ليبيا: مخاوف من تحول الصراع السياسي بين الدبيبة وباشاغا إلى مواجهة مسلحة

23 اغسطس 2022
قوات تابعة لحكومة الوحدة الوطنية تتجمع داخل مطار طرابلس الدولي (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -

يزداد المشهد السياسي والأمني في ليبيا احتداما على وقع صراع مكتوم بين الحكومة المكلفة من مجلس النواب، برئاسة فتحي باشاغا التي تطالب باستلام مهامها، من جهة، وحكومة الوحدة الوطنية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة التي ترفض تسليم السلطة إلا لجهة منتخبة، من جهة أخرى. 

ويتسابق الطرفان في تحشيد الفصائل المسلحة لصالحهما، في مشهد ينذر باحتمال وقوع مواجهة عسكرية، قد تكون العاصمة طرابلس ساحتها، وسط تدخل محاولات تركية لخفض حدة التوتر، وانزعاج أممي وأميركي. 

في السياق، كشفت مصادر ليبية مقربة من الحكومتين، لــ"العربي الجديد"، عن تلقي الطرفين اتصالات كثيفة من انقره خلال المدة الأخيرة لنزع فتيل التوتر بين الحكومتين، لا سيما مع حكومة باشاغا، التي أكدت ذات المصادر أنها رفعت جاهزية قواتها في معسكراتها بمدينة مصراته وأهابت بالقوات الموالية لها في أطراف طرابلس الغربية والجنوبية الغربية بقيادة اللواء أسامة الجويلي برفع جاهزيتها أيضا. 

ولم يتبين حتى الآن ما إذا هدفت تلك الجاهزية إلى  التهديد والضغط، بقصد دفع أطراف إقليمية ودولية للتدخل وإجبار الدبيبة على تسليم السلطة، أم أنه إعداد حقيقي لهجوم مباغت بقصد السيطرة على طرابلس، حيث يتمركز الدبيبة وحكومته، وللسيطرة على مؤسسات الدولة الحيوية، في مقدمتها المؤسسة النفطية، والبنك المركزي. 

في المقابل، كشفت المصادر المذكورة أن الدبيبة شكّل بدوره قوة عسكرية تحت مسمى "لواء ليبيا" تضم أنصاره من المجاميع المسلحة في طرابلس، وكلفها بتأمين المقار الحكومية، خصوصا مقر رئاسة الوزراء وسط طرابلس، تحسبا لأي هجوم مسلح. 

وأفادت المصادر أيضاً بأن وفداً تركياً على رأسه نائب جهاز المخابرات، جمال الدين تشاليك، زار مصراتة أمس الإثنين، والتقى عددا من قيادات المدينة وأعضاء المجلس البلدي، وطالبهم بالتدخل والتوسط لحل الصراع بين باشاغا والدبيبة باعتبارهما من نفس المدينة. 

وذكرت المصادر أن تشاليك، "نقل لقادة مصراته فحوى رسالة وصلت للدبيبة من الرئاسة التركية، تبلغه فيها رفضها استخدام القوة بغية التمترس في السلطة"، مشجعة إياه على الحوار مع باشاغا، والخروج بحل توافقي. 

وتوافقت معلومات المصادر حول تأكيد تشاليك خلال لقائه قادة مصراتة على موقف دولته من التدخل في الشأن الليبي، مؤكدا أنها "ستتعامل مع أي جسم سياسي سيختاره الليبيون كما تتعامل مع مجلسي النواب والدولة لصالح الدفع بأي حل سلمي يمكن البلاد من تجاوز أزمتها". 

وبالرغم من هذه الوساطة، إلا أن حدة التوتر بين الجانبين يبدو أنها في تزايد، فقد أصدر باشاغا، اليوم الثلاثاء، بيانا مفاجئا دونما دواع أو أسباب، قال فيه: "إلى رجال ليبيا الشرفاء، أنتم عماد الوطن ومستقبله، فلا تكونوا جنودا للظالمين، فحكومة الوحدة الوطنية انتهت صلاحيتها ومدتها، وليس لها أي شرعية". 

وفي بيانه، نبه باشاغا الجميع بلا استثناء إلى أنه "لا ظلم ولا قتال مع من اتبع الشرعية واختار الوطن دون سواه". 

وأضاف: "نمد أيدينا بالسلام، ونسعى لحقن الدماء. لا للقتنة، لا لقتال الأخوة، لا للظلم والعدوان. من يحمل السلاح على الحكومة الليبية سيلاحقه القانون، ويحاكم على هذه الجريمة. العفو والصفح والمصالحة لكل من انضم تحت لواء الشرعية ويعمل تحت سلطة الدولة التي تمثلها الحكومة". 

وهذا ليس التلويح الأول لباشاغا باستخدام القوة، فرغم تأكيده سابقا رغبته في دخول طرابلس سلما، فقد تعهد، أثناء لقائه بعدد من حكماء وأعيان المنطقة الغربية الجمعة الماضية، "بدخول طرابلس وإنهاء سيطرة الدبيبة"، مهددا : "من سيواجه قواتنا سيجد نفسه في موقف صعب، وسيموت ميتة المجرم، وسيخلف العار لأهله". 

وأضاف متوعداً: "نحن حكومة شرعية ولن نفرط فيها، أجّلنا دخول العاصمة للحفاظ على عدم إراقة الدماء، لكن في الأخير لا بد من عمل موازنة واتخاذ قرار"، مشبهاً وضع البلاد بــ"السفينة التي قد يضطر قائدها إلى إلقاء حمولتها الزائدة حفاظاً على سلامة الركاب". 

وعكست بيانات صادرة عن وزارة الخارجية الأميركية والبعثة الأممية استشعارهما لخطر التوتر القائم في البلاد، حيث أشارت البعثة الأممية لمتابعتها ببالغ القلق "ما يجري من تحشيد للقوات وتهديدات باللجوء إلى القوة لتسوية مزاعم الشرعية في ليبيا". 

وأكدت البعثة، في بيان لها اليوم الثلاثاء، أن "الانسداد السياسي الحالي وجميع أوجه الأزمة التي تحيق بليبيا لا يمكن حلها بالمواجهة المسلحة"، وأن حل هذه القضايا لا يأتي إلا من خلال "ممارسة الشعب الليبي لحقه في اختيار قادته وتجديد شرعية مؤسسات الدولة عبر انتخابات ديمقراطية". 

ودعت البعثة إلى "وقف التصعيد فوراً"، وجددت التأكيد أن "استخدام القوة من جانب أي طرف غير مقبول، ولن يؤدي إلى أي نتيجة من شأنها ضمان اعتراف المجتمع الدولي". 

وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد حثت قادة ‎ليبيا على إعادة الالتزام بتحديد أساس دستوري للانتخابات، ودون تأخير. 

وعلى لسان المتحدث باسمها نيد برايس، الذي أصدر بياناً أمس الإثنين، عبرت الخارجية عن "قلق الإدارة الأميركية العميق من التهديدات المتكررة باحتمال نشوب مواجهات في طرابلس"، داعية جميع الأطراف إلى "وقف التصعيد". 

دعا برايس من يخاطرون بالانجرار إلى العنف في ليبيا إلى إلقاء أسلحتهم، لافتا إلى أن "عدم الاستقرار في ليبيا يذكر بالحاجة الملحة إلى تعيين ممثل أممي خاص، لاستئناف جهود الوساطة". 

وفي سياق متصل، أصدرت عدد من بلديات طرابلس الكبرى بيانا شددت فيه رفض الزج بالعاصمة في صراع مسلح بين الحكومتين، فيما أطلق عدة نشطاء وسما محذرين فيه من انزلاق العاصمة لأتون حرب جديدة، ومطالبين الدبيبة بالرحيل وتسليم السلطة. 

المساهمون