لولا العائد بوجهٍ جديد: براغماتية ضرورية لهزيمة "الديكتاتور"

01 أكتوبر 2022
يتصدر لولا استطلاعات الرأي حول نوايا التصويت للانتخابات (ألكسندر شنايدر/Getty)
+ الخط -

كان من الممكن أن تنتهي المسيرة السياسية للرئيس البرازيلي الأسبق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا (76 عاماً)، في عام 2018، حين حُكم عليه وأدخل السجن على خلفية إدانته بالفساد. 

وكان من الممكن ألا يسعى لولا للعودة إلى قصر بلانالتو في برازيليا (مقرّ الرئاسة)، قبل ذلك، حين كشف النظام الاقتصادي الذي أرساه خلال ولايتيه الرئاسيتين بين عامي 2003 و2010، عن "هشاشته"، كما يقول متحفظون على برنامج لولا الاقتصادي، أو حين خرجت تظاهرات عارمة في 2013 ضد الرئيسة العمّالية التي خلفته، وأصعدها إلى السلّم، ديلما روسيف، أو حين عُزلت في 2016.

لكن لعبة السياسة البرازيلية وخيوط التحالفات لا تفسّر وحدها بقاء الزعيم العمّالي البرازيلي وجهاً طاغياً في السياسة البرازيلية، قادراً "على نفض نفسه من تحت الرماد"، كما يقول أستاذ التاريخ جون دي فرينش، في ندوته "لولا وسياسة المكر، من عامل معادن إلى رئيس"، والمنشورة على موقع جامعة كامبردج، في فبراير/ شباط 2022. 


أعلن مرشحون رئاسيون سابقون في البرازيل دعمهم لولا

فخلف ذلك، تقع تقاطعات شخصية، وأخرى سياسية، تفسّر إصرار لولا على البقاء في المشهد، رغم كثرة المتغيرات. ويقول دي فرينش "هذه المرّة، فإن العالم وأميركا اللاتينية، والبرازيل، بانتظار عودة لولا، ولكن مع بعض التغيير". 

لولا يتصدّر استطلاعات الرأي

ومع تصدر الرئيس البرازيلي الأسبق استطلاعات الرأي حول نوايا التصويت للانتخابات الرئاسية غداً الأحد، بدورتها الأولى، وإمكانية أن يفوز من الدورة الأولى على منافسه الرئيس الحالي جايير بولسونارو، يعود لولا إلى صدارة المشهد البرازيلي.

هذا المشهد تبدّل كثيراً، منذ أن ترك الحكم في 2010، بعدما أرسى، حين خلف في انتخابات 2002 فرناندو هنريكي كاردوسو، سياسات اقتصادية جذرية أحدثت تعديلاً كبيراً في شكل وبنية المجتمع البرازيلي.

ولن يعود لولا، إذا ما كسب الانتخابات، إلى جمهوره ببرنامج الرفاه الاجتماعي والتحويلات النقدية إلى الفقراء، "بولسا فاميليا"، على الرغم من سقوط البرازيليين في فخّ التضخم وارتفاع تكلفة المعيشة والفقر. وهو لم يكشف بعد عن برنامجه الاقتصادي، الذي يرشّح الإعلام لقيادته أسماء كثيرة تحالف معها المرشح لولا، وأحدثت مفاجأة لدى الرأي العام.

ويعود لولا إلى المشهد السياسي البرازيلي، من دون أن يغيب عنه كثيراً، وذلك منذ عقود، ومنذ أن صعد السلّم السياسي، ليصبح وجهاً طاغياً، وأيقونة بالنسبة للكثير من البرازيليين. ويقول خبراء في الشأن السياسي البرازيلي إنه أكثر السياسيين البرازيليين شعبية على الإطلاق.

لولا في حالة "تطور دائم"

ويقول لولا، كما ينقل عنه جون دي فرينش، إنه في حالة "تطور دائم"، منذ أن مُنِي بانتكاسات شخصية، خصوصاً مع وفاة زوجته الأولى وابنه، واجتماعية، هو الذي ولد في الفقر، ومن عائلة أميّة، في منطقة ريفية في ولاية برنامبوكو، شمال شرقي البلاد. 

وانتقل بعدها إلى ساو باولو في سنّ مبكرة، حيث أمضى سنوات مراهقته الأولى عاملاً في شركة لصناعة السيارات، وأكد لاحقاً أنه عمل ماسحاً للأحذية في صغره. وقاده ذلك إلى الانغماس في العمل النقابي العمّالي، والمشاركة القيادية في سلسلة إضرابات بين 1978 إلى بداية الثمانينيات. ساهم في تأسيس حزب العمّال، مع سنوات أفول الديكتاتورية، وفاز بالرئاسة في 2002، بعدما خسر سعيه إليها في أعوام 1989 و1994.

الصورة
مناصرون للولا في برازيليا، سبتمبر الماضي (Getty)
مناصرون للولا في برازيليا، سبتمبر الماضي (Getty)

وتبدو المفارقة لافتة، في أن الكثير من المرشحين الرئاسيين، الذين تنافسوا حين كان زعيم "العمّال" البرازيلي على اللائحة أيضاً، وآخرهم في 2018، حين حرم لولا نفسه من الترشح، وخسر مرشح العمّال فرناندو حدّاد أمام بولسونارو، يعلنون اليوم تأييدهم لترشحه، وعزمهم التصويت له. 

في مقابل ذلك يمنّي سياسيون من اليمين النفس بمناصب وزارية في حكومته المرتقبة إذا ما تمكن من الفوز، في دلالة على حجم "البراغماتية" التي يقول المتابعون إن لولا يتحلى بها، رغم طبعه "العنيد"، الذي يجعله لا ييأس من السعي للرئاسة مجدداً.

ولا يواجه لولا هذه المرة الصعاب ذاتها التي واجهها في 2002، حين سعى إلى بلورة صورة لرجل دولة، لا يمتلك فعلياً الخبرة الكافية لتبوّء الرئاسة، وحين كانت آراؤه الماركسية تقلق طائفة واسعة من النخبة السياسية والبرجوازية البرازيلية، ورجال الدين. 

تساؤلات حول سياسة لولا

ويتساءل كثيرون حول ماذا ستكون عليه مقاربة لولا للسياسة الداخلية، والخارجية، والاقتصادية، في وقت لم تُحدث موجة اليسار التي عادت لتجتاح أميركا اللاتينية، بعد، أي ردّة فعل إيجابية على صعيد الاقتصاد. وتبدو الولايات المتحدة "مرحّبة" بعودته، مع إرسالها إشارات بالاعتراف سريعاً بنتائج الانتخابات، لكنها لم تدع مثلاً زعماء يساريين إلى قمّتها الأميركية في البيت الأبيض، هذا العام، مقابل دعوة بولسونارو.

وغادر لولا الرئاسة في 2010، بأعلى شعبية بين الرؤساء المغادرين، بلغت 80 في المائة. ويعود ذلك، ليس فقط إلى ما ينسب إليه من سياسة اقتصادية اشتملت على تقديمات اجتماعية سخيّة للفقراء، بل إلى كاريزميته، وتمكّنه من حجز مكان للبرازيل على الساحة الدولية، بحجم مكانتها فهي أكبر دول أميركا اللاتينية، وأهم دولها النامية. 

لكن هذه الشعبية سرعان ما تراجعت في عهد روسيف، مع تراجع الاقتصاد الذي كشف في جزء منه عمّا يرى فيه منتقدون لسياسات لولا هشاشة في برنامجه الاقتصادي، ثم توالي فضائح الفساد التي طاولت عهده، بالقضية الشهيرة المعروفة بـ"غسل السيارات (لافا جاتو)". 

وبعد إدانته بقضية غسل الأموال والفساد، في 2017، من قبل محكمة في كوريتيبا، وهي أكبر قضية فساد في تاريخ البرازيل، وسجنه في 2018 لأكثر من 500 يوم، ألغت المحكمة العليا البرازيلية برئاسة القاضي لويس فاشين، في مارس/ آذار 2021، كل التهم بحق لولا، ما مهّد الطريق أمامه للترشح مجدداً للرئاسة. 

أعلن لولا تحالفه مع حاكم ساو باولو السابق عن يمين الوسط جيرالدو ألكمين
 

وفي إشارة إلى "الانقلابات" الداخلية التي مهّدت الطريق أيضاً أمام عودة لولا، ما كشفه الصحافي في موقع "إنترسبت"، غلين غرينوالد، في 2019، حول قيام مجموعة من المدعين العامين البرازيليين، بمن فيها وزير العدل في حكومة بولسونارو في ذلك العام، سيرجيو مورو، بالتآمر لحرمان لولا من الفوز برئاسيات 2018، ما كرّس التشكيك بنزاهة القضاة الذين قاضوا لولا بقضية الفساد، وعلى رأسهم مورو.

عودة لولا "بوجه وسطي"

ويعود لولا إلى الساحة السياسية البرازيلية بوجه "وسطي"، كما تكتب "لوموند ديبلوماتيك" في عددها الصادر لشهر سبتمبر/ أيلول الماضي. 

ويروي برينو ألتمان كيف أن الانقسام داخل التيار المحافظ في البرازيل، وذهاب جزء من القوى التي دعمت بولسونارو في 2018، اليوم، إلى صفّ المعارضة له، من دون أن تكون لها القدرة وحدها على الفوز بالرئاسة، شكّلا أساس التفكير الاستراتيجي لحزب العمّال للحملة الرئاسية الحالية. إذ كان التوجه خلال الأشهر الأولى من العام الماضي هو التحشيد لأكبر جبهة لليسار، بين الدورتين، على قاعدة برنامج يعلنه لولا مبني على القطيعة مع النيوليبرالية.

لكن بحسب ألتمان، فإن كل شيء تغير بين مارس ومايو/ أيار 2021، عندما ألغت المحكمة العليا الأحكام بحق لولا، وهو ما رأى فيه استراتيجيون داخل "العمّال" إشارة إلى أن معارضة ليبرالية برجوازية (وهي المتحكمة بنظر العمّال بالمحكمة العليا)، تنمو ضد بولسونارو. 

وقاد ذلك العمّال إلى تغيير استراتيجيتهم، وجعل المعركة لا تتمحور بين اليسار واليمين، بل بين الديمقراطية والديكتاتورية. وهذا ما يفسّر تحالف لولا مع جيرالدو ألكمين، حاكم ساو باولو السابق، وأحد القادة التاريخيين للحزب الاجتماعي الديمقراطي البرازيلي (يمين الوسط)، والذي رشحّه لمنصب نائب الرئيس، بحال فوزه (ألكمين تنافس مع لولا على الرئاسيات في 2006 ودعم عزل روسيف).

وتنقل صحيفة "كوريو برازيليانسي"، عن الباحث السياسي لياندرو غابياتي، أن تحالف لولا، ليس فقط مع ألكمين، بل مع حاكم المصرف المركزي البرازيلي السابق، هنريكي ميريليس، قد يكون "الجسر الحقيقي بين اللاعبين الاقتصاديين وحكومة لولا".

ولفت إلى أن ما يتردد عن وجود ميريليس في أي حكومة سيشكلها لولا بحال فوزه، يعني أن الحاكم السابق للمصرف المركزي "سيكون مرجعاً لحكومة معتدلة على صعيد الإجراءات الاقتصادية". 

ويضيف غابياتي أن الدعم الذي تلقاه لولا من 8 مرشحين رئاسيين سابقين "لن يزيد على الأرجح من حجم التصويت له، لكنه رمزياً مهم جداً لأنه يشير إلى أن المشروع السياسي المقبل في البلاد، يتخطى العمّال واليسار". 

من جهته، قال الأستاذ في العلوم السياسية أوبير أوليفييرا، للصحيفة، إن لولا هو "خريج مدرسة وحدة رأس المال والعمل، وهذا ما يفسّر إعادة اجتماعه مع ميريليس"، ما "يلغي الحواجز في حواره مع عالم الأسواق". ويضيف: "بين البولسونارية التي تقوم على عزل نفسها، يوسع لولا جبهته".
(العربي الجديد)

المساهمون