لماذا فشلت الهدنة بين الجيش و"قوات الدعم السريع" في السودان؟

19 ابريل 2023
انهارت الهدنة بين الطرفين فور دخولها حيز التنفيذ وتواصل القتال في عدة مناطق (فرانس برس)
+ الخط -

أخفقت هدنة اتفق عليها الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع"، في الصمود منذ اللحظة الأولى من إعلانها، فعادت أجواء الحرب من جديد في الخرطوم وخارجها.

وكانت الآلية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد"، بدعم من الولايات المتحدة، قد اقترحت هدنة لمدة 24 ساعة لأغراض إنسانية، مثل إتاحة الفرصة للعالقين للعودة لأسرهم، وتمكين مهندسي شبكات الكهرباء والمياه من إصلاح عدد من الأعطاب التي أصابت خطوط الإمداد المائي والكهربائي وغيرها من الأهداف. 

ودخلت الهدنة حيز التنفيذ في الساعة السادسة من مساء أمس الثلاثاء، ولكن بعد مرور دقائق معدودة، انهارت، واستمرت المعارك في كل الجبهات وسط تحليق الطيران الحربي، فيما تبادل الطرفان الاتهامات بشأن خرقها وعدم التزامها، إذ قال الجيش إنه "وافق على الهدنة للاعتبارات الإنسانية"، إلا أن مليشيا التمرد لم تلتزمها ولم تتوقف مناوشاتهم لمحيط القيادة والمطار، بحسب قوله.

بالمقابل، قالت "قوات الدعم السريع" إنها رصدت في أولى ساعات الهدنة المعلنة هجوماً متفرقاً على قواتها في بعض المناطق بالعاصمة الخرطوم، تحديداً في منطقتي القيادة العامة وشرق النيل، مبينة أن الخرق يؤكد أن "القوات الانقلابية ليس لديها عهد ولا أدنى مسؤولية تجاه المواطن السوداني"، وأعلنت التزامها الكامل بالوساطة وما تعهدت به لأجل مرور المساعدات الإنسانية والطبية ووصول المرضى والجرحى إلى المستشفيات. 

ويرى تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير أن هناك صعوبات حياتية كان من الممكن معالجتها في فترة الهدنة التي أقرت أمس، مثل خروج معظم المستشفيات عن الخدمة وانقطاع الإمداد الصحي والغذائي وفراغ بنوك الدم عن العمليات وانقطاع الكهرباء وانعدام الوقود، مبدياً أسفه الشديد لعدم التزام الهدنة وتواصل إطلاق النار. 

عدم توافر أساسيات الهدنة

من جانبه، قال الخبير الأمني أمين مجذوب، إن ضمانات أي هدنة يجب أن تكون مرتبطة بموافقة كل قيادات الأطراف، ووجود جهة ترعى الهدنة، سواء كانت محلية أو إقليمية أو دولية، يكون لها مراقبون على الأرض، والأهم أن توجد وسائل رقابة متفق عليها ووسائل اتصال مباشرة وسيطرة على الممرات الآمنة.

وأضاف مجذوب خلال حديث مع "العربي الجديد": "كل تلك النقاط لم تتوافر للهدنة المعلنة منذ أمس، لذلك خرقت منذ الساعات الأولى، كذلك فإنها جاءت في قمة الاشتباكات، وربما استغلت من أي من الطرفين لتأمين موقفه وتعزيز وإحكام مناطق سيطرته كأمر طبيعي في حرب المدن".

"قوات الدعم السريع" باتت خارج سيطرة قياداتها

وقال رئيس تحرير صحيفة "اليوم التالي"، الطاهر ساتي، إن الهدنة لم تثبت حتى اليوم لأن مليشيات "الدعم السريع" أصبحت خارج سيطرة قيادتها، وربما لم تسمع القيادات الميدانية بموضوع الهدنة أصلاً، كذلك فإن الدعم السريع يعاني من سوء التنظيم وعدم الانضباط، بحسب قوله.

وأشار خلال حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن الجيش وافق على الهدنة واشترط مسبقاً توقف "قوات الدعم السريع" عن الحركة والتنقل، خصوصاً أن أهم ما يميز تلك المليشيا هو السرعة والقدرة على التنقل من مكان لآخر، ولم يحدث التزام عدم الحركة من جانبها، فجاء الرد سريعاً من الجيش. 

وأضاف: "الظروف الموضوعية لنجاح أي هدنة جديدة في المستقبل يتطلب انتظام مليشيات (الدعم السريع) والتواصل مع قياداتها، وهو أمر لن تسمح به القوات المسلحة لأنها في حالة حرب، بالتالي لن تنجح أي هدنة مستقبلية، والأفضل القفز نحو إيجاد حل نهائي، وهو أمر في يد وسلطة القوات المسلحة التي تقرر متى تتوقف الحرب عقب تحقيق أهدافها، وليس أي جهة خارجية أخرى". 

الجيش لا يرغب في هدنة قبل استعادة مواقع استراتيجية

لكن اللواء المتقاعد صلاح عيساوي، يقول لـ"العربي الجديد"، إن كل طرف حاول استغلال الهدنة رغم أن "قوات الدعم السريع" حققت، حسب قوله، الكثير من الأهداف، بما فيها السيطرة على قيادة الجيش والقصر ومقر الإذاعة والتلفزيون، على عكس ما يدعي فلول النظام السابق.

وأكد أن الجيش لا يرغب في الهدنة الآن قبل إعادة سيطرته على تلك المواقع الاستراتيجية، لأن أي هدنة الآن ستكشف سر ضعفه للرأي العام.

وأكد أهمية وصول مراقبين دوليين إلى السودان للإشراف على أي هدنة لضمان نجاحها، خصوصاً أن التوافق على الهدنة جرى عبر الهاتف بتواصل الوسطاء مع الطرفين كل على حدة، مؤكداً أن وجود المشرفين الدوليين سيدفع كل طرف إلى التزام الهدنة.