مآلات المشهد السياسي في ليبيا بعد نهاية خريطة طريق ملتقى الحوار السياسي

21 يونيو 2022
ترتفع مؤشرات الخشية من تجدّد الانقسام في ليبيا (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -

ينتهي، اليوم الثلاثاء، أجل خريطة طريق ملتقى الحوار السياسي في ليبيا، الذي رسم ملامح الحياة السياسية في البلاد، بعد انقسام سياسي دام نحو 6 سنوات، فيما ترتفع مؤشرات الخشية من تجدّد الانقسام، وخصوصاً مع ظهور ملامحه الأولى من خلال تشكيل مجلس النواب حكومة جديدة لم تتسلّم مهامها من حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، التي تتشبث بإجراء الانتخابات أولاً، وترفض فكرة نهاية ولايتها بانتهاء خريطة الطريق.

ومع تزامن انتهاء أجل خريطة الطريق، وعدم توصل جولات المسار الدستوري الثلاث، التي انعقدت في القاهرة بين أعضاء اللجنة الدستورية المشتركة من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، إلى توافق على الإطار الدستوري للانتخابات المؤجلة منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، تبرز العديد من السيناريوهات بشأن مستقبل البلاد.

ومنتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2020، اختُتمت أعمال الجولة الأولى لملتقى الحوار السياسي الليبي في تونس بالاتفاق على 24 ديسمبر/كانون الأول 2021 تاريخاً لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، لكن هذا لم يحدث.

وحدد الاتفاق مدة عمل السلطة التنفيذية الانتقالية بـ18 شهراً تمتد حتى يونيو/ حزيران 2022، وفق البعثة الأممية. ولم يُتَّفَق حتى الآن على تاريخ جديد للانتخابات.

وفيما لم يصدر عن حكومة الوحدة الوطنية، حتى الآن، أي بيان رسمي بشأن موقفها من انتهاء أجل خريطة طريق ملتقى الحوار السياسي، التي أوصلتها إلى السلطة في فبراير/شباط من العام الماضي، إلا أنّ الصحافي الليبي سالم الورفلي، يرى أنها فضلت إظهار موقفها عملياً من خلال انتشار عشرات الأرتال للمجموعات المسلحة المؤيدة لها، وسط العاصمة طرابلس وعلى طرقاتها الرسمية، ليل أمس الاثنين، "ولسان حالها يؤكد تمسّكها بالبقاء في السلطة"، بحسب تعبيره.

واعتبر الورفلي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنّ "هذا الموقف العملي من حكومة عبد الحميد الدبيبة يشير إلى بوادر أوضح للسيناريوهات المتوقعة، وهي استمرار حالة الاستقطاب السياسي الحاد، خصوصاً بمشاركة كلّ الأطراف، لا الدبيبة فقط"، متسائلاً: "ماذا يعني أن يتعنت ممثلو مجلسي النواب والدولة في جولات المفاوضات الدستورية وهم يعرفون أن نهايتها تتوافق مع انتهاء أجل خريطة الطريق"، مضيفاً: "بكل تأكيد، كان الطرفان يسعيان لمزيد من التأزيم والتعقيد".

عودة الانقسام؟

وفي وقت لا يرجّح فيه الورفلي عودة ليبيا إلى مربع الانقسام مجدداً، يعتقد أن الأوضاع ستسير نحو الجمود، في انتظار ما سيسفر عنه لقاء رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح.

ويرى الورفلي أنّ لدى البعثة الأممية، وما وراءها مِن عواصم كبرى، خطة بديلة تطلق على أساسها عملية سياسية جديدة، موضحاً رأيه بالقول: "في اعتقادي، إن جولات المسار الدستوري أُريد لها أن تفشل منذ البداية، لتضييق الخيارات أمام الجميع للقبول بأي خطة بديلة"، لافتاً إلى أن منطلقات المجلسين وأهدافهما متغايرة، ما جعل هامش المناورة محدوداً عند كليهما، فمجلس الدولة ينطلق من مطلب أن تجري الانتخابات وفقاً لقاعدة دستورية مؤقتة، فيما ينطلق مجلس النواب من مطلب تعديل على مسودة الدستور وتغيير حكومي.

لكن المحلل السياسي يوسف البخبخي، يرى أن مجلسي النواب والدولة "معنيان بالبقاء"، وأن النقاش الدستوري بالنسبة إليهما "مادة للمساومة".

ويقول البخبخي لـ"العربي الجديد": "في اللقاء المفترض، الذي تعثر إجراؤه بين رئيسي المجلسين (عقيلة صالح، وخالد المشري)، اشترط صالح أن يتمحور النقاش حول حكومة فتحي باشاغا، وهذا لأنها تمثل أداة البقاء والتمكين بالنسبة إليه، وهي الحلقة الأخيرة بالنسبة إليه للوصول إلى آلية تمكنه من البقاء والتمديد، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المشري، ولهذا يبرز سيناريو يتمثل بطرح فكرة استحداث حكومة ثالثة".

ويضيف: "من هذا المنطلق، يُعتبر النقاش الدستوري مساراً موظفاً للبقاء والتمديد، وبناءً على ذلك، نحن الآن في طريق الوصول إلى قاعدة معيبة تمكن الاثنين من البقاء".

ويشير البخبخي إلى أنباء نقلتها "قناة ليبيا الأحرار"، عن عضو لجنة المسار الدستوري عن مجلس الدولة عبد القادر حويلي، أفاد فيها بأنّ مجلس الدولة "قدّم تنازلات، خصوصاً في ما يتعلّق بشروط الترشح لرئاسة الدولة"، معتبراً أنّ هذا يعني أنّ "مجلس الدولة مستعد لتقديم أكبر قدر من التنازلات، وهذه التنازلات في حقيقتها لا تمكّن من وجود قاعدة دستورية سليمة قد تنتج الدولة المدنية المنشودة".

وبحسب معلومات البخبخي، فقد طرح طرفا اللجنة عن المجلسين في نقاشاتهما أربعة مخارج للاتفاق، هي "التقاء الرئيسين، أو العودة للمجلسين، أو الاستفتاء على نقاط الاختلاف، أو ترحيل نقاط الاختلاف من القاعدة إلى القانون".

وفي هذا الشأن، اعتبر رئيس مفوضية الانتخابات الليبية عماد السائح، أن طرح القاعدة الدستورية للاستفتاء يحصنها من الطعون مستقبلاً، مشيراً، في لقاء مع وكالة الأناضول، إلى قدرة المفوضية على إجراء الاستفتاء في غضون 70 يوماً من تسلّم قانون الاستفتاء.

من جهة أخرى، يستغرب الباحث في الشأن السياسي بلقاسم كشادة، رفض المشري مناقشة ملف السلطة التنفيذية مع صالح، وإصراره على بحث المسار الدستوري فقط، معتبراً أنّ الملفين متشابكان، ومن الصعب حلّ عقدة أحدهما دون الالتفات للآخر.

ويقول معلّقاً في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحكومات هي التي تشرف على إنجاز الانتخابات، وهو المفترض في حكومة الدبيبة، لكنها عكس ذلك تدخلت وأفسدت الانتخابات في ديسمبر/كانون الأول الماضي بترشح رئيسها، ثم تعيينها بالمخالفة للجنة كلفها الدبيبة صياغة قوانين الانتخابات، وأخيراً إصرارها على البقاء حتى بعد حجب الثقة عنها، وتكليف حكومة أخرى، حتى وصل الأمر إلى رفضها التسليم بعد نهاية مدة الاتفاق الذي أنجبها من العدم".

وبحسب وجهة نظر كشادة، فإن الحل يكمن في أمرين: الأول تسليم الدبيبة مهام حكومته بشكل سلمي للحكومة الجديدة، بحيث يظهر حسن النية، وبإمكانه بعد ذلك الترشح للانتخابات، والثاني في اعتماد النقاط التي اتفقت عليها لجنة المسار الدستوري، وإحالة نقاط الخلاف القليلة، إما للمجلسين، أو رئيسيهما، للبت بهما بأسرع ما يمكن.

ويعتبر كشادة أن ذلك أسرع طريق للتمهيد سريعاً لإجراء الانتخابات خلال أشهر، و"إلا فإن شبح العودة للانقسام الحكومي في ليبيا سيكون أقرب السيناريوهات للتحقق، وليس من السهل عندها إنتاج خريطة طريق جديدة توحّد السلطة، خصوصاً إذا ذهبت مؤسسات الدولة للانحياز إلى طرفي الحكومتين، وبالتالي انقسامها أيضاً".

ويخالف البخبخي هذا الطرح، إذ وفقاً لرأيه، فإنّ خريطة طريق ملتقى الحوار السياسي في ليبيا ذات شقين؛ يذهب الأول منهما إلى أنّ "مدة السلطة التنفيذية المحددة حسب الاتفاق بسنة ونصف تشترط إجراء الانتخابات"، مشيراً إلى أنّ هذا الشرط لم يتحقق، ما يعني عدم بلوع خريطة الطريق أجلها النهائي. أما الشق الثاني، فيذهب لإلغاء كل الأجسام السياسية بنهاية مدة الاتفاق، بما فيها مجلسا النواب والدولة والمجلس الرئاسي والحكومة، وهذا يعني الدخول في فراغ سياسي، وهو أمر بعيد لن يقترب منه أحد حتى البعثة الأممية، أو المجتمع الدولي، أو المحلي، وفق قوله.

ويستدرك البخبخي بالقول: "بالنسبة إلى حكومة باشاغا، ستبقى مجرد مشروع، ولن ترتقي لتكون حكومة رسمية، وستظل موازية حتى وإن أقرّ النواب ميزانيتها، لأنّ حكومة الوحدة الوطنية ما زالت تمتلك الشرعية المنبثقة من خريطة الطريق، والاعتراف الدولي بها سيستمر حتى بعد 21 يونيو/حزيران (اليوم)، لأنّ الخيار الآخر هو الدخول في فراغ، أو السقوط في أحضان خريطة طريق مجلس النواب"، في إشارة إلى خريطة مجلس النواب التي أعلنها في فبراير/شباط الماضي، ونصّت على تأجيل الانتخابات 14 شهراً، على أن يعمل المجلس، بالتنسيق مع مجلس الدولة، على تعديل مسودة الدستور وطرحها للاستفتاء عليها، لتكون أساساً دستورياً للانتخابات.

ويختم البخبخي حديثه قائلاً: "خريطة النواب جاءت في إطار صراع الإرادات، وعلى الضد من خريطة المجتمع الدولي التي أفرزت السلطة التنفيذية الحالية، ولهذا إن القبول بالحكومة الموازية قبول بإسقاط خريطة طريق ملتقى الحوار السياسي التي جاءت برعاية ومباركة دولية وأممية، والحقيقة أنّ المجتمع الدولي يرفض حكومة باشاغا، حتى لو لم يصرّح بذلك مباشرة، لأنها جاءت في إطار التمديد والبقاء، ولم تأتِ لصناعة انتخابات".

وعقب إعلانها انتهاء جولات المسار الدستوري، فجر أمس الاثنين، قالت المستشارة الأممية بشأن ليبيا، ستيفاني وليامز: "ظلت الخلافات قائمة بشأن التدابير المنظمة للمرحلة الانتقالية المؤدية إلى الانتخابات". وفي إشارة واضحة إلى عدم توصل اللجنة المشتركة إلى توافق كامل بشأن الأساس الدستوري للانتخابات، دعت وليامز رئاستي المجلسين للاجتماع خلال عشرة أيام، في مكان يُتَّفَق عليه، "لتجاوز النقاط العالقة".

وكانت مصادر مقربة من المجلسين قد كشفت، في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، عن أن الخلافات تركزت حول أشد المواد خلافاً في مسودة الدستور، وتحديداً شروط الترشح لمنصب رئيس الدولة، وأن تكون السلطة التشريعية من غرفتين: مجلس للنواب ومجلس للشيوخ.

وفيما تجاوب رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، مع دعوة وليامز، وأكد استعداده للقاء رئيس مجلس النواب عقيلة صالح مجدداً لـ"مناقشة النقاط العالقة في المسار الدستوري والسعي لحلها"، لم يصدر حتى الآن أي رد من جانب رئيس مجلس النواب عقيلة صالح.

وفي هذه الأثناء، دعا عدد من أعضاء مجلس الدولة الداعمين للحكومة المكلفة من مجلس النواب، الدبيبة، إلى "تحمل مسؤولياته الأخلاقية والقانونية بالإسراع في تسليم مقار الحكومة السابقة للحكومة الليبية بشكل سلس، اقتداءً بسلفه، وبما يُعزز قيمة التداول السلمي على السلطة".

وأكد الأعضاء، في بيان مشترك، ليل الاثنين – الثلاثاء، انتهاء المدة الزمنية لخريطة الطريق، "الأمر الذي يجعل من حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية بالضرورة"، مطالبين البعثة الأممية والمجتمع الدولي بضرورة الاعتراف بولاية الحكومة المكلفة من مجلس النواب، برئاسة فتحي باشاغا، "على كامل تراب الوطن، لكونها الحكومة الشرعية المنبثقة من الأجسام الرسمية المنتخبة".

وفيما أكد الأعضاء متابعتهم لنتائج جولات المسار الدستوري التي انعقدت في القاهرة، حثوا مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة على "استكمال ما بقي من نقاط خلافية في أقرب الآجال".

المساهمون