ماذا وراء دعوة حزب "العدالة والتنمية" المغربي لانتخابات مبكرة؟

10 يوليو 2024
اجتماع الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية المغربي (تويتر)
+ الخط -
اظهر الملخص
- حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي في المغرب دعا إلى انتخابات مبكرة لقياس ثقة الشعب في الحكومة الحالية بقيادة عزيز أخنوش، وسط غموض سياسي وترقب لتعديل وزاري محتمل.
- المعارضة البرلمانية، بما في ذلك حزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" وحزب "التقدم والاشتراكية"، أبدت مواقف مشابهة، مشيرة إلى فقدان الحكومة لثقة الشعب وعجزها عن معالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
- الباحثون والمحللون السياسيون يرون أن دعوة "العدالة والتنمية" تفتقر إلى الواقعية السياسية وتثير تساؤلات حول توقيتها وجدواها، مشيرين إلى أن حل البرلمان وتنظيم انتخابات مبكرة هو من صلاحيات الملك حصراً.

تفتح دعوة حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي في المغرب إلى تنظيم انتخابات سابقة لأوانها، الباب أمام تساؤلات كثيرة حول توقيت تلك الدعوة ومدى جديتها وواقعيتها، في ظل الوضع السياسي الحالي المتسم بالاستقرار.

وبينما يلف المشهد السياسي في البلاد حالة من الغموض الممزوج بالترقب، بخصوص تعديل وزاري كان رئيس الحكومة الحالية عزيز أخنوش قد لمح، في 26 إبريل/ نسيان الماضي، إلى إمكانية إجرائه خلال الأيام المقبلة، وذلك مباشرة بعد انعقاد المؤتمر الوطني لحليفه في الأغلبية حزب "الاستقلال"، أثارت دعوة "العدالة والتنمية" على لسان رئيس مجموعته النيابية، عبد الله بوانو، إلى انتخابات سابقة لأوانها "لقياس ثقة الشعب في حكومة أخنوش" جدلاً في الأوساط السياسية والمتابعين للشأن السياسي في البلاد.

وكان بوانو قد قال، خلال الاجتماع الأسبوعي للمجموعة النيابية لحزبه، أول من أمس الاثنين، إن الدعوة لانتخابات سابقة لأوانها "لا يحكمها أي منطق حزبي، أو محاولة إرباك الحكومة، بقدر ما هي دعوة إلى ممارسة ديمقراطية، تعلي من قيمة المواطنين، ومن أهمية ثقتهم في الأحزاب والحياة السياسية". واعتبر، بحسب ما أورد الموقع الرسمي للحزب، أن "قيمة ثقة الشعب هي التي جعلت بريطانيا وفرنسا، تعرفان انتخابات برلمانية مبكرة، خلال الأيام الماضية، مبرزاً أن حزب المحافظين الحاكم في بريطانيا، رجع إلى الشعب بعدما فقد ثقته في الانتخابات المحلية، وكذا حزب الرئيس ماكرون في فرنسا، رجع إلى الشعب بعدما مني بهزيمة في انتخابات برلمان أوروبا، ولم يجدا أي حرج في العودة للشعب".

وأضاف رئيس المجموعة النيابية لحزب "العدالة والتنمية"، أن "لا شيء يخيف في الانتخابات السابقة لأوانها، لطلب ثقة المواطنين من جديد"، معتبراً أن "الحكومة الحالية تسيّر الشأن العام الوطني بدون ثقة المواطنين، وارتكبت أخطاء كبيرة، نتج عنها أزمات على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، في جميع القطاعات"، وفق تعبيره.

وليست هذه المرة الأولى التي يدعو فيها الحزب إلى انتخابات سابقة لأوانها خلال الولاية الحكومية الحالية، إذ كان الأمين العام للحزب عبد الإله قد دعا في 14 يناير/ كانون الثاني 2023، خلال الجلسة الافتتاحية للمجلس الوطني، إلى إجراء انتخابات سابقة لأوانها، معتبراً أن الحكومة "فقدت ثقة الشعب". وهي الدعوة التي أيده فيها بيان صادر عن برلمان الحزب، معتبراً أن الحكومة الحالية تعاني انهياراً في منسوب ثقة المغاربة فيها، وعجزها عن معالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن ترسيخ النزاهة والشفافية".

واعتبر المجلس الوطني، في بيان له، أن هذا الوضع "يستدعي العودة للاحتكام إلى صناديق الاقتراع، وفسح المجال أمام الشعب للتعبير عن إرادته الحرة، واختيار من يمثله داخل المؤسسات بواسطة عملية انتخابية حرة ونزيهة وشفافة، تعيد الثقة للشعب في قيمة صوته الانتخابي، وتقنعه بجدوى المشاركة السياسية".

وفي فبراير/ شباط الماضي، عاد الأمين العام لـ"العدالة والتنمية" لإشهار ورقة الانتخابات المبكرة في وجه غريمه السياسي عزيز أخنوش، حينما اعتبر خلال لقاء المجلس الجهوي للحزب بجهة الدار البيضاء سطات، أن "الفشل الذريع الذي تعيشه الحكومة على مختلف المستويات والقطاعات والملفات، يستدعي الاتجاه إلى تنظيم انتخابات سابقة لأوانها".

وبينما لم يصدر إلى حد الساعة أي تعليق من رئيس الحكومة وحلفائه في الائتلاف الحكومي الحالي على دعوة "العدالة والتنمية"، قال قيادي في الأغلبية، طلب عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول له بالحديث إلى الصحافة، لـ"العربي الجديد"، اليوم الأربعاء، إن المشهد السياسي ووضع البلد حالياً لا يحتاج إلى الانتخابات وإنما، في الحقيقة، إلى نفس جديد سيأتي به تعديل حكومي مرتقب لتقديم الجواب عن الأسئلة المطروحة من قِبل المجتمع، وكذا التحديات التي تواجه البلاد".

وفي تحليله لتوقيت الدعوة إلى انتخابات سابقة لأوانها ودواعيها، رأى الباحث في العلوم السياسية، محمد شقير، أن المشهد السياسي بالمغرب أصبح يعرف في الآونة الأخيرة، وفي منتصف الولاية البرلمانية مجموعة من التصرفات والسلوكيات السياسية الصادرة عن بعض مكونات المعارضة البرلمانية التي تتسّم بالشعبوية والإثارة أكثر من تميزها بواقعية اللعبة السياسية والديمقراطية.

وقال، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن تلك التصرفات والسلوكيات بدأها الكاتب الأول لحزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" إدريس لشكر، برفع مطلب حجب الثقة عن الحكومة وإسقاطها رغم إدراكه عدم توفر الشروط السياسية للنجاح، في حين بعث الأمين العام لحزب "التقدم والاشتراكية" نبيل بنعبد الله، رسالة إلى رئيس الحكومة يسأله عن حصيلة حكومته في نصف ولايتها البرلمانية، علماً أنه سبق أن أجاب عنها بإسهاب داخل قبة البرلمان. قبل أن يعقب ذلك دعوة رئيس المجموعة النيابية لـ"العدالة والتنمية" إلى انتخابات سابقة لأوانها، مبرراً ذلك بما تم في كل من فرنسا وإسبانيا على الرغم من اختلاف الظرفية وتباين الرهانات.

من جانبه، رأى رئيس مركز "شمال أفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية"، رشيد لزرق، أن دعوة بوانو رئيس الحكومة إلى تنظيم انتخابات سابقة لأوانها لا يخرج عن كونه "بوليميك سياسي" لكون اختصاص حل البرلمان هو من صلاحيات ملك البلاد حصراً، وفقاً للدستور المغربي في فصله الـ51، الذي ينص على أن للملك حق حل مجلسي البرلمان أو أحدهما بظهير شريف. وبالتالي، فإن أي دعوة لتنظيم انتخابات مبكرة تستلزم ضمناً حل البرلمان، وهو ما يتجاوز صلاحيات رئيس الحكومة أو أي حزب سياسي.

وقال في حديث لـ"العربي الجديد"، إن وراء دعوة الحزب الإسلامي إلى تنظيم انتخابات سابقة لأوانها دوافع سياسية، منها محاولة الضغط على الحكومة الحالية، وتغيير المشهد السياسي قبل انتهاء الولاية الطبيعية للبرلمان، معتبراً أن ذلك "يثير جدلاً حول مدى احترام المؤسسات الدستورية والعملية الديمقراطية".

ولفت إلى أن هذه الدعوة تثير كذلك نقاشاً حول استقرار النظام السياسي في المغرب، فالانتخابات المبكرة عادة ما تكون نتيجة لأزمة سياسية حادة أو عدم استقرار حكومي، وهو ما قد لا يتوافق مع الوضع الراهن في المغرب. وأضاف: "يمكن النظر إلى هذه الدعوة على أنها تدخل في صلاحيات المؤسسة الملكية، مما قد يُفسر على أنه تجاوز للخطوط الحمراء في النظام السياسي المغربي".

وبرأي لزرق، فإن الدعوة تطرح تساؤلات عدة حول توقيتها ومدى جدواها في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها المغرب، والتي قد تتطلب استقراراً سياسياً لمواجهتها. وإجمالاً، يضع لزرق دعوة "العدالة والتنمية" في خانة "البوليميك السياسي" الذي يعكس التوترات والتنافس بين القوى السياسية في المغرب، كما أنها تثير، في الوقت نفسه، نقاشاً مهماً حول احترام الدستور وصلاحيات المؤسسات وآليات صنع القرار السياسي في المملكة.

وكان "العدالة والتنمية"، قائد الائتلاف الحكومي السابق، قد تلقى هزيمة مدوية في الانتخابات التشريعية التي جرت، في الثامن من سبتمبر/ أيلول 2021، بعد حلوله في المرتبة الثامنة بـ13 مقعداً، بعدما كان يسعى لقيادة الحكومة للمرة الثالثة على التوالي، وفقدانه بذلك في ظرف 5 سنوات 113 مقعداً من أصل 125 كان قد حصل عليها في انتخابات عام 2016.