لماذا يحرص العراق على استضافة المباحثات السعودية الإيرانية؟

15 فبراير 2022
حسين (يسار) خلال زيارته طهران بديسمبر ولقائه عبداللهيان (يمين) (الأناضول)
+ الخط -

تستعد العاصمة العراقية بغداد لاحتضان جولة مباحثات جديدة هي الخامسة من نوعها منذ منتصف إبريل/نيسان العام الماضي، بين مسؤولين سعوديين وإيرانيين، وذلك بحسب تأكيدات صدرت بشأن ذلك من مسؤولين إيرانيين وعراقيين خلال الأيام الماضية.

ويقول مسؤول أمني عراقي مواكب للتحضيرات بشأن الجولة الجديدة من المباحثات، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن "مسؤولين أمنيين سيكونون ضمن وفدي البلدين، وستجرى المباحثات داخل المنطقة الخضراء في العاصمة، ولن يُعلن عنها قبل إجرائها على غرار الجلسات السابقة".

مسار المباحثات السعودية ـ الإيرانية

ويكشف المسؤول أن تأجيل اللقاء في المرات السابقة لم يكن بسبب العراق، بل لأسباب تتعلق بالطرفين وكان آخرها في الشهر الماضي، نافياً التقارير التي أفادت بأن التأجيل نجم عن الأزمة السياسية في العراق والتوترات الأمنية، ومنها محاولة اغتيال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في 7 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

ويضيف أن "العراق ينتظر تقدم المباحثات السعودية الإيرانية أكثر وانتقالها لمستوى وزاري حتى يطرح ملفات خاصة به وترتبط بالدولتين، لكن ذلك ما زال مبكراً، لأن البلدين يفتقران للثقة ببعضهما البعض".

وشهدت الآونة الأخيرة سلسلة اتصالات عراقية رسمية مع مسؤولين سعوديين وإيرانيين، كان أبرزها تلقي الكاظمي في الخامس من شهر فبراير/شباط الحالي اتصالاً هاتفياً من الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، سبقه اتصال بين وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين مع نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، تمّ فيه بحث الاستعدادات لعقد جولة خامسة من المباحثات، حسبما أفاد بيان رسمي للخارجية العراقية، من دون تحديد موعد انعقادها.

وأضافت الوزارة في بيانها أن حسين بحث مع نظيره السعودي فيصل بن فرحان الملف نفسه.


يرى البعض أن الكاظمي يهدف لمواصلة عمله على رأس المخابرات

في غضون ذلك، تطرح قوى سياسية عراقية تساؤلات عن سبب حرص الحكومة على استضافة جولات الحوار السعودية ـ الإيرانية، والسعي لأداء دور كبير في المصالحة.

ومن بين التفسيرات أن هناك تكليفاً من أحد الطرفين (السعودي أو الإيراني) للعراق بقيادة تلك المباحثات.

كما تذهب تفسيرات أخرى للحديث عن مساع شخصية للكاظمي، في تحقيق نجاح له وضمان بقائه على رأس جهاز المخابرات العراقي، بعد انتهاء ولاية حكومته. ولا يزال الكاظمي رسمياً رئيس الجهاز ويديره إلى جانب رئاسته الحكومة.

أما الرواية الرسمية العراقية، التي جاءت على لسان مسؤولين عدة ومنهم وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، فتتمحور حول تبني فكرة ارتباط استقرار العراق الأمني بإنهاء التوتر السعودي ـ الإيراني.

وحول هذه التطورات، استبعد الوزير العراقي السابق، محمد شياع السوداني، في حديث مع "العربي الجديد"، وجود "أطماع شخصية من مسؤولين عراقيين من الحوارات بين إيران والسعودية".

وأضاف أن "الجانبين الإيراني والسعودي يسعيان في الحقيقة إلى حلّ معظم الخلافات الجوهرية بينهما، وهناك رغبة منهما في إنهاء الأزمة التي أودت بكثيرٍ من المشاكل السياسية والأمنية في المنطقة، ولا يمكن نكران نجاح العراق تنظيمياً في إدارة الحوار".

لكنه أكد في الوقت نفسه أنه "بالنسبة لمخرجات جولات الحوار، فمن المتوقع أنها ستكون إيجابية بنسبة معينة، لكنها قد ترتفع مع استمرار الحوارات".

وحول سبب حرص العراق على تنظيمها، رأى السوداني أن "العراق حريص على استضافة هذه الحوارات لما سيوفره الهدوء لدى الجانبين من هدوء سياسي داخلي فيه".

من جهته، اعتبر القيادي في تحالف "الفتح"، عامر الفايز، أن "الفريق السياسي والأمني للكاظمي لا يشارك مسار المباحثات مع بقية السلطات في البلاد، لأنها حساسة وخاضعة لسرية عالية".

وكشف في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن للعراق "ملفات ومطالب يريد من خلال الجولة الخامسة أن يقوم بتثبيتها لدى الطرفين".

وأضاف أن "العراق نجح خلال الأشهر الماضية في إدارة الحوار الإيراني السعودي، وقد فتح العراق المجال أمام البلدين للتداول والنقاش حول الوضع السياسي والأمني في المنطقة. وكلا الطرفين لديه مخاوف ومطالب، بالتالي فإن العراق يسعى إلى تقريب وجهات النظر بين القوى الإقليمية".

وختم الفايز بالقول: "قد يكون هناك جانب شخصي لنيل مصالح شخصية للكاظمي، لكن الوضع العراقي لم يعد يقبل أي تجاوزات خارجية في تحديد أو دعم شخصيات عراقية للحصول على مناصب محددة، كأن يكون رئيس وزراء أو جهازاً أمنياً".

من جهته، أشار الباحث العراقي فاضل أبو رغيف، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "الحكومة العراقية ستجني ثماراً عاجلة مرتبطة بالوضع السياسي والأمني والاقتصادي في حال تقدمت الحوارات السعودية الإيرانية بطريقة إيجابية، لأن الوضع في العراق محتقن بسبب الصراع الإيراني الأميركي من جهة، والصراع الإيراني الخليجي من جهة ثانية".

ولفت أبو رغيف، المقرّب من الأجهزة الاستخبارية ببغداد، إلى أن "نجاح الحوارات التي ترعاها بغداد، سيؤدي إلى رفع المستوى التجاري بين البلدان الثلاثة، إضافة إلى إيجاد حلول سياسية في المنطقة، واستقرار الحدود المشتركة ورفع مستوى التمثيل العراقي في السعودية، ناهيك عن أن الفصائل المسلحة ستهدأ".

وبشأن سعي الكاظمي للبقاء في منصب رئيس المخابرات في المستقبل القريب، لفت أبو رغيف إلى أن "الكاظمي حالياً في أرفع منصب عراقي، ومن غير المنطقي أن يحاول استغلال الحوارات السعودية الإيرانية للحصول على دعم لاستمراره في منصب شبه وزاري، إضافة إلى أن هذا المنصب وغيره تخضع الاتفاقات السياسية في الحكومة الجديدة".

وانطلقت أولى جلسات الحوار بين إيران والسعودية في إبريل/ الماضي في بغداد، بعد سلسلة زيارات قام بها مسؤولون عراقيون إلى الرياض وطهران لجمع الطرفين على طاولة واحدة، من بينهم مستشار الأمن الوطني العراقي قاسم الأعرجي، ووزير الخارجية فؤاد حسين، ضمن تصورات عراقية بأن تخفيف التوتر بين البلدين يمكن أن يسهم في تهدئة الساحة العراقية، خصوصاً بما يتعلق بنشاط الفصائل المسلحة الحليفة لإيران. 

جولات حوار سابقة

 وعقد الطرفان السعودي والإيراني أربع جولات حوار ببغداد، ثلاث منها في عهد الحكومة الإيرانية السابقة، والجولة الرابعة في 18 سبتمبر/أيلول الماضي، بمشاركة وفدين رفيعي المستوى من طهران والرياض.

وهي الأولى في عهد الرئيس الإيراني المحافظ إبراهيم رئيسي الذي تسلم الرئاسة الإيرانية، مطلع شهر أغسطس/آب الماضي. وكانت وزارة الخارجية الإيرانية قد كشفت في الخريف الماضي عن أن المباحثات حققت "تقدّماً جاداً" بشأن أمن الخليج، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الرسمية "إرنا"، لكنها أكدت، أنها "لن تتفاوض" حول حلفائها مع السعودية.

واعتبرت في حينه أن من المبكر الحديث عن خطوة إعادة فتح السفارات بين البلدين، رابطة ذلك بـ"خطوات مؤثرة تتخذها الرياض".


الخارجية الإيرانية اعتبرت في نوفمبر أن المباحثات حققت تقدماً

وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، إن "حواراتنا مع السعودية حول قضايا ثنائية وإقليمية، ونحن لن نتفاوض حول أصدقائنا مع أي أحد".

كما وصف الحوارات بين إيران والسعودية في بغداد بأنها "جادة وشفافة"، رابطاً مستقبلها "بجدية الطرف الآخر في تجاوز التصريحات الإعلامية". وعما إذا كانت الحوارات قد اقتربت من إعادة فتح السفارات، قال المتحدث الإيراني إنه "من المبكر الحديث عن ذلك".