مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التي يخطط النظام السوري لإجرائها، في 26 مايو/ أيار المقبل، تسود العديد من التكهنات بشأن مواقف العديد من الأطراف. لكن الأنظار تتجه إلى شيخ العقل الأول للطائفة الدرزية في سورية حكمت الهجري، خصوصاً بعد التسريبات التي تتوالى منذ فترة عن مواقفه المعارضة للانتخابات، ولبقاء رئيس النظام بشار الأسد في السلطة، من دون أن تصدر أي مواقف رسمية تنفي صحتها أو تؤكدها.
وتروج أوساط مقربة من الهجري، والذي يتخذ من محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، جنوب البلاد، مقراً له، والذي لطالما عرف بمواقفه المؤيدة للأسد، بأنه في طريقه لأن يبتعد عن تأييد الأسد في الانتخابات المقبلة. وينقل مقربون عن الهجري، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الأخير ليس ضد شخص بشار الأسد، وكان داعماً دائماً له لسنوات طويلة، لكن الهجري يعتقد اليوم، أو بات مقتنعاً بأن البلاد باتت الآن بحاجة لوجه سياسي جديد ينتشلها من حالة التشرذم والحرب والانهيار.
أبلغ الهجري الروس بموقفه المتذمر من الأسد والنظام عموماً، وأن هذا الموقف ثابت ولن يتغير
وأكدت الأوساط المقربة من الهجري أن شيخ العقل لم يُعلق إلى الآن على موضوع الانتخابات الرئاسية التي تمهد لتثبيت الأسد في السلطة لأعوام طويلة مقبلة، غير أنها أشارت إلى أنه مع كل ما يحفظ سورية ووحدتها وكرامتها، وهو خيار استراتيجي بالنسبة إليه. وكانت وسائل إعلام سورية معارضة قد سلطت الضوء على هذا الموقف للهجري، الأسبوع الماضي. وانتظرت الأوساط الشعبية في السويداء خروج بيان نفي من قبل الهجري المعروف بموقفه المؤيد للأسد، لكن النفي خرج عبر أحد مستشاريه دون علم الهجري، بحسب المصادر، التي أشارت إلى أن الشيخ لم يفوض أحداً بالرد، بل طلب الالتزام بما يصدر عن صفحة الرئاسة الروحية فقط. وأكدت المصادر، التي تواصلت مع "العربي الجديد"، أن مكتب التلفزيون الرسمي للنظام حاول إجراء مقابلة مع الهجري للحصول على نفي للادعاءات حول موقفه الأخير من الأسد، غير أن الهجري رفض الظهور للإعلام في اللقاء، واكتفى بالقول للصحافي الذي تواصل معه بعبارة فضفاضة إن "الثوابت لا تتغير".
وعلمت "العربي الجديد" من مصادر أخرى مواكبة لما يجري، بأن الموقف المحرج الذي تعرض له الهجري بما يشبه الإهانة قبل شهرين، من قبل العميد لؤي العلي، رئيس فرع الأمن العسكري التابع للنظام والمقرب من إيران، دفع الشيخ للتفكير بعقد تحالفات جديدة تقوي من مركزه في حال أمعن النظام في الضغط عليه.
وفي حين تحدثت هذه المصادر عن أن الهجري تلقى عرضاً من النائب اللبناني السابق وليد جنبلاط بأن يكون تنسيق رئاسة الطائفة الدرزية في سورية بشكل مباشر مع الروس، على أن يتولى جنبلاط مد جسور التواصل من خلال علاقته الطيبة مع الروس، نفى العضو في مجلس القيادة في الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني خضر الغضبان، وهو متابع للملف السوري، في اتصال مع "العربي الجديد"، الموضوع جملةً وتفصيلاً، مؤكداً أنّ رئيس الحزب وليد جنبلاط لا يتدخل في شؤون الطائفة الداخلية في سورية، ومواقفه، في الخطوط العريضة، تتمثل في الحفاظ على مختلف مكونات الشعب السوري وطوائفه. وشدد الغضبان على أنّ كل ما يُشاع في هذا الإطار مرتبط بخلافات قديمة جرى حلّها وانتهت. وأكد مصدر قيادي آخر مقرّب من جنبلاط، لـ"العربي الجديد"، أن الأخير يركز اهتماماته اليوم بشكل أساسي على الوضع الداخلي في لبنان، نظراً للظروف القاسية والصعبة التي تمرّ بها البلاد، وتنصبّ مشاوراته ومباحثاته على الملف الحكومي.
وبحسب المصادر السورية، التي تحدثت مع "العربي الجديد"، فإن الروس عقدوا اجتماعاً، أخيراً، مع الهجري في دارته ببلدة قنوات، حيث أبلغهم بموقفه المتذمر من الأسد والنظام عموماً، وأن هذا الموقف ثابت ولن يتغير طالما أن المعطيات السياسية والاقتصادية تسير من سيئ إلى أسوأ، ولا أمل بأي إصلاح يُنقذ البلاد. وبحسب المصادر، فإن الهجري يكتفي، في الآونة الأخيرة، باستقبال زواره في دار قنوات كالعادة، ويُكرر لضيوفه بأنه رجل دين وليس سياسة، على الرغم من كل المحاولات التي تبذل لمعرفة رأيه الواضح في ما نسب إليه من أقوال عن عدم دعمه للأسد، ومسألة اتفاقه مع موسكو.
لم يلق طرح نواف الملحم ترشيح الأسد للانتخابات من قبل الوجوه الاجتماعية والعشائرية تجاوباً في السويداء
ويتقاسم رئاسة مشيخة العقل في السويداء كل من شيخ العقل الأول حكمت الهجري، الذي يتصدر الرئاسة الروحية للطائفة، وشيخ العقل الثاني يوسف جربوع، بالإضافة إلى شيخ العقل الثالث حمود الحناوي. يشار إلى أن هذه الرئاسة تعتبر منقسمة إلى تيارين، الأول يقوده الهجري بموقف مؤيد إلى حد ما للنظام والأسد، أما الثاني فيقوده جربوع والحناوي، اللذان يميلان لاتخاذ مواقف وسطية، قريبة للمعارضة إلى حد ما.
وفي بداية العام الحالي، بدأ النظام الترويج لحملة ترشيح بشار الأسد للانتخابات، بمحاولة الحصول على تأييد عشائري بدأ في حماة، وانطلق إلى السويداء بمبادرة من الشيخ العشائري نواف طراد الملحم، الذي التقى مع وجهاء وشيوخ من الطائفة الدرزية، من بينهم جربوع، بحضور ممثلين عن العائلات ووجوه اجتماعية مختلفة ورجال دين في دار الطائفة. وطرح الملحم حينها فكرة ترشيح الأسد للانتخابات من قبل الوجوه الاجتماعية والعشائرية نيابة عن عائلاتهم وعشائرهم كما حدث في حماة. إلا أن طرحه، بحسب مصادر من داخل الاجتماع نقلت تفاصيله لـ"العربي الجديد"، لم يلقَ تجاوباً من قبل وجوه السويداء ومشايخها، ولم يحصل خلال اجتماعه بهم على نتائج نهائية إيجابية.
وفي منتصف العام الماضي، شهد مركز محافظة السويداء احتجاجات شعبية على خلفية تردي الوضع المعيشي والاقتصادي لسكان المحافظة، كما حال باقي السكان في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام. وسرعان ما تحولت تلك الاحتجاجات إلى تظاهرات هتفت ضد بشار الأسد، وطالبت بإسقاطه مع نظامه، دون أن تلقى تلك التظاهرات والاحتجاجات رفضاً من مشايخ الطائفة الدرزية في المحافظة أو وجوهها، ما يشير إلى أن المزاج العام في المحافظة بات ميالاً لمعارضة أكبر للنظام ورئيسه بشار الأسد، بانتظار ما سيكون عليه الموقف الشعبي والديني والعشائري في المحافظة خلال الانتخابات المقبلة، وكيفية تعامل النظام معه.