لماذا غاب السيسي عن قمة الاتحاد الأفريقي؟

07 فبراير 2022
عقد السيسي وجين بينغ قمة في بكين السبت (نيكولاس عصفوري/Getty)
+ الخط -

طرح غياب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عن حضور وقائع مؤتمر قمة الاتحاد الأفريقي لرؤساء الدول، في الدورة العادية الـ35 بمقر منظمة الاتحاد في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، أمس الأول السبت، والذي انعقد حضورياً للمرة الأولى منذ جائحة كورونا، والاكتفاء بتمثيل وزير الخارجية سامح شكري، تساؤلات حول أسباب ذلك، لا سيما أن مصر لديها الكثير من المطالب في ما يتعلق بأمنها القومي، خصوصاً قضية المياه.

وفي مقابل التغيّب عن القمة، التي اختتمت أمس الأحد، شارك الرئيس المصري في حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في العاصمة الصينية بكين. وعقد، السبت الماضي، قمة مع الرئيس الصيني شي جين بينغ.

غياب السيسي عن القمة الأفريقية منح مساحة أكبر لأبي أحمد

وعلق دبلوماسي مصري سابق، على عدم تمثيل القاهرة في اجتماع قمة الاتحاد الأفريقي على المستوى الرئاسي، بأن هذا "منح مساحة أكبر للمنافس الرئيسي لمصر في القارة الآن، وهو إثيوبيا، التي شارك رئيس وزرائها أبي أحمد بكل قوة في اجتماعات القمة، وقبلها في التحضير لها، خصوصاً أن إثيوبيا هي دولة المقر للاتحاد".

حضور مصر بقوة داخل الاتحاد الأفريقي ضروري لأمنها القومي

وأضاف المصدر أن "غياب السيسي، عن حضور أعمال القمة، حرم مصر من الثقل المطلوب للتأثير في دول القارة، خصوصاً في ما يتعلق بالقضية الرئيسية بالنسبة إلى مصر في أفريقيا، وهي المياه". 

وأشار الدبلوماسي السابق إلى أن "أبي أحمد استبق أعمال القمة الأفريقية، ووجه دعوة إلى كل من مصر والسودان، للتعاطي مجدداً مع قضية سد النهضة، وإعادة النظر فيها دبلوماسياً، حتى يتجنب الضغط من دول أفريقية أثناء القمة، وهو ما اعتبر بمثابة دعوة إلى التفاوض مجدداً".

وأوضح أن هذه "الدعوة قوبلت من جهة الحكومة المصرية، بتصريحات من رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، بتوجيه الدعوة لأديس أبابا إلى التفاوض مجدداً". 

وقال المصدر إنه "على الرغم من عدم جدوى الدخول في جولة جديدة من المفاوضات حول سد النهضة، والتي استمرت لأكثر من 10 سنوات من دون الوصول إلى نتيجة، إلا أن حضور مصر بقوة داخل الاتحاد الأفريقي، الذي يرعى المفاوضات بين الدول الثلاث، مصر والسودان وإثيوبيا، ضروري لأمنها القومي، ليس فقط في قضية مياه النيل، ولكن في قضايا أخرى مهمة، مثل السلم والأمن داخل القارة".

على مصر تقوية جبهتها داخل الاتحاد الأفريقي

وأكد المصدر أن "تجاهل قضية النيل على المستوى الرسمي المصري، خصوصاً في ظل انعقاد قمة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، أمر في غاية الخطورة". وأوضح أن "الاتحاد هو من يمارس الآن دوره في رعاية المفاوضات، ويجب على مصر أن تقوي جبهتها داخله، وألا تنتظر تدخل أطراف أخرى غير مضمونة المواقف".

تقارير عربية
التحديثات الحية

وأشار إلى أن بيان وزارة الخارجية المصرية نفسه عن مشاركة شكري في اجتماع القمة الأفريقية، لم يأت على أي ذكر لقضية المياه. 

وأوضح أن البيان ذكر فقط أن القمة "ستتناول مختلف القضايا والموضوعات المطروحة على الساحة القارية، ومن بينها حالة السلم والأمن في القارة، ومواجهة التداعيات الناجمة عن جائحة كورونا، وظاهرة تغير المناخ، والتكامل الاقتصادي والاندماج القاري".

غياب السيسي محاولة لتجنب الإحراج أمام المصريين

وفسّر المصدر غياب السيسي عن اجتماع قمة الاتحاد الأفريقي، وتفضيله المشاركة في افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية بالصين، بأنه "محاولة لتجنب الإحراج أمام الشعب، نظراً لأنه لم يصل إلى أي نتيجة في قضية المياه المصيرية، ولتأكده بأن لقاءه مع أبي أحمد على هامش القمة، قد يؤدي إلى الاتفاق على الدخول في جولة مفاوضات جديدة مع إثيوبيا، سوف تضيع المزيد من الوقت دون جدوى".

وأكد أنه "لا يمكن لمصر أن تهرب من استحقاقاتها في القضايا الوجودية، كقضية مياه النيل. كما أنها لا يجوز أن تتوقع الكثير من أطراف دولية أخرى، كالصين والولايات المتحدة، نظراً لأن هذه الدول أكدت على مواقفها من أزمة سد النهضة، في أكثر من مناسبة".

غياب السيسي محاولة لتجنب الإحراج أمام الشعب، نظراً لأنه لم يصل إلى أي نتيجة في قضية المياه

وأوضح الدبلوماسي المصري السابق أنه "بالنسبة للولايات المتحدة، فإنه لا يمكن أن تحصل مصر على الكثير، خصوصاً في ظل إدارة (الرئيس جو) بايدن، ذات الموقف المحايد في الأزمة، على عكس إدارة (الرئيس السابق دونالد) ترامب التي كانت منحازة إلى مصر".

وأضاف أنه "بالنسبة إلى الصين، فلا يمكن انتظار الدعم، بالنظر إلى استثماراتها الضخمة في إثيوبيا بشكل عام، وسد النهضة بشكل خاص. بالإضافة إلى خشية بكين من أن تبنيها أي موقف داعم لدول المصب، بصفتها دولة منبع، يمكن أن تعرّضها لمطالبات من دول المصب من جيرانها". 

ورجح الدبلوماسي المصري، أن يكون من ضمن أسباب غياب السيسي عن اجتماع قمة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، هو جدول الأعمال المثقل بمواضيع حساسة بالنسبة للنظام المصري، مثل "الانقلابات" وملف "منح إسرائيل صفة مراقب في الاتحاد".

ملف الانقلابات في أفريقيا يشكل مصدر إحراج للنظام المصري

وأوضح أن "ملف الانقلابات تحديداً يشكل مصدر إحراج للنظام المصري، الذي جاء إلى الحكم بعد انقلاب على أول حكومة مدنية منتخبة في التاريخ المصري في عام 2013". 

وكان مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الأفريقي قد علق، منذ يونيو/حزيران الماضي، عضوية أربع دول، هي بوركينا فاسو ومالي وغينيا والسودان، بسبب تغيير حكوماتها بطريقة مخالفة للدستور. وندد رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي، أخيراً، بـ"العودة المقلقة للانقلابات العسكرية". 

ومن جهة أخرى، تواجه المنظمة موجة انتقادات بسبب عدم ثبات موقفها في مواجهة الانقلابات، خصوصاً بسبب عدم تعليقها عضوية تشاد، حيث تولى مجلس عسكري السلطة بعد وفاة الرئيس إدريس ديبي في إبريل/نيسان الماضي.

وأضاف المصدر أن مناقشة ملف "منح إسرائيل صفة مراقب في الاتحاد"، في اجتماع قمة الاتحاد الأفريقي، قد يشكل أيضاً "مصدر إحراج للسيسي، الذي يتمتع بعلاقات قوية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وفي الوقت ذاته تتحفظ بلاده على منح إسرائيل صفة مراقب داخل الاتحاد، وهو بند اقترحته الجزائر وجنوب أفريقيا".

انسحاب مصر من القضايا الأفريقية الهامة

وانتقد المصدر ما وصفه بـ"انسحاب مصر من القضايا الأفريقية الهامة، واكتفائها بطرح موضوعات تشكل أهمية بالنسبة للدول الغربية، مثل ملف مكافحة الإرهاب في الساحل الأفريقي، وهو الملف الذي فشلت فيه الدول الغربية على مدار سنوات طويلة من التدخل العسكري في تلك المنطقة".

تركيز القاهرة على ملف محاربة الإرهاب في أفريقيا يُضيع على مصر الكثير من قوتها داخل القارة
 

وأشار إلى اقتراح القاهرة عقد قمة استثنائية للاتحاد الأفريقي حول الإرهاب. وأضاف المصدر أن "تركيز القاهرة على ملف محاربة الإرهاب في القارة، في الوقت الذي ينفلت من بين أيديها ملفات أخرى أخطر، على رأسها مياه النيل، يضيع على مصر الكثير من قوتها داخل القارة". 

وأكد أن "ملف محاربة الإرهاب، لا يحظى بسمعة طيبة في الدول الأفريقية، خصوصاً دول الساحل، التي ترى في التدخل العسكري في أراضيها، أمراً غير مقبول".

وأشار إلى أن "فرنسا، وهي صاحبة التدخل العسكري الأكبر في الساحل الأفريقي، وتحديداً في مالي، تسعى الآن إلى الانسحاب من المنطقة بعد فشلها هناك. كما تسعى لإيجاد بديل لها، وهو ما يتوازى مع الطرح المصري، بتقديم الدعم العسكري، لدول الساحل، عبر تقديم البرامج التدريبية، واقتراح تشكيل قوة عسكرية أفريقية، بقيادة مصر".

عواقب خطيرة لمسار ملف مكافحة الإرهاب بأفريقيا

وأكد الدبلوماسي المصري أن "انخراط القاهرة في ذلك المسار، يمكن أن يؤدي إلى عواقب خطيرة، يدفع ثمنها الجيش المصري، كما يدفع ثمنها الشعب المصري بشكل عام، والمهدد أصلاً بنقص في المياه قد يصل إلى حد الجفاف، بسبب سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا. ولذلك فإن من مصلحة مصر، التركيز على قضايا أمنها القومي، وعدم تجاهلها في مقابل التفكير في إيجاد حلول لأزمات الآخرين".

وأوضح المصدر أن "مصلحة مصر مع أفريقيا، وليس مع فرنسا أو غيرها، وأن كسب عداوات جديدة داخل القارة الأفريقية، لن يؤدي إلا إلى مزيد من العزلة داخل القارة، وهو ما حدث سابقاً مع إثيوبيا، عندما قيل إن مصر تدخلت سراً لدعم متمردي تيغراي في حربهم ضد الجيش الحكومي بقيادة أبي أحمد، وقبلها عندما قيل إن مصر دعمت معارضي الأورومو".

المساهمون