يشهد ملف المصالحة الوطنية في ليبيا تحضيرا لقمة أفريقية تمهد لمؤتمر ليبي جامع كأحد مسارات الحل للأزمة الليبية، وسط خلافات برزت بشكل مبكر بين ممثلي الأطياف الليبية، ما ينذر بحالة استقطاب أوسع وأكثر تعقيدا في المشهد الليبي.
ويحضر الرئيس الكونغولي دينيس ساسو نغيسو، بصفته رئيس اللجنة رفيعة المستوى المنبثقة عن الاتحاد الأفريقي بشأن ليبيا، لعقد قمة أفريقية حول الملف الليبي في الخامس من فبراير/شباط المقبل، تمهيدا لمؤتمر ليبي جامع للمصالحة الوطنية، من المقرر أن ينعقد في مدينة سرت الليبية في إبريل/نيسان المقبل، برعاية مشتركة بين اللجنة رفيعة المستوى المنبثقة عن الاتحاد الأفريقي بشأن ليبيا والمجلس الرئاسي الليبي.
ومن المنتظر أن يشارك في القمة، التي ستستضيفها العاصمة الكنغولية برازافيل، عدد من ممثلي الأطياف الليبية ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، بالإضافة إلى الدول الأعضاء في اللجنة الأفريقية المعنية بليبيا، وهي تونس والجزائر ومصر والنيجر والسودان وموريتانيا وجنوب أفريقيا والكونغو وإثيوبيا وأوغندا.
وفي إطار التحضير للقمة الأفريقية، التقى وزير الخارجية والفرنكوفونية الكونغولي جان كلود جاكوسو، الاثنين الماضي، في طرابلس، رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ونائب رئيس المجلس عبد الله اللافي، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، لمناقشة الخطوات المُنجزة استعدادًا لانعقاد المؤتمر الجامع للمصالحة في مدينة سرت، وكذلك مناقشة الاستعدادات المتعلقة بالقمة الأفريقية حول ليبيا مطلع الشهر المقبل.
ومنذ أزيد من عامين، ينسق الرئيس الكونغولي نغيسو مع المجلس الرئاسي الليبي بشأن ضرورة تفعيل مسار المصالحة الوطنية، حيث يطمح الاتحاد الأفريقي لأن تؤسس المصالحة الوطنية لأرضية يمكن البناء عليها لعملية سياسية شاملة، من خلال تمثيل ليبي واسع يضم كافة الأطياف الاجتماعية والسياسية الفاعلة، ففي يوليو/تموز الماضي، استضافت العاصمة الكونغولية اجتماعا للجنة التحضيرية للمؤتمر الجامع للمصالحة في ليبيا، بمشاركة ليبية وإقليمية، قبل أن تنتقل أعمال اللجنة التحضيرية إلى الداخل الليبي لعقد عدة اجتماعات بإشراف ورعاية المجلس الرئاسي، وكان آخر اجتماع في مدينة سبها جنوبي البلاد منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، حُدد خلاله يوم 24 إبريل/نيسان المقبل موعدا لانعقاد المؤتمر الجامع للمصالحة الوطنية بمدينة سرت، واجتماع آخر بمشاركة وزير الخارجية الكونغولي جان كلود جاكوسو والمبعوث الأممي لدى ليبيا عبد الله باتيلي، في مدينة زوارة غربي البلاد، الاثنين الماضي.
وعلى الرغم من عدم وضوح التمثيل الليبي للأطياف الاجتماعية والسياسية المشاركة في اجتماع التحضير للمؤتمر الجامع، إلا أن مواقف ظهرت في الأثناء كشفت عن بعض الأطراف المستهدفة بالمشاركة في المؤتمر الجامع المقبل، فقد أعلن ممثل سيف الإسلام القذافي في الاجتماعات التحضيرية، الخميس الماضي، الانسحاب النهائي من الأعمال التحضيرية الجارية للمؤتمر الجامع "حتى تستقيم الأمور"، منتقدا ما وصفه بسيطرة المجلس الرئاسي على ملف المصالحة الوطنية، ومتهما أطرافا ليبية بالسعي لتضييق حجم مشاركة أنصار نظام العقيد معمر القذافي السابق في المؤتمر.
وخلال كلمته في لقائه الدوري بمخاتير محلات ليبيا الأربعاء الماضي، عبر رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة عن رفضه مشاركة الاتحاد الأفريقي في ملف المصالحة الوطنية، وقال موجها خطابه لمخاتير المحلات: "لا يمكن أن نذهب إلى دول أخرى، أو أن يأتي إلينا وزراء من دول أخرى، للإشراف على المصالحة بيننا، فالمصالحة يجب أن تكون من خلال المخاتير لتنجح، وكل مؤتمرات المصالحة السابقة التي انعقدت في الخارج دخان في الهواء".
وفي رفض ضمني من جانبه، أدرج مجلس النواب الليبي في جلسته المنعقدة في الثامن من الشهر الجاري بند قانون المصالحة الوطنية المؤجل المحال إليه منذ سنوات، وقرر إحالته إلى لجنة العدل والمصالحة بالمجلس من أجل دراسته وإبداء الرأي فيه.
وفيما لم يصدر عن المجلس الأعلى للدولة أي موقف حيال مشاركته في القمة الأفريقية المرتقبة مطلع الشهر المقبل، كذلك لم يصدر أي موقف من جانب قائد مليشيات شرق البلاد اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي سبق أن التقى الرئيس الكونغولي في برازفيل، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تلبية لدعوة الأخير، وناقشا استحقاق المصالحة الوطنية في ليبيا.
ويقدر أبو بكر النعيري، عضو المجلس الأعلى للمصالحة والعضو المشارك في جلسات التحضير للمؤتمر الجامع في سرت، أن بروز الخلافات بشكل مبكر على انعقاد قمة برازفيل والمؤتمر الجامع في سرت هو "بوادر فشل واضح، فأساس المصالحة تهيؤ الوضع لاقتلاع جذور الصراع من خلال طرح واضح لمعالجتها، وهو ما لم يقدمه المجلس الرئاسي المشرف على ملف المصالحة الوطنية".
وعلى خلفية مشاركته في بعض الاجتماعات التحضيرية لمؤتمر سرت الجامع، كشف النعيري في حديثه لـ"العربي الجديد" عن "اشتراط تيار أنصار النظام السابق وضع بند يتعلق برموز النظام السابق القابعين في السجون وضرورة إطلاق سراحهم ضمن بنود جلسات اللجان التحضيرية، وقال: "المجلس الرئاسي لا يملك نفوذ التأثير لإطلاق سراح قيادات النظام السابق، ولا حتى ضمان محاكمة عادلة لهم في طرابلس، خاصة مع استمرار خرق الانتهاكات الكبيرة لنسيج المجتمع، وقبل أيام، دار قتال عنيف في بنغازي، فتح ثغرة جديدة في استحقاق المصالحة بمقتل وزير الدفاع السابق المهدي البرغثي، فماذا عن قدرة المجلس الرئاسي لتسوية هذه القضية وقضايا سابقة".
ويلفت النعيري إلى أن "الانشقاقات ظهرت حتى داخل الأطراف نفسها قائلا: "في أوساط أنصار النظام السابق، هناك من لا يرتضي سيف الإسلام ممثلا له، وفي جانب الحكومة في طرابلس هناك انشقاقات كبيرة جدا في قاعدتها في مصراتة على خلفية الرفض المجتمعي والسياسي داخل المدينة لاستمرار الدبيبة في الحكم، بل الحكومة برمتها، والمجلس الرئاسي منقسم على نفسه بسبب اختلاف رؤى أعضائه المنتمين لمناطق مختلفة، فعضو المجلس موسى الكوني، المنتمي للجنوب الليبي، تتعارض رؤيته مع رؤية عضو المجلس عبد الله اللافي الذي يترأس حاليا ملف المصالحة، وهو ينتمي لطيف سياسي ومجتمعي في مدينة الزاوية (غرب طرابلس )، والمنفي (رئيس المجلس الرئاسي) يسعى لاستثمار المصالحة لمكاسب سياسية تخصه وتضعه في مستوى المشاركة والتنسيق الدولي، سواء مع الأمم المتحدة او الاتحاد الأفريقي أو غيره".
ويحذر النعيري من أن تخلق هذه الخلافات "حالة استقطاب جديدة وحادة، فكل مجموعة داخل كل طرف ستبحث عن موقع لها لتحقيق مصالحها، خاصة تلك المجموعات التي لم تتمكن من الحصول على موقع في هياكل السلطة الحالية المتصارعة، وستعتبر المؤتمر فرصة مؤاتية لها"، مشيرا إلى أن الاجتماعات التحضيرية للمؤتمر الجامع لم تتمكن حتى الآن من توضيح آلية شكل المشاركة والأطراف المستهدفة تحديدا والبنود المحددة للنقاش.
من جانبه، يتحدث الأكاديمي واستاذ العلوم السياسية صالح الهريش عن تأثير حالة الصراع السياسي وغياب الثقة بين كل الأطراف على جهود المصالحة، ويقول في حديث لـ"العربي الجديد": "هناك أسباب أخرى تتعلق بغياب الغطاء الدولي لحماية نتائج المؤتمر الجامع إذا انعقد، فالاتحاد الأفريقي لا يمتلك فاعلية وقوة سياسية في أوساط المجتمع الدولي، ولنتساءل مثلا عن موقع الأطراف الإقليمية والدولية المتدخلة في ليبيا من القمة الأفريقية المرتقبة، فالاتحاد الأفريقي على الأقل لم يستطع التأثير في ملف المرتزقة الأفارقة الذين يعودون لدول أفريقية هي في الأساس تمثل أكثر أعضاء اللجنة الأفريقية المعنية بليبيا وستشارك في القمة نفسها".