استمع إلى الملخص
- رفض واسع من الأحزاب السياسية لدعوة المالكي، معتبرين أنها تهدف لزعزعة الاستقرار السياسي وتجاهل الأولويات الوطنية والخدمية.
- التحديات الفنية والمالية، بالإضافة إلى عدم الرغبة العامة، تجعل من صعوبة إجراء الانتخابات المبكرة واضحة، مما يكشف عن تعقيد المشهد السياسي العراقي والصراع على السلطة.
مثّلت دعوة رئيس الوزراء العراقي الأسبق، القيادي البارز في التحالف الحاكم، نوري المالكي، الأربعاء الماضي، إلى إجراء انتخابات مبكرة في البلاد نهاية العام الحالي، إحدى أبرز صور الخلافات المتصاعدة داخل قوى "الإطار التنسيقي"، المؤلف من الكتل والأحزاب العربية الشيعية الرئيسية بالبلاد، لا سيما بين المالكي ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني. وخلال لقاء تلفزيوني رَوّج له الإعلام التابع لحزب الدعوة مسبقاً، قال المالكي: "نحتاج إلى إجراء الانتخابات المبكرة، لكن المتعارف عليه أن الانتخابات تفرض أن يحل البرلمان نفسه، وأنا قد راجعت واستذكرت المواقع والمحطات التي مرّت فوجدت أن البرلمان لا يحتاج إلى أن يحلّ نفسه، بل يستمر إلى ليلة الانتخابات، وعندما تتم الانتخابات يُحل البرلمان أوتوماتيكياً".
عضو في كتلة السوداني: جميع الكتل السياسية لا ترغب في إجراء انتخابات مبكرة
دوافع دعوة نوري المالكي لانتخابات مبكرة
ووفقاً لتحليلات سياسيين ومراقبين، فإن دعوة نوري المالكي لانتخابات مبكرة في العراق وراءها دوافع سياسية كثيرة، مشكّلة إحراجاً لحكومة السوداني المشغولة بالملفات الخدمية وتقوية الوزارات، والتركيز على إعادة الثقة بين السلطة التنفيذية والشارع، الذي انفصل عنها خلال السنوات الماضية. كما أن من بين الأهداف مباغتة التيار الصدري العازم على العودة إلى العمل السياسي، لكنه لم يتمم جاهزيته بعد، بالإضافة إلى معاندة الأحزاب الشيعية الأخرى، المستقرة سياسياً في العهد الحكومي الحالي، عكس ما كان الوضع عليه في الحكومات السابقة. وقوبلت دعوة نوري المالكي لانتخابات مبكرة بالرفض من قبل أعضاء "الإطار التنسيقي"، وهو التحالف الحاكم، أولها كان من تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، الذي وصف الدعوة لإجراء الانتخابات المبكرة بأنها "ولدت ميتة ولا يمكن تطبيقها". واعتبر القيادي في التيار رحيم العبودي، في بيان، أن "الدعوة تمثل وجهة نظر المالكي ورغبته الشخصية، وهذه الفكرة لم تطرح أو تناقش بين قوى الإطار التنسيقي، كما أن فكرة الانتخابات المبكرة مرفوضة من قبل الإطار التنسيقي، والرفض يأتي لإدامة الاستقرار السياسي ولإكمال الحكومة العراقية المشاريع والخطط في ظل الرضى الحاصل عنها سياسياً وشعبياً".
كما أكد "ائتلاف النصر" بقيادة رئيس الوزراء الأسبق، حيدر العبادي، عدم وجود اتفاق وطني على إجراء انتخابات مبكرة في البلاد. وذكر الائتلاف في بيان أنّ "هناك أولويات وطنية أهم من الانتخابات المبكرة، ومهام كبرى أخرى تستوجب العمل لها والالتزام بالتواقيت الدستورية لاختيار رئيس مجلس النواب لاستقرار العملية السياسية وتقديم ما هو أفضل للمواطنين". ودعا البيان القوى السياسية العراقية إلى "جعل الأولوية رعاية مصالح المواطنين ورسوخ النظام السياسي وفاعليته لتقديم الخدمات للشعب وحفظ استقراره وتقدمه". مع العلم أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني ألزم نفسه من خلال منهاج حكومته بإجراء الانتخابات المبكرة، فضلاً عن محاربة الفساد والسلاح المتفلت. وعلى إثر ذلك حصلت حكومة السوداني على ثقة البرلمان في أكتوبر/ تشرين الأول 2022. وسبق أن طالب التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر بإجراء انتخابات مبكرة، قبل اعتزاله العمل السياسي في أغسطس/ آب 2022. مصادر من داخل تحالف "قوى الإطار التنسيقي" قالت لـ"العربي الجديد" إن "دعوة نوري المالكي لانتخابات مبكرة انعكاس لعلاقة مرتبكة بينه وبين السوداني". وقال أحد المصادر، وهو عضو بارز في منظمة "بدر"، فضّل عدم الكشف عن اسمه لـ"العربي الجديد"، إن "عمر حكومة السوداني ينتهي أواخر عام 2025، والدعوة لإجراء انتخابات مبكرة مناكفة سياسية بالدرجة الأولى". لكنه أكد بالوقت نفسه "أن المالكي كان يحشد لحراك تجاه الانتخابات المبكرة قبل الإعلان عن ذلك منذ مدة، لكنه لم يجد تجاوباً من القوى السياسية الأخرى".
مجاشع التميمي: ما طرحه المالكي كشف حجم الخلافات داخل الإطار التنسيقي
صعوبة إجراء انتخابات مبكرة
بدوره، اعتبر أحد أعضاء "تيار الفراتين"، بزعامة رئيس الحكومة، في حديثٍ "العربي الجديد"، أن "دعوة نوري المالكي لانتخابات مبكرة تحمل رسائل عديدة، من بينها جهوزيته الدائمة لخوض أي انتخابات في المستقبل، وهو يقصد بذلك التيار الصدري الذي ينوي العودة من جديد للعمل السياسي". وأضاف العضو، الذي فضّل عدم الإفصاح عن اسمه، أن "جميع الكتل السياسية لا ترغب بإجراء انتخابات مبكرة، خصوصاً أنه تم إجراؤها قبل عامين ونيّف (أكتوبر 2021)، فضلاً عن صعوبة إجرائها فنّياً وعدم تخصيص مبالغ مالية لها في قانون الموازنة العامة". أما القيادي البارز في "الإطار التنسيقي" حسن فدعم، فرأى في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "غالبية قوى الإطار التنسيقي وحتى الأطراف السياسية الأخرى السنية والكردية لا تدعم الذهاب نحو انتخابات برلمانية مبكرة، لأن الموعد المرتقب للانتخابات ليس ببعيد (في وقتٍ لم يُحدّد من عام 2025)، ونحن تجاوزنا نصف المدة البرلمانية، ولهذا لا توجد أي حاجة للانتخابات المبكرة". وأضاف فدعم أنه "حتى لو كانت الانتخابات البرلمانية المبكرة واردة في البرنامج الحكومي، فهذا البرنامج عبارة عن توافق بين الأطراف السياسية، وهو ليس بدستور حتى يكون ملزم التنفيذ، بالإضافة إلى غياب المبررات لإجراء الانتخابات، في ظل الأوضاع المستقرة". واعتبر أن "مطلب إجراء انتخابات برلمانية مبكرة ليس مطلباً شعبياً، بل وجهة نظر لبعض الأطراف السياسية الخاسرة في الانتخابات والأحزاب التي لم تحصل على فرصة في المشاركة في الحكومة".
من جانبه، لفت الناشط السياسي المُقرب من التيار الصدري مجاشع التميمي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "ما طرحه المالكي كشف حجم الخلافات داخل الإطار التنسيقي، وكذلك معارضة المالكي للسوداني والسعي إلى تقويضه عبر هذه الانتخابات وعبر طرح فكرة منح ترشح أي مسؤول تنفيذي بالعملية الانتخابية". واعتبر أنّ "المالكي أراد من خلال هذه الدعوة مغازلة التيار الصدري، فهو لديه خشية حقيقية من وجود أي تقارب مستقبلي بين الصدر والسوداني قد يهدد مستقبله السياسي، ولهذا فإن المالكي يسعى للتقرب من الصدر".