لماذا تُعتبر معركة القضاء في تونس مصيرية؟

25 فبراير 2022
القضاة يواصلون التنديد بقرارات الرئيس التونسي (أرشيف/ شاذلي بنبراهيم/ Getty)
+ الخط -

لم يعد الرئيس التونسي، قيس سعيّد، يفوت أي مناسبة لاستهداف القضاء، متبعاً التكتيك نفسه الذي اعتمده مع البرلمان، باعتماده على حملات تشكيك تنتهي بالحل والتجميد، وربما سيمر قريبا إلى مؤسسات أخرى، أولاها الجمعيات وربما تمتد إلى هيئة الانتخابات.

وتظل معركة القضاء في تونس مصيرية، فهي تحولت لهدف رئيس لسعيّد على اعتبار أن المعارك التي فتحها لا يمكن أن يربحها إذا لم يسقط القضاء، لأنه يبقى السلطة الوحيدة القادرة قانونيا إلى حد الآن، على إسقاط أي تجاوز إداري أو قانوني، ولعل هذا ما يفسر أن تطهير البلاد يمر حتما عبر تطهير القضاء، وهو ما يجعل من هذه المعركة المصيرية أمّ المعارك بالفعل.

ويفسر رئيس "جمعية القضاة التونسيين"، أنس الحمادي، ذلك بالقول إنها "معركة مصيرية لأنها تمس السلطة القضائية حامية الحقوق والحريات، وهي التي تبت في أعراض الناس وحرياتهم وفي قضايا الفساد المالي وقضايا الإرهاب والنزاعات الانتخابية وتمويل الحملات الانتخابية".

وحذر الحمادي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، من أنه "إذا تم وضع اليد على السلطة القضائية التي تعتبر محكّمة بين الأطراف السياسية والتي تعتبر أيضا فاصلة في كل أنواع النزاعات، إن وضعت اليد عليها من قبل طرف سياسي فإننا سنعود إلى النظام الدكتاتوري الذي تستحوذ فيه السلطة التنفيذية على جميع السلطات وتطوع القضاء إلى أجندتها الخاصة وإلى ضرب خصومها وتصفيتهم مثلما كان عليه العهد في زمن الرئيس الراحل زين العابدين بن علي".

وتابع قائلا: "لذلك نحن نعتبر أن المعركة ليست معركة قضاة، وإنما هي معركة كل التونسيين والتونسيات وكل المنظمات الفاعلة وكل الشخصيات الحقوقية، من أجل التصدي لهذا التغول وهذا الخطر المحدق، ليس فقط بالقضاء، بل بكل البناء الديمقراطي وبكل مؤسساته".

ودعا إلى "اصطفاف كل أفراد المجتمع المدني وراء هذه القضية، ونحن كقضاة نتشرف أن نكون في مقدمة الدفاع عن دولة القانون وعن النظام الديمقراطي وعن السلطة القضائية المستقلة ومؤسساتها، ولكن لا يمكن ترك القضاة إلى مصائرهم وبمفردهم في هذه المعركة التي تختل فيها التوازنات لصالح السلطة التنفيذية".

وشدد الحمادي بالقول: "نعول على تفهم كل المواطنين والمواطنات وعلى تفهم كل القوى الحية في البلاد وعلى دعمهم اللامشروط للقضاء الحر والمستقل الذي لا يمكن إصلاحه بالطريقة التي يبتغيها رئيس الجمهورية"، مؤكداً أنه "ليس لدينا أي خيارات، خيارنا الوحيد هو كسب هذه المعركة لأن عدم كسبها سيؤدي إلى ارتدادات خطيرة على جميع المستويات".

تكبيل يد القضاة

من جهتها، أكدت القاضية صابرة بن رحومة، المستشارة بالمحكمة الإدارية، أن "مسألة استهداف القضاء أو عدمه باتت واضحة للجميع اليوم، بدأت بالتحريض على القضاة إلى غاية إرساء عدة قرارات من بينها هذا المرسوم (قرار الرئيس التونسي حلّ المجلس الأعلى للقضاء وتعويضه بمجلس مؤقت معين)، هناك خطر يهدد القضاء، ونحن لا ندافع عن القضاء فقط، بل ندافع أيضا عن الضمانات الممنوحة للمتقاضين".

وتساءلت القاضية في تصريح لـ"العربي الجديد"، "كيف يمكن أن يحكم القاضي الإداري مثلا ضد الإدارة أو الدولة في القضايا التي يرفعها ضدها المواطنون؟ وكيف يمكن له كقاضٍ حماية المواطن بينما المسار المهني للقاضي بيد الحكومة؟"، مشيرة إلى أن "الاجتهاد في الأحكام يمكن أن يتم تتبعه تأديبيا من قبل رئيس الحكومة بحسب القوانين الجديدة، أي أن القاضي إذا اجتهد في حكمه وأصدر قرارا ضد الحكومة يمكن لرئيسها أن يكتب تقريرا ويرسله لرئيس الجمهورية وتتم معاقبة القاضي وحتى إعفاؤه من مهامه كقاضٍ، هذا بسبب أنه مارس واجبه في إرجاع الحقوق لأصحابها".

وأضافت بن رحومة: "لا أظن أنه يوجد أكثر من هذا تهديدا لاستقلال القضاة، وليس هناك أكثر مباشرة من هذا التهديد، وإذا أصبح مسارنا الوظيفي بيد رئيس الحكومة دون أي ضمانات فيمكن حينها لرئيس الجمهورية أن يحل محل مجلس التأديب بمجرد تقرير زائف تصدره رئيسة الحكومة".

ومثل الحمادي أكدت بن رحومة أن "هذه المعركة تعتبر معركة مصيرية، نحن لن نكف عن المطالبة بحقوقنا كقضاة والدفاع عن استقلال السلطة القضائية، وهذا يعتبر واجبنا سواء للدفاع عن حقوقنا نحن أو دفاعا عن حقوق المواطنين. المسألتان مرتبطتان ببعضهما".

إعادة القضاء إلى زمن بن علي

وصباح أمس الخميس، خرج القضاة يصرخون دفاعا عن استقلالية القضاء، في معركة يبدو أنها ستكون طويلة، وقالت خلالها القاضية روضة قرافي: "المنعرج الذي نعيشه اليوم من خلال محاولة وضع اليد على السلطة القضائية خطير جداً، ولكن لا بدّ من الثبات وإرجاع القضاء إلى المسار الصحيح"، معتبرة أن "القبول بالمجلس المؤقت يعني أننا سنعود بالقضاء إلى زمن بن علي، عندما كان القضاة تحت وصاية السلطة التنفيذية".

تضاة تونس

وخلال الوقفة ذاتها، أكد الرئيس الشرفي لـ"جمعية القضاة التونسيين"، القاضي أحمد الرحموني، أن "صدور مرسوم بحل المجلس الأعلى للقضاء، وتحضير قيس سعيّد لتنصيب هيئة وقتية تشرف على القضاء بجميع فروعه وأصنافه، يعني انهيار دولة القانون بمكوناتها الأساسية ودوس الحقوق والحريات"، محذراً من أنه "في ظل قضاء تابع وخاضع للسلطة التنفيذية، وفي غياب مبادئ استقلال السلطة القضائية بهياكلها ومؤسساتها تختفي الحقوق والحريات".

كما قال الحمايدي خلال الوقفة ذاتها أمام المتظاهرين: "هذه المعركة ليست معركة القضاة وحدهم، بل معركة كلّ المواطنين الذين لا مصلحة لهم في قضاء تحت وصاية السلطة التنفيذية".

وتوجه إلى القضاة الكبار الذين سيتم تعيينهم بحكم مسؤولياتهم وصفاتهم في المجلس الجديد الذي سيعينه سعيّد طالبا منهم رفض المشاركة فيه قائلا: "حاشى أن تذهبوا إلى مزبلة التاريخ كبعض القضاة الذين تآمروا سابقا ضدّ استقلالية القضاء".

رد الرئيس التونسي لم يتأخر كثيرا، حيث قال مساء أمس إن "القضاء وظيفة ولا يمكن للقاضي أن يكون مشرعاً، وتطهير البلاد يقتضي تطهير القضاء الذي يجب أن يكون مستقلاً ويعمل داخل إطار القانون"، وهو ما يعني أنها معركة ضارية وطويلة.

المساهمون