لغز استقالة جواد ظريف: أسباب سياسية أم قانونية؟

13 اغسطس 2024
محمد جواد ظريف في طهران يوم 24 يونيو 2024 (حسين بيريس/فرانس برس)
+ الخط -

شكّلت استقالة محمد جواد ظريف، مساء أمس الأحد، من منصب نائب الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية، بعد أسابيع قليلة من تقلده، وقبيل تشكيل الحكومة الجديدة، مفاجأة من العيار الثقيل في الساحة السياسية الإيرانية، وترافقت الاستقالة مع انتقادات إصلاحية متصاعدة لتشكيلة الحكومة التي اقترحها رئيس الجمهورية مسعود بزشكيان على البرلمان أمس الأحد.

وأثارت استقالة ظريف، وكذلك التشكيلة الحكومية المقترحة، حالة إحباط بين الناخبين الذين صوتوا لبزشكيان أملاً في حدوث تغيير في البلاد وسياساتها الداخلية والخارجية، وخاصة حلحلة الأزمات الاقتصادية التي تثقل كاهل المواطن الإيراني هذه الأيام. كما أثلجت الاستقالة صدور خصوم ظريف السياسيين من المحافظين المتشددين، الذين لطالما دعوا بزشكيان منذ فوزه بالرئاسة إلى إقصائه، مع الحديث عن أن ظريف بات الآمر الناهي في الرئاسة، وأن له كلمة الفصل في اختيار أعضاء الحكومة الجديدة.

وثمة أسباب سياسية وحقوقية طُرحت بشأن استقالة ظريف الذي كان له دور مهم في فوز بزشكيان بالرئاسة الإيرانية في الانتخابات، التي جرت على جولتين في 28 يونيو/حزيران و5 يوليو/تموز الماضيين، فبينما يركز الإصلاحيون على الأسباب السياسية، يصوب المحافظون على السبب الحقوقي والقانوني، وعدم إمكانية تقلد ظريف مناصب حساسة، بسبب جنسية أولاده الأميركية، وفق قانون جديد أُقر عام 2022. وعليه، يرى محافظون متشددون أن طرح موضوع الاستقالة لا محل له، وأن القانون عزله، وأن بقاءه في المنصب "مخالفة قانونية"، وفق ما صرح به النائب البرلماني المحافظ المتشدد حميد رسائي اليوم على منصة إكس.

امتعاض جواد ظريف من تشكيلة الحكومة الجديدة

يرى الناشط السياسي الإيراني، سلمان كديور، في حديث مع "العربي الجديد" أن هناك سببين مهمين لاستقالة ظريف، الأول هو تنازل الرئاسة الإيرانية في بداية عملها عن "مواضيع مهمة كانت مطلوبة ومنشودة" لدى ظريف أولها أن تركيبة الحكومة المقترحة أمام البرلمان لم تكن ما أقرته اللجان التخصصية في المجلس الاستشاري المعين من قبل الرئيس، الذي ترأسه محمد جواد ظريف، وأشار إلى "الإبقاء على بعض المسؤولين في حكومة الشهيد إبراهيم رئيسي (الرئيس الإيراني الراحل) وضمّ أشخاص إلى الحكومة بتوصية أو ضغط من مؤسسة أو أفراد، مثل ترشيح شخص لحقيبة الداخلية"، والمعني وزير الداخلية ضمن التشكيلة المقترحة، إسكندر مؤمني، وهو من قيادات الشرطة الإيرانية، وبعيد ترشيحه أعاد ناشطون إيرانيون غاضبون من ترشيحه نشر مقطع مصور له، يعود إلى سنوات سابقة، يدعو فيه إلى التصدي لغير المحجبات تطبيقاً للقانون. ويضيف الناشط كديور أن وزارة الداخلية "لها دور محوري" في تحقيق شعارات ووعود الرئيس بزشكيان، قائلاً إن إسناد الحقيبة إلى تيارات أخرى "لم يكن ما يريده"  ظريف، ومضيفاً أن الأخير "لا يريد تحمل مسؤولية مسار لم يلعب فيه دوراً مؤثراً".

وكان ظريف قد أشار في منشور الاستقالة على منصة إنستغرام، مساء الأحد، إلى أنه "من بين 19 وزيراً مرشحاً، وهو عدد أعضاء المجلس الوزاري، كان ثلاثة منهم فقط من المرشحين الرئيسيين للجان المجلس الاستشاري المعني بترشيح أعضاء الحكومة"، قائلاً إن ستة منهم لم يكونوا مرشحين رئيسيين، وكانوا مرشحين من الدرجة الثانية أو الثالثة، وواحد منهم مرشح من الدرجة الخامسة". كما عبر ظريف عن خجله "من عدم قدرته على تحقيق وعده بتطبيق آراء الخبراء في اللجان، وإشراك النساء والقوميات في الحكومة"، مقدماً اعتذاره للشعب الإيراني "لعجزي عن متابعة الأمور في دهاليز السياسة الداخلية"، ومعلناً عودته إلى الجامعة للعمل في سلك التدريس.
وغالباً يقصد من مشاركة القوميات هو إشراك الطائفة السنية في الحكومة، حيث لا تتضمن القائمة المقترحة أي وزير سني عكس وعود الرئيس الإيراني في حملته الانتخابية ووعود مقربين منه أمثال ظريف.

ضغوط أجهزة بالدولة

ويشير كديور إلى أن السبب الثاني للاستقالة "هو ضغوط أجهزة متنفذة خارج الحكومة كانت تعارض بشدة حضور السيد ظريف في الحكومة من اليوم الأول"، مضيفاً أنه ليس واضحاً كم قاوم بزشكيان هذه الضغوط. فوزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف "يمثل رمزاً لاتجاه في السياسة الداخلية والخارجية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية"، وفق كديور الذي يلفت إلى نجاح ظريف في إقناع عدد كبير من الناخبين بالتصويت لبزشكيان خلال حملته الانتخابية التي كان ظريف "محركها الأساسي". ويضيف أن من أهم شعارات بزشكيان في خطابه هو إيصال القوى الفاعلة إلى مكانة يستحقونها في نظام إدارة البلاد، مشيراً إلى تمثيل بزشكيان دور المعارضين في انتقاداته للسياسات الإدارية المعتمدة خلال السباق الرئاسي، ما ساهم في دفع عدد لافت من المقاطعين للانتخابات والمعارضين إلى المشاركة فيها، كما كان من أهم شعاراته هو إشراك الأقليات المذهبية والنساء في الحكومة ورفض القيود الاجتماعية، منها دوريات الآداب في الشوارع، وحظر مواقع التواصل الاجتماعي، وإصلاحات في السياسة الخارجية.

وعن تبعات استقالة جواد ظريف في السياسة الداخلية، يقول كديور في حديثه مع "العربي الجديد" إنها ستؤدي إلى إحباط أنصار الحكومة الجديدة والناخبين المصوتين لبزشكيان، وذلك لمكانة ظريف الرمزية، فضلاً عن أن الحكومة أيضاً تخسر "سند تنفيذ استشارياً واعتبارياً مهماً ويُستبعد أن يسد شخص آخر مكانه"، وللاستقالة أيضاً تبعات على السياسة الخارجية لحكومة بزشكيان، التي كان لظريف دوره في رسمها وتأثيرها "بالتالي فإن استقالته يمكن أن تسبب مخاوف بإمكانية تطبيق شعارات رئيس الجمهورية على صعيد السياسة الخارجية".

وأشار ظريف في منشور على إنستغرام، اليوم الاثنين، وهو الثاني بعد منشور الاستقالة أمس الأحد، إلى سبب آخر لاستقالته هو "تفسير غريب للقانون حوّل عملي في المشاغل الحساسة إلى ذريعة للضغط على الحكومة الـ14"، وحاول ظريف في منشوره الثاني ضبط إيقاعات استقالته، قائلاً "رسالتي الليلة الماضية لا تعني الندم والإحباط من الدكتور بزشكيان العزيز أو رفض الواقعية (في إشارة غير مباشرة إلى العقبات الواقعية التي يواجهها بزشكيان) بل تعني (الاستقالة) أن لدي شكوكاً بأن أكون مفيداً في عملي بالشؤون الاستراتيجية".

وحول القانون الذي أشار إليه جواد ظريف في منشوره، يقول الحقوقي الإيراني حميد رضا إبراهيمي لـ"العربي الجديد" إن البرلمان الإيراني أقر قانوناً عام 2022 بشأن طريقة تقلد المناصب الحساسة، وهو يرسم خريطة طريق عامة بشأن تعيين كبار المسؤولين في هياكل الدولة "ما يقيد صلاحيات السلطة التنفيذية في التعيينات"، ويوضح إبراهيمي أن جدلاً ونقاشاً دارا أخيراً حول هذ القانون الذي يربط تعيين مسؤولين حكوميين من الوزراء والمديرين العامين وكذلك القضاة والسفراء ورؤساء المحافظات والقادة العسكريين بموافقة مسبقة من وزارة الاستخبارات واستخبارات الحرس والسلطة القضائية. وأضاف أنه حسب ما قيل فإن رفض مجلس صيانة الدستور أهلية رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني لخوض السباق الرئاسي الأخير وكذلك استقالة ظريف من معاونية الشؤون الاستراتيجية بالرئاسة، يعودان إلى البنود المصرح بها في هذا القانون الذي ينص في البند الأول بالمادة الثانية على رفض إسناد المناصب الحساسة إلى كل من يمتلك هو أو أبناؤه أو زوجته الجنسية الأجنبية.

علماً بأن أولاد جواد ظريف لديهم الجنسية الأميركية، حيث عاش هو في الولايات المتحدة الأميركية لفترة طويلة سواء في أيام شبابه قبل الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 أو بعدها في ممثليتها في الأمم المتحدة قبل أن يصبح وزير الخارجية عام 2013 إلى 2021. ويضيف الخبير الحقوقي الإيراني أن "هذا البند يمكن أن تكون له تفسيرات متعددة، لكن إطلاقه يشمل كل أنواع الجنسيات، وفق آراء من يوسع في تفسير البند، سواء حصل الشخص عليها بإرادته أو من دونها"، لافتاً إلى أن المعارضين للتفسير الموسع يدعون إلى التفريق بين من حصل أو يحصل على الجنسية الأجنبية بطلب منه وبإرادته أو من يحصل عليها تلقائياً بسبب ولادته أو أولاده أو زوجته في دولة أجنبية تمنح الجنسية بالولادة على أراضيها. ويردف إبراهيمي قائلاً إن القانون نفسه لا يفرق بين أنواع الجنسية، سواء اكتسبت بالولادة أو بطلب، مشيراً إلى وجود مديرين يشملهم القانون وعليهم الاستقالة من مناصبهم، وهو ما سيحدث "مشكلات كثيرة" للنظام الإداري في البلد.