بعد استدعائه إلى الرياض في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، تعود الأنظار إلى السفير السعودي وليد بخاري من بوابة العودة القريبة لمقرّه في لبنان على وقع التطورات الأخيرة التي أنتجتها المبادرة الفرنسية السعودية وتمخضت عنها مساعدات إنسانية.
وترافق ذلك مواقف رئاسة الوزراء اللبنانية ومن خلفها إجراءات وزارة الداخلية الأمنية و"الإعلامية"، التي نالت درجة عالية من الترحيب ترقى لمستوى "نجاح" يعوّل عليه أصدقاء المملكة في لبنان لعودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية ولبنان.
وتزامن الترحيب السعودي – الكويتي بالبيان الصادر عن رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، الذي رفع فيه السقف دفاعاً عن سيادة المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي بوجه الأنشطة التي تطاولها لبنانياً، مع تحرك "الحزب التقدمي الاشتراكي" (يتزعمه وليد جنبلاط)، ممثلاً بالنائب وائل أبو فاعور، وحزب "القوات اللبنانية" (يتزعمه سمير جعجع)، من خلال الوزير السابق ملحم الرياشي، إلى الرياض.
وكشف الوزير السابق ملحم الرياشي خلال عشاء في الرياض ضم مناصري القوات المقيمين في المملكة أنه تم ابلاغه أن السفير السعودي سوف يعود إلى لبنان قريباً وكذلك سفراء مجلس التعاون الخليجي.
أبشركم بأنه أثناء زيارتي المملكة، تم إبلاغي أن سفيرها سوف يعود إلى لبنان قريبا، وكذلك سفراء مجلس التعاون. pic.twitter.com/iqg06ipZvf
— Melhem Riachy (@MelhemRiachy) March 23, 2022
ووُضِعت هذه الزيارة في إطار جسّ النبض السعودي وتعبيد طريق العودة، ولا سيما على بعد شهرين من الانتخابات النيابية المرتقبة في 15 مايو/ أيار المقبل، التي يخوض فيها الحزبان، ولا سيما "القوات"، معركتهما الانتخابية بسلاح مواجهة "حزب الله" وعهد الرئيس ميشال عون والهيمنة الإيرانية.
ويأتي ذلك قبيل وصول وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى بيروت قادماً من دمشق، حيث يلتقي غداً الخميس مسؤولين لبنانيين.
الغيمة إلى زوال
وقال رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي في مستهل جلسة مجلس الوزراء التي ترأسها بعد ظهر اليوم إن "ما أذيع عن وزارتي الخارجية في المملكة العربية السعودية ودولة الكويت يؤشر لا بل يبشّر في ما تضمنته بأن الغيمة التي خيمت على علاقات لبنان بأشقائه في دول الخليج هي وكما نأمل جميعاً إلى زوال في القريب إن شاء الله".
وأكد ميقاتي أن "أية التزامات هي رهن بالخطوات التي يجري تطبيقها تباعاً، آملاً بأن تكون كفيلة بإعادة علاقاتنا بالمملكة وبعض دول الخليج إلى طبيعتها".
وجدد ميقاتي التأكيد تبعاً لبيان رئاسة الحكومة على "أولوية العلاقات الأخوية التي تربط لبنان بدول الخليج وضرورة تغليب المصلحة الوطنية العليا في الشأن السياسي وفي العلاقات الدولية على المصالح الفئوية والشخصية".
وقال "نحن حريصون على تطبيق ما ورد في البيان الوزاري لحكومتنا لجهة تعزيز علاقات لبنان مع الدول العربية الشقيقة والإصرار على التمسّك بها والمحافظة عليها، والحرص على تفعيل التعاون التاريخي بين بلداننا العربية والنأي بالنفس عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية وفي أي نزاع عربي - عربي ودعوة الأشقاء العرب للوقوف إلى جانب لبنان في هذه المحنة التي يرزح تحتها".
علامات استفهام على التقارب
وتثير العودة السعودية علامات استفهام كبيرة، خصوصاً على صعيد التوقيت، في ظل "شح" التغييرات الملموسة لبنانياً تجاه المملكة، بغض النظر عن موقف ميقاتي وهو غير جديد أصلاً، وإجراءات الداخلية اللبنانية التي مهما تكثفت لن تكون كفيلة بإبطال الاتهامات الموجهة لـ"حزب الله" بسيطرته على المعابر والحدود. وفي هذا السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسي قاسم يوسف، لـ"العربي الجديد"، إن السبب الأساسي يتمثل في الانتخابات النيابية.
ويلفت يوسف إلى أنه "قيلَ للسعوديين بشكل مباشر إن غياب المملكة من شأنه أن يعطي حزب الله بين 67 و72 نائباً في البرلمان، وقد وصلتهم رسائل أوروبية أميركية وحتى مصرية بهذا الاتجاه تضغط لأجل عودتها إلى لبنان".
ويشير المحلل اللبناني إلى أن "السعودية كانت تطلب بياناً صادراً باسم الحكومة مجتمعة لإعادة وصل ما انقطع، ولكنها رضيت هذه المرة ببيان رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، وهو ليس الأول له لحفظ ماء الوجه في هذه المرحلة بالذات".
محلل: غياب المملكة من شأنه أن يعطي حزب الله بين 67 و72 نائباً في البرلمان
وأضاف في هذا السياق: "من هنا فإن عودة المملكة تأتي لدعم الشخصيات القريبة من جوّها وبشكل أساسي حزب القوات اللبنانية وحركة رئيس الوزراء الأسبق فؤاد السنيورة"، وتابع: "أقدّر أن السعوديين اتخذوا قراراً جدياً في مسألة إعادة الاعتبار للقضية اللبنانية، التي لا يمكنهم إهمالها خصوصاً في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة عامةً".
وخطف الترحيب السعودي الأضواء التي كانت مسلّطة على مواقف الرئيس اللبناني ميشال عون المدافعة عن "حزب الله" من روما الإيطالية، والتي قابلها تكرار البطريرك الماروني بشارة الراعي دعوته من مصر للحياد وطرحه إقامة مؤتمر دولي للبنان، في تطورات يخشى حزب "التيار الوطني الحر" (برئاسة النائب جبران باسيل صهر عون) من تداعياتها الانتخابية عليه.
ويقول قاسم في هذا الإطار إنه "بمجرد أن يشعر التيار بأن السعودية عائدة ومعها دول الخليج المقاطِعة للبنان، يعني أنه سيكون في حالة رعب، خصوصاً بعد الارتياح الذي لمسه مع طمأنة حزب الله له بأنه لن يسمح باستهدافه وسيساعده ويدعمه انتخابياً".
ولفت إلى أن "الوطني الحر مرجح أن يخسر ما بين 10 و15 نائباً في دورة 2022، مقابل توسع لحزب القوات برلمانياً بثمانية أو تسعة نواب إضافيين عن دورة 2018، وهو عدد يصبح أقرب إلى الضمانة إذا حصل الزخم السعودي الذي يعوّل عليه القواتيون، وبالتالي فإن المشهد سيختلف حتماً بشكل دراماتيكي بين ما قبل التدخل السعودي وما بعد الحضور لبنانياً".
أما زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى لبنان فلا يتوقف قاسم كثيراً عندها، فهي "بروتوكولية لا تحمل أي معنى آخر سياسي انتخابياً"، باعتبار أن إيران تسلم الملف اللبناني لحزب الله ولا تتعاطى بشكل مباشر بهذه المسائل، ومن ضمنها الانتخابات النيابية.
العودة إلى "العمق العربي"
في المقابل، لا يربط رئيس "المركز الإسلامي للدراسات والإعلام" (يتبع لدار الفتوى)، خلدون عريمط، في حديثه مع "العربي الجديد"، العودة السعودية بالملف الانتخابي أو مواجهة "حزب الله"، ويقول في هذا السياق إن "الشعب اللبناني هو الذي يقرّر من سيمثله على صعيد السلطة التشريعية التي تنبثق عنها السلطة التنفيذية، والمملكة لم نعتد عليها إلا داعمة للبنان بكل مقوماته ومؤسساته، ولو كان لديها عتب على بعض الفئات اللبنانية".
ويضيف "نحن حريصون جداً على عودة العلاقات الأخوية بين لبنان والدول العربية ولا سيما الخليجية والسعودية على وجه الخصوص، وعودة السفير السعودي إلى بيروت إذا حصلت وفق الأجواء التي تبشّر بذلك، هي مؤشر مهم على أن لبنان بدأ يخرج من الجو الذي يعيش فيه راهناً والبعيد عن عمقه العربي".
من جهته، يقول النائب بلال عبد الله (من الحزب التقدمي الاشتراكي)، لـ"العربي الجديد"، إن "الأهم بالنسبة إلينا هو عودة لبنان إلى عمقه العربي حفاظاً على هويته ومصالحه، فهو لا يستطيع أن يستمر وأن يتنفّس إلا برئته العربية، وهذا موقفنا المبدئي والمستمر، وسنبذل أي جهد ليكون لبنان في هذا الموقع، أما بشأن عودة السفير السعودي فذلك أمرٌ تحدده المملكة ومرتبط بها مباشرة، لكننا نتمنى أن يحصل ذلك وتكون قريبة".
ويرى عبد الله أن دول الخليج وضمنها السعودية "لم تتدخل مرة في الانتخابات النيابية بشكل مباشر، والاتهامات التي تطلق في هذا الاتجاه ما هي إلا اتهام سياسي وإثارته ربما تهدف إلى التعمية عن تدخل النظام السوري وحلفائه في الاستحقاق".
أما أوساط "حزب الله" فتكتفي بالتعليق، لـ"العربي الجديد"، بأن "الحراك اللبناني السعودي المدعَّم اميركياً ما هو إلا دليل على أن حزب الله لم يكن يوماً يريد الإطاحة بالانتخابات، خصوصاً أنه المستفيد الأول من إجرائها، والكل يعلم ذلك، وهذا الاستنفار متوقع ولا نخشاه لمواجهتنا وتوحيد الجبهات ضدنا".