تشهد الساحة اللبنانية اليوم الاثنين "استنفاراً" أمنياً على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة، حيث يواصل الجيش اللبناني و"قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان" (اليونيفيل) الدوريات المكثفة، تحسباً لأي تطور أمني بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي، مع استمرار معركة "طوفان الأقصى" بيومها الثالث. كما تتجه الأنظار اليوم إلى السرايا الحكومية، التي تشهد سلسلة لقاءات واتصالات بهدف الحفاظ على الاستقرار في الجنوب اللبناني، وتحييد لبنان عن الصراع الدائر.
وقال مصدرٌ في مخابرات الجيش اللبناني لـ"العربي الجديد"، إن "الحدود اللبنانية الجنوبية تشهد هدوءاً اليوم، والجيش منتشر في المناطق الحدودية ويسيّر دورياته كما هناك دوريات لقوات اليونيفيل، وتنسيق مستمرّ ومتواصل بين الطرفين".
استقرار الجبهة الجنوبية أولاً
سياسياً، أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان، نجيب ميقاتي، أن "الأولوية لدى الحكومة هي لحفظ الأمن والاستقرار في جنوب لبنان، واستمرار الهدوء على الخط الأزرق، والالتزام بالقرار 1701، ووقف الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة للسيادة اللبنانية، جوّاً وبحراً وبرّاً، والانسحاب من الأراضي اللبنانية التي لا تزال محتلة".
وأشار ميقاتي إلى أن "الاتصالات التي قمت بها أكدت حرص الدول الصديقة والشقيقة على بقاء لبنان في منأى عن تداعيات الوضع المتفجّر في الأراضي الفلسطينية، وحمايته".
وذكر المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء اللبناني، في بيان، أن "ميقاتي تابع الوضع في جنوب لبنان، عبر سلسلة من الاتصالات الدولية والعربية والمحلية. كما تلقى اتصالات من عدد من رؤساء الدول والحكومات في الإطار ذاته".
وجدّد ميقاتي التأكيد أن "تحصين لبنان في وجه التطورات العاصفة يقتضي الإسراع في انتخاب رئيس جديد، ووقف التشنجات السياسية القائمة، فالخطر الذي يتهدّد لبنان لا يصيب فئة معينة أو تياراً سياسياً واحداً، بل ستكون له، لا سمح الله، انعكاسات خطيرة على جميع اللبنانيين، وعلى الوضع اللبناني برمته".
وتابع أن "في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها المنطقة، لم يعد مقبولاً أن تستمر التجاذبات الداخلية والانقسامات على مسائل تجاوزتها الأحداث الداهمة والتداعيات المحتملة"، داعياً إلى "توقف مواقف الشحن والتحريض، ولتتوحّد كل الإرادات في مرحلة هي من دون مبالغة من أخطر المراحل التي يمر بها لبنان والمنطقة، وأكثرها ضبابية لناحية التوقعات والخيارات والاحتمالات".
من ناحية ثانية، قال ميقاتي إن "ما يجري داخل الأراضي الفلسطينية هو نتيجة حتمية لنهج العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني ومطالبه المحقة"، مضيفاً: "أما الحل لهذا الصراع المفتوح على الدم يبدأ بتحمّل المجتمع الدولي مسؤولياته في الضغط على إسرائيل، لحملها على العودة إلى خيار السلام بمرجعياته المعروفة، ولا سيما مبادرة السلام العربية التي صدرت عن قمة بيروت عام 2002، وما عدا ذلك فهو إمعان في الدوران في دوامة العنف التي لن تفيد أحداً".
كذلك، اجتمع ميقاتي اليوم مع وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب الذي قال بعد اللقاء: "نحن لا نريد أن يدخل لبنان في الحرب الدائرة، ونسعى لذلك، ويقوم رئيس الحكومة باتصالات كثيرة في هذا الشأن، وإن شاء الله خيراً، وكل الأطراف الدولية تدعونا أيضاً لعدم الدخول في الحرب، وهذا هو موقف لبنان".
في سياقٍ آخر، قال بو حبيب، إنه أطلع ميقاتي على الاجتماع الذي ستعقده الجامعة العربية في القاهرة بشأن الأوضاع في غزة وفلسطين. كما جرى عرض موضوع اللاجئين السوريين، والزيارة التي سيقوم بها هذا الشهر لسورية، ولقائه نظيره في النظام السوري، في اجتماع الجامعة العربية في القاهرة.
وفي وقت سابق، كشفت أوساط حكومية معنية لـ"العربي الجديد"، أن "هناك اتصالات سياسية وأمنية ودبلوماسية مكثفة تجري بعيداً من الأضواء منذ بدء معركة طوفان الأقصى، وذلك بهدف الحفاظ على الاستقرار في الجنوب اللبناني، وستعقد اليوم لقاءات عدة في السرايا الحكومية في الإطار نفسه، وسيصدر بيان أيضاً".
مصدرٌ مقرّب من بري: تشديد على عدم دخول لبنان أو حزب الله بالمعركة
وأشارت الأوساط إلى أن "المطلوب في الوقت الحاضر وبالنظر إلى دقة الوضع وحساسيته العمل بهدوء من دون عراضات إعلامية للوصول إلى النتائج المرجوة"، لافتة إلى أن "نتيجة الاتصالات كانت إيجابية، فهناك تأكيد على ضرورة الحفاظ على الاستقرار في الجنوب، وعدم تطور المعركة بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي، رغم ما حصل أمس الأحد، وجرى التشديد أيضاً على ضرورة استمرار التنسيق بين اليونيفيل والجيش ميدانياً".
وقالت الأوساط إن "الأجواء تشي بعدم وجود نيّة بالتصعيد في الجنوب، وحصلت اتصالات مع دول القرار انتهت إلى عدم وجود تصعيد وضرورة إبعاد التوتر عن الساحة الجنوبية".
في سياق متصل، أفاد مصدرٌ مقرّب من رئيس البرلمان نبيه بري، "العربي الجديد"، بأن "اتصالات عدة جرت مع جهات دبلوماسية أجنبية وأوروبية وعربية، لمتابعة الأوضاع في لبنان، مع تشديد على ضرورة تحييد الجنوب اللبناني عمّا يحصل، وعدم دخول لبنان أو حزب الله بالمعركة، فكانت إشارة من بري إلى عدم وجود نوايا للتصعيد، وأي عمل من لبنان سيكون في حال قامت إسرائيل بأي تحرك نحوه".
من جهته، كشف مصدرٌ دبلوماسي في السفارة الأميركية في بيروت، لـ"العربي الجديد"، أن "اتصالات حصلت مع مسؤولين لبنانيين أمس الأحد بهدف التشديد على ضرورة تحييد الساحة الجنوبية ولبنان عمّا يحصل واحتواء التصعيد، لأن تداعيات دخول حزب الله في المعركة لن تكون سهلة على لبنان، كما يجب استمرار التنسيق بين الجيش واليونيفيل لحماية الأمن والاستقرار".
واستهدف "حزب الله" صباح أمس الأحد 3 مواقع للاحتلال الإسرائيلي في منطقة مزارع شبعا المحتلة "على طريق تحرير ما بقي من أرضنا اللبنانية المحتلة وتضامناً مع المقاومة الفلسطينية المظفرة والشعب الفلسطيني المجاهد والصابر"، على ما جاء في بيانه. وأشار الحزب إلى أن "المواقع هي الرادار، زبدين، ورويسات العلم، حيث استُهدِفَت بأعدادٍ كبيرة من القذائف المدفعية والصاروخية الموجَّهة، وأصيبت المواقع إصابات مباشرة".
وردّ جيش الاحتلال الإسرائيلي بقصفِ بنى تحتية تابعة لـ"حزب الله" في مزارع شبعا، عبر طائرة مسيّرة، بحسب بيانه، بما في ذلك الخيمة التي كان أقامها الحزب قبل فترةٍ، وأحدثت توترات عدة بين الجانبين، علماً أن الحزب عاد ونصب خيمة جديدة في الموقع نفسه بدلاً من تلك التي دُمِّرت.
رسالة نارية من "حزب الله"
وأشار رئيس المجلس التنفيذي في "حزب الله" هاشم صفي الدين، أمس، في معرض تعليقه على عملية "طوفان الأقصى"، إلى أن "المقاومة أرسلت صباحاً (صباح أمس الأحد) رسالة في كفرشوبا لتقول إن من حقنا أن نستهدف العدو الذي لا يزال يحتل أرضنا، وهذه رسالة يجب أن يتمعّن بها الإسرائيلي جيداً".
مصدر في السفارة الأميركية في بيروت: تداعيات دخول حزب الله في المعركة لن تكون سهلة على لبنان
وأضاف: "هناك رسالة للأميركي والإسرائيلي بأن ما حصل في غزة له خلاصة بأن حماقتكم المتمادية واستخفافكم أوصلا إلى طوفان الأقصى، وإذا تماديتم اليوم فإن ذلك سينتج هذه المرة طوفان كل الأمة وليس الأقصى فقط، وستشهدون طوفان الأمة الذي سيغرق كل الكيان".
وكان النائب في "حزب الله" حسين جشي، قد اعتبر في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أنه "كمقاومة دائماً ما نكون في موقع الدفاع، ومنع الاعتداءات الإسرائيلية، ونحن معنيّون بتحرير أرضنا ومسؤولون عن ذلك، وبالتالي فإن أي تطوّر مرتبطٌ بأداء الإسرائيلي وحماقته".
بدورها، أعربت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا، أمس الأحد، عن قلقها إزاء تبادل إطلاق النار عبر الخط الأزرق (الخط التقني الذي رسمته الأمم المتحدة بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في العام 2000). وأضافت فرونتسكا، عبر منصة "إكس" (تويتر سابقاً)، أن مكتب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان سيواصل، بالتنسيق مع "يونيفيل"، بذل الجهود لحماية أمن لبنان واستقراره. وأشارت إلى أنه من المهم أكثر من أي وقتٍ مضى التزام وقف الأعمال العدائية والتطبيق الكامل للقرار 1701، لحماية لبنان وشعبه من المزيد من التصعيد.
وتستبعد أوساط محلية في لبنان، أن تفتح الجبة الجنوبية، وتتطور المواجهات العسكرية بين "حزب الله" وجيش الاحتلال الإسرائيلي، خصوصاً أن الحزب اختار قصف مواقع إسرائيلية في نقاط لبنانية محتلة وليس داخل فلسطين المحتلة، لإيصال رسالة تضامن مع فلسطين، وبأن هناك أراضي لبنانية لا تزال محتلة. وسبق أن صدرت مواقف من "حزب الله" في أكثر من محطة، بأنه لا يريد حرباً مع إسرائيل وأن أي فعل منه سيكون رد فعل في حال تحرّك الإسرائيلي.