لويزة حنون.. آخر زعامات اليسار الجزائري

01 ابريل 2022
تمتعت حنون بحضور بارز في المشهدين السياسيين الدولي والمحلي (العربي الجديد)
+ الخط -

قبل أسبوع حصلت لويزة حنون، زعيمة حزب "العمال" الجزائري على عهدة أخرى في قيادة الحزب، لتصبح بذلك أكثر رؤساء الأحزاب الجزائرية تمركزاً في القيادة منذ أكثر من 32 عاماً من إنشاء الحزب اليساري رسمياً، والذي نشط قبل إقرار التعددية السياسية في الجزائر عام 1989، تحت اسم تنظيم سياسي عمالي يضم النخب اليسارية التروتسكية.

تمثل حنون إحدى الوجوه البارزة والثابتة في المشهد السياسي في الجزائر منذ بداية التسعينيات، وبوصفها مناضلة عمالية وناشطة سياسية راكمت تجربة في العمل السياسي والحزبي، وإسهامات في محطات حساسة في مرحلة ما بعد الأحادية الحزبية في الجزائر، وورصيداً من المواقف التي تبدو في بعض المناسبات متناقضة من حيث التحالفات والخيارات المرجعية للحزب، لكنها لا تنفصل عن قناعات ذات صلة بالمطلب الديمقراطي والحقوق العمالية.

إضراب أول عن الطعام

ولدت حنون عام 1954 في منطقة الشقفة بولاية جيجل شرقي الجزائر، لعائلة من الفلاحين مع اندلاع ثورة التحرير، في ظروف من المأساة والزخم الثوري في المجتمع الجزائري، ومثّلت تلك الفترة خصوصاً السبع سنوات الأولى من حياة حنون مرحلة مهمة في تشكل مخيالها السياسي وهي لا تزال طفلة.

فرّت عائلتها من تلك المنطقة الفقيرة بعد قصف القوات الفرنسية عام 1959، واستقرّت في مدينة عنابة، كبرى حواضر الشرق، وتمكّنت حنون من مواصلة دراستها حتى حصولها على شهادة ليسانس في الحقوق، ولم يكن إنجاز ذلك في تلك الظروف بالنسبة لعائلة من المجتمع الريفي سهلاً، إذ تتذكر حنون أنها خاضت أول كفاح لها داخل عائلتها من أجل الذهاب إلى الجامعة، ولإقناع والدها كان عليها اللجوء إلى أول إضراب لها عن الطعام.

كانت المرحلة الجامعية محطة هامة في تشكل مسارها النضالي، فانخرطت مبكراً في الدفاع عن حق إنشاء نقابة طلابية مستقلة، وعملت معلمة وشاركت في إنشاء جمعية للنساء العاملات، وتم تسريحها بعد عملها في المطار بسبب نشاطها السياسي في الدفاع عن  الاستقلالية النقابية، في ظروف كانت حساسية السلطة فيها عالية تجاه الأنشطة السياسية المعارضة. دافعت حنون عن موقفها إلى أن تمت إعادتها إلى العمل ونقلها إلى العاصمة الجزائرية عام 1980، لتعمل في الخطوط الجوية الجزائرية حتى عام 1994 ثم في شركة تسيير مطارات الجزائر.

يسار سرّي

أثر الفكر اليساري في توجهات حنون مبكراً، فانضمت سرّاً إلى "المنظمة الاشتراكية للعمال" التي كانت الشرطة السياسية ترصد أنشطتها، وأوقفت للمرة الأولى يوم المولد النبوي عام 1983 من منزل أبويها في مدينة عنابة، ونقلت إلى العاصمة الجزائرية، حيث سجنت برفقة مناضلين آخرين من المنظمة دون محاكمة لمدة ستة أشهر، ووجهت لهم تهمة "تكوين جمعية أشرار والمساس بأمن الدولة وبتوزيع منشورات تحريضية".

واتهمت الشرطة "المنظمة الاشتراكية للعمال" بتوزيع غير مشروع لمنشورات منادية للتعددية الحزبية، قبل أن يتم إطلاق سراح لويزة حنون ورفاقها دون محاكمة في إطار عفو سياسي بعد حملة دولية طالبت بإطلاق سراح جميع المسجونين السياسيين في الجزائر.

في مارس/آذار سنة 1985، شاركت حنون في إنشاء أول رابطة لحقوق الإنسان، وكانت واحدة من 39 امرأة أسسن جمعية "المساواة أمام القانون بين النساء والرجال"، التي وضعت قضية حقوق المرأة ضمن أولوياتها النضالية، وبعد الاعتراف القانوني بهذه الجمعية تقلدت حنون منصب رئيستها عام 1989.

شاركت عام 1987 في إنشاء جمعية "من أجل عدم تسديد المديونية الخارجية"، وبعد اندلاع انتفاضة الخامس من أكتوبر/تشرين الأول 1988( التي أنهت نظام الحزب الواحد) اختطفت حنون من قبل مصالح الأمن العسكري، واقتيدت إلى ثكنة غير معروفة مغطاة الرأس ومقيدة طوال مسافة الطريق، بتهمة المساهمة في تلك الانتفاضة الشعبية التي أنهت نظام الحزب الواحد وسمحت بإقرار التعددية السياسية بعد دستور فبراير/شباط 1989.

موقف
التحديثات الحية

مع بداية التعددية الحزبية، تحولت "المنظمة الاشتراكية للعمال" إلى "حزب العمال" في المؤتمر التأسيسي الذي عقد عام 1990 بقيادة مصطفى بن محمد، وعينت حنون ناطقة باسم الحزب، لتخوض مرحلة مشحونة بسبب التوترات السياسية والصراع الحاد بين السلطة و"الجبهة الإسلامية للإنقاذ" (حظرت في مارس/آذار 1992)، ما أدى إلى الغاء المسار الانتخابي في يناير/كانون الثاني 1992، وهو القرار الذي رفضه حزب "العمال"، خاصة وأنه أدخل البلاد في أتون أزمة دامية، دفعت حنون إلى المطالبة بحل سياسي للأزمة، ورفضت القرارات القمعية التي اتخذتها السلطة ضد الإسلاميين، وقادتها هذه المواقف إلى الالتقاء مع الإسلاميين والقوى التقدمية، والمشاركة على التوالي، في نوفمبر/تشرين الثاني 1994 ثم في يناير/كانون الثاني 1995، في مؤتمر المعارضة الجزائرية أو ما يعرف بلقاءات سانت إيجيديو في روما، والتي شاركت فيها رموز وطنية أمثال الرئيس الراحل أحمد بن بلة، وحسين آيت أحمد، وعلي يحيى عبد النور (أبو الحركة الحقوقية في الجزائر)، وقيادات من "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، لبحث مخرج سياسي سلمي للأزمة الجزائرية، توّج بما يعرف بـ"عقد روما" الذي هاجمته السلطة بشدة في ذلك الوقت.

تبنت لويزة حنون ملف المفقودين والمختفين قسرياً، وظلت تطالب بكشف مصيرهم، وكذا ملف المعتقلين الإداريين والإسلاميين في الصحراء.

معارك انتخابية

في التسعينيات، انتخبت حنون عام 1997 للمرة الأولى نائباً في البرلمان، في خضم أزمة أمنية عنيفة كانت تشهدها البلاد، واستمرت مع أحزاب معارضة في مطالبة السلطة باتخاذ مبادرات من أجل حقن الدماء وعودة السلم، كما كانت من أبرز الشخصيات السياسية التي حذرت من السياسات الاقتصادية التي فرضها صندوق النقد الدولي على الجزائر حينها، والتي قادت إلى تصفية مكثفة للمؤسسات العمومية ذات عواقب وخيمة، خلّفت أكثر من مليون شخص عاطل عن العمل.

كانت حنون أول امرأة تترشح لمنصب رئاسة الجمهورية في انتخابات 1999، لكن المجلس الدستوري ألغى ملف ترشحها، فأعادت الترشح في انتخابات عام 2004، وحلت الثالثة بعد كل من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وعلي بن فليس، مباشرة بعد انتخابها من قبل المؤتمر الخامس للحزب في أكتوبر/تشرين الأول 2003  كأمينة عامة، كما ترشحت حنون في الانتخابات الرئاسية التي جرت لاحقاً عامي 2009 و2014، وكانت حنون السياسية الوحيدة التي استقبلها قائد الجيش الراحل الفريق أحمد قايد صالح في عام 2014، لتقديم ضمانات بحياد الجيش إزاء الانتخابات الرئاسية التي جرت في ظرف متوتر بسبب مرض الرئيس بوتفليقة.

توقيف واعتقال

لكن أكثر الفترات العصيبة في المسيرة السياسية لحنون، كان اعتقالها في 9 مايو/أيار 2019، من قبل أجهزة الاستخبارات بأمر من قائد الجيش الراحل قايد صالح، حيث أحيلت إلى القضاء العسكري في قضية "الاجتماع الشهير" في مارس/آذار 2019، برفقة قائدي جهاز المخابرات السابقين، الجنرال توفيق والجنرال بشير طرطاق، وشقيق الرئيس السابق السعيد بوتفليقة، بتهمة التآمر على الدولة، وتم الحكم عليهم بالسجن، وهي القضية التي رسّمت بالنسبة للكثيرين علاقة مشوشة بين حنون ومستويات في السلطة، خاصة وأن السنوات التي سبقت الحراك الشعبي أظهرت قرباً لافتاً بين حنون ومحيط الرئيس بوتفليقة.

تقول حنون عن فترة اعتقالها: "لقد رسم توقيفي وإدانتي يوم التاسع من مايو 2019 من قبل المحكمة العسكرية منعرجاً في تجريم وشيطنة العمل السياسي وتعريضه للمحاكم بواسطة التهم الملفّقة وفبركة ملفات وأدلة مزيفة والتهجم الإعلامي وإعلان عودة العنف البوليسي". وأضافت: "خرجت من هذه المعركة منتصرة، لقد تم إطلاق سراحي يوم 10 فبراير 2020، والجزائر الحقيقية من العمال والطلبة والفئات المتوسطة لم تتأثر بوابل الكذب الذي بثته وسائل الإعلام المكلفة بمهمة تبرير اعتقالي وتشويه مسيرتي النضالية".

وإضافة إلى حضورها البارز في المشهد السياسي الجزائري، فإنّ لها حضوراً دولياً ومساهمة في الفعاليات ضد الحروب وفي نضالات الحركات العمالية، وهي عضو في "اللجنة الدولية ضد القمع"، وفي "لجنة النساء العاملات" و"لجنة أفريقيا للوفاق الدولي للعمال والشعوب"، وكانت ناشطة في هيئات دولية ضد الحصار والحرب على العراق منذ عام 1991، وحاضرة أيضاً في فعاليات دعم الشعب الفلسطيني.