ليبيا: سجال منح الثقة للحكومة الجديدة يهدد بعودة شبح الانقسام السياسي

01 مارس 2022
لا تفاهم نهائيا حول تشكيلة الحكومة الجديدة(محمود تركيا/فرانس برس)
+ الخط -

تعيش ليبيا أجواء من الترقّب لما سيصدر عن مجلس النواب وإمكانية منح الثقة للتشكيلة الحكومية التي قدمها الرئيس المكلف فتحي باشاغا، في ظل إصرار رئيس الحكومة الحالي عبد الحميد الدبيبة على عدم التسليم إلا لسلطة منتخبة.

وأرجأ مجلس النواب جلسته، التي كانت مقررة أمس الإثنين، إلى وقت لاحق، وذلك بسبب عدم توافر النصاب المطلوب قانوناً لتمرير حكومة فتحي باشاغا.

عودة شبح الانقسام السياسي

وفي هذا السياق، قال عضو مجلس النواب، محمد الرعيض، لـ"العربي الجديد"، إن "نصاب عقد جلسة المجلس لا يقل عن 89 نائِباً، وهو ما لم يتحقق في جلسة الأمس التي شارك فيها نحو 40 عضواً فيما قرابة 30 آخرين بمحيط مقر المجلس ولم يدخلوا بسبب خلافات حول التشكيلة الحكومية". 

وتوقع الرعيض، الذي رفض حضور الجلسة، عدم وصول النواب لاتفاق حول الحكومة التي تحتاج أيضاً وفق قوله لـ89 صوتاً لكي تنال الثقة، مرجِحاً مغادرة بعض النواب طبرق على إثر الخلافات التي وقعت أمس.

فيما عبر الرعيض عن امتعاضه من وجود نواب وأشقاء نواب ضمن التشكيلة الحكومية، معتبراً ذلك دليلا على وجود مساومات من النواب ضد رئيس الحكومة وصفها بـ"الرخيصة".

وأبدى في ذات الوقت أمله في أن يقوم باشاغا بمراجعة موقفه الذي قد يؤدي "في حال فرض الحكومة" إلى عودة شبح الانقسام السياسي في البلاد، واصفاً ما يحدث في أروقة مجلس النواب بـ"المهزلة". 

وأرجع أعضاء في المجلس تأجيل الجلسة إلى ما وصفوه بعدم التفاهم النهائي حول تشكيلة الحكومة الجديدة، التي سعى باشاغا خلال اجتماع مع ممثلي الجنوب إلى إزالة اعتراضهم على تسمية بعض الوزراء، خصوصاً نائبه ووزير الدفاع.

وكان باشاغا قد وصل، مساء أول من أمس، إلى مقر مجلس النواب؛ استعداداً لعرض تشكيلته الحكومية، المكونة من 30 وزارة، و8 وزراء دولة، بالإضافة لنائبين لرئيس مجلس الوزراء، وموزعة على الأقاليم الثلاثة.

ورصدت وسائل إعلام محلية، تمترس عدة آليات عسكرية أمام مقر مجلس النواب لحمايته، تحسباً لاحتمال حدوث مظاهرات احتجاجاً على تنصيب الحكومة الجديدة.

مشاورات حول المناصب 

وفي الجانب الآخر، يرى عضو مجلس النواب، علي التكبالي، أن منح الثقة في جلسة جديدة يعتمد على عدد النواب الذين سيحضرون، مؤكداً وجود أكثر من 90 نائباً في طبرق، ونافياً علمه بمن سيحضر منهم الجلسة المقبلة. 

ولا يزال النصاب القانوني لعقد جلسة لمنح الثقة للحكومة الجديدة محل تضارب، فعلى الرغم من أن نصوص الإعلان الدستوري تؤكد ضرورة توفر نصاب 120 صوتاً لنيل أي حكومة ثقة النواب، أي بواقع ثلثي عدد نواب المجلس اعتماداً على عددهم الكلي وهو 200 نائب، تنص اللائحة الداخلية للمجلس على أن النصاب هو نصف عدد النواب +1، لكن رئاسة مجلس النواب لم توضح العدد الكلي للنواب بعد استقالات عدد منهم ووفاة آخرين.

وفيما لا يخفي التكبالي أمله في وصول الحكومة للنصاب المطلوب، يقدر النصاب القانوني بـ86 نائباً فقط، بخلاف تقديرات الرعيض. 

وتحدث التكبالي عن مناقشات حدثت في جلسة الأمس ورفض لبعض مرشحي الحقائب الوزارية، وقال في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "ما حدث ليس خلافات كما سمّاها البعض، بل مشاورات حول المناصب".

ولفت إلى أن "مناقشات مطولة دارت بين نواب الجنوب حول ممثلي الإقليم في الحكومة وأيضاً بخصوص نائب رئيس مجلس الوزراء عن الإقليم، وخرجوا أخيراً بنتيجة، كما أن نوابا من الزنتان رفضوا مرشَحي حقائب الداخلية والدفاع".

وقال في هذا الصدد: "سننتظر التعديل الذي سيجريه باشاغا غداً، بالإضافة لنصاب الحضور والتصويت". 

وكان المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة المكلف فتحي باشاغا، قد أفاد، في بيان أمس الإثنين، بأن الأخير بصدد إجراء بعض التعديلات على التشكيلة الوزارية من أجل عرضها على مجلس النواب، اليوم الثلاثاء.

وجاء بيان مكتب باشاغا عقب فَشَل مجلس النواب خلال جلسته، أمس الاثنين، في التوصل لاتفاق حول التشكيلة الحكومية التي قدمت الخميس الماضي، وهو ما أشار اليه أيضاً المتحدث باسم مجلس النواب، عبدالله بليحق.

وأشار بليحق، في بيان، إلى "عدم استكمال المشاورات حول التشكيلة الوزارية"، دون إضافة أي تفاصيل حول عدد الحضور أو شكل خلافات النواب أثناء الجلسة التي لم تُنقل على الهواء، على غير عادة مجلس النواب في جلساته بالأسابيع الأخيرة. 

مساومات النواب لباشاغا

وبخصوص حجم الحكومة، وما شاب جلسة الأمس مما وصفه مراقبون بـ"مساومات النواب لباشاغا من أجل منحها الثقة"، علّق التكبالي بالقول: "ليس بالإمكان أكثر مما كان، وما دام الجميع يريد التدخل في التشكيلة الحكومية؛ فيجب تحمل هذا العدد، باشاغا أصبح مجرد صورة بين المتداخلين في الحكومة، وهو يريد الحصول على الثقة، وهذا ما سيحدث في ظل وجود المحاصصة". 

وبحسب التشكيلة الوزارية، سمى باشاغا حقيبة الخارجية للمرشح الرئاسي وسفير ليبيا السابق لدى الاتحاد الأوروبي، عبد الحافظ قدور، وحقيبة الدفاع للنائب الثاني لرئيس مجلس النواب، احميد حومة، فيما آلت حقيبة الداخلية للعميد عصام أبوزريبة، شقيق أحد قادة التشكيلات المسلحة في مدينة الزاوية، غرب طرابلس، ومنحت وزارة المالية التي دُمِجت مع التخطيط لوزير المالية السابق بحكومة الوفاق الوطني السابقة، أسامة حمّاد.

وفي غضون التشكيلة فقد كلف باشاغا رجل الأعمال المقرب من اللواء المتقاعد خليفة حفتر ونائب رئيس المجلس الرئاسي السابق، علي القطراني، بمهام نائب رئيس مجلس الوزراء عن الشرق، كما كلف شقيق آمر كتيبة 128 مشاة التابعة لحفتر، سالم الزادمة، بمهام النائب عن الجنوب. 

الدبيبة يرفض تسليم مهامه

ولم يصدر أي تعليق جديد حتى الآن من جانب حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، ففي آخر تصريحاته أكد رئيسها عبد الحميد الدبيبة، الأحد الماضي، رفضه تسليم مهامه إلا لحكومة منتخبة.

فيما أعلن تمسكه بالمبادرة التي أطلقها سابقاً، والتي تقضي بتشكيل لجنة لصياغة قوانين انتخابات برلمانية أو اعتماد قوانين سابقة بالخصوص، وذلك في مسعى لخوض الانتخابات النيابية شهر يونيو/حزيران (موعد نهاية صلاحية السلطة التنفيذية بحسب خريطة طريق ملتقى الحوار السياسي)، وكذلك إجراء استفتاء على مشروع الدستور بالتزامن، مع تأجيل الانتخابات الرئاسية، وإحالة أمرها لمجلس النواب القادم. 

وتتوافق مبادرة الدبيبة في بعض نقاطها مع ما طرحه رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، بعد جلسة مجلس الدولة، الخميس الماضي، والتي أعلن فيها عن رفض قرارات مجلس النواب بشأن تكليف حكومة جديدة والتعديل على الإعلان الدستوري.

وتقضي مبادرة المشري بضرورة التوافق مع النواب على قاعدة دستورية للانتخابات قبل البت في أمر السلطة التنفيذية، وذلك عبر تشكيل لجنة من مجلسي الدولة والنواب، بأجل لا يتعدى 31 مارس/آذار، تكون مهمتها وضع قاعدة دستورية للانتخابات قبل 30 إبريل/نيسان.

وقبيل انعقاد جلسة مجلس النواب، أمس الاثنين، أدلى المشري بتصريحات جديدة اعتبر فيها مشروع الحكومة المقترحة بمثابة "إدخال للمعتدين على العاصمة من النافذة بعد فشلهم في دخولها بالقوة"، في إشارة لقوات اللواء خليفة حفتر. 

وأرسل المشري على حسابه الرسمي بموقع فيسبوك رسالة الى باشاغا، قال فيها: "أتمنى على أخي وصديقي فتحي باشاغا، الذي كان له الدور الأبرز في الدفاع عن العاصمة طرابلس الانتباه لهذا الأمر جيداً".

ليختم بالقول: "رؤيتنا هي اعتماد قاعدة دستورية وقوانين انتخابية توافقية، والذهاب إلى الانتخابات في مدة زمنية محددة وسريعة". 

ويعيد هذا المشهد للأذهان الانقسام السياسي الذي عاشته البلاد منذ منتصف عام 2014 حتى مطلع 2021، خصوصاً أن هذه الأوضاع تأتي بعد تعثر الانتخابات الرئاسية والنيابية التي كان من المقرر البدء فيها نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي.

المساهمون