمم المتحدة عندما قدمت دول عظمى لائحة تنديد بالاجتياح الروسي لأوكرانيا".

واشنطن تحاول تحييد الجزائر ومنع موسكو من الارتكاز عليها في منطقة شمال أفريقيا والساحل

جبهة ضد الجزائر بسبب موقفها من التطبيع

ومع هذه الحسابات الاستراتيجية بين موسكو وواشنطن، فإن ثمة دوافع أخرى يعتقد ازدارن أن لها دورا فاعلا ومركزيا في مطالبات أعضاء الكونغرس بمعاقبة الجزائر، أبرزها قيادة الأخيرة لجهود عربية وأفريقية لمنع تمدد التطبيع مع إسرائيل، فيما يمثل الوضع الراهن فرصة للمناوئين لفتح جبهة ضد الجزائر.

وأضاف "هذه المحاولة ما هي إلا حلقة من حلقات الضغط على الجزائر للإذعان لاتفاقيات أبراهام (التطبيعية)، وشوط من أشواط المساومة على المواقف، خصوصاً أن الجزائر مقدمة على تنظيم القمة العربية المقبلة (في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل)، وظلّ اللوبي الصهيوني ليس ببعيد".

وتابع "نحن نرى بوضوح أيضاً أن الولايات المتحدة كانت لها اليد الطويلة في تغيير مواقف العديد من الدول تجاه قضية الصحراء الغربية لإضعاف موقف الجزائر، وتعزيز الموقف المغربي، في مقابل التطبيع".

غير أن الباحث في الشؤون السياسية والأمنية في جامعة سعيدة، غربي الجزائر، ميلود ولد الصديق، اعتبر أن على الجزائر أن تأخذ الرسائل الأميركية على محمل الجد، خصوصاً في ظل ظرف دولي حاد التوتر بين موسكو والغرب.

وقال في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه "مهما كانت الدوافع والأسباب، فإنه يتحتم على الجزائر أن تأخذ على محمل الجد الرسائل الأميركية، إذ يتطلب الوضع توازناً في العلاقات وفي الخطاب، والحياد الإيجابي".

ميلود ولد الصديق: يتحتم على الجزائر أن تأخذ الرسائل الأميركية على محمل الجد

وأضاف "بقدر ما تتحمّل الجزائر تبعات التعاون والمناورات العسكرية التي تتم باستمرار بين الجيشين الجزائري والروسي، وتزايد مجالات التعاون العسكري بين الطرفين، بقدر ما يتطلب الأمر يقظة استراتيجية لتفادي أي صدامات مع الأميركيين".

وأشار إلى أن "العلاقة الاستراتيجية بين روسيا والجزائر، على الصعيدين السياسي والعسكري، ليست خافية عن الولايات المتحدة، لأنها ليست وليدة الظرف الحالي، لكن السياق العالمي المرتبط بالنزاع في أوكرانيا، هو الذي ولّد هذه الحالة غير المسبوقة من تناول الجزائر في أروقة الكونغرس".

واعتبر أن العلاقات مع موسكو "ليست وحدها الدافع نحو هذا التناول والمطالبات الأخيرة لمعاقبة الجزائر"، موضحاً أن "هناك اعتبارات أخرى، والأمر يتطلب النظر في خلفية بعض النواب والجهات التي تحركهم، إذ لا يخفى الدور الصهيوني المحافظ ربما، وإلا كيف لا يتم تناول الهند باعتبارها من أكبر المستوردين والمتعاملين مع روسيا، وغيرها؟".