لا شروط تركية للحوار مع دمشق.. والمقداد يحدد المطالب لإعادة العلاقات

24 اغسطس 2022
جندي تركي خلف الحدود مع سورية (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

تؤكد تصريحات المسؤولين الأتراك المتلاحقة منذ فترة، استعداد أنقرة لفتح مسار تقارب مع النظام السوري من دون شروط مسبقة، ما يعد تحوّلاً كبيراً في الرؤية التركية تجاه الملف السوري.

جاووش أوغلو: لا شروط مسبقة للحوار

وفي أحدث تصريح صادر من أنقرة يؤشر إلى هذا التحول، قال وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، أمس الثلاثاء، إنه "لا يمكن أن يكون هناك شرط للحوار لكن ما الهدف من هذه الاتصالات؟ البلاد تحتاج إلى التطهير من الإرهابيين... الناس بحاجة للعودة".

غير أن جاووش أوغلو نفى الأنباء المتداولة (تداولتها مواقع إيرانية خصوصاً) عن لقاء محتمل قد يعقد بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس النظام السوري بشار الأسد، في قمّة منظمة شنغهاي للتعاون المقرر عقدها في سبتمبر/أيلول المقبل، موضحاً أنه "لم يتم التخطيط لاجتماع في شنغهاي مع الحكومة السورية والأسد ليس مدعواً هناك".

وإذ أكد على وجود تواصل بين استخبارات بلاده واستخبارات النظام، شدّد على "ضرورة اتخاذ خطوات من أجل تحقيق سلام دائم (في سورية)، وعدم نظر النظام السوري للمعارضة على أنها تنظيم إرهابي". وأضاف الوزير التركي، بحسب ما نقلت عنه وكالة "الأناضول" التركية الرسمية للأنباء، أن النظام السوري هو "سبب فشل كافة المبادرات السياسية لحل الأزمة في سورية"، مؤكداً أن المسار الوحيد لحل الأزمة في سورية بالنسبة لبلاده "هو المسار السياسي".

جاووش أوغلو، قال أمس، إن بلاده ليس لديها شروط مسبقة للحوار مع النظام

وعكست تصريحات جاووش أوغلو في الآونة الأخيرة، منذ بدء حديثه عن ضرورة "المصالحة" بين النظام والمعارضة السورية، تحولاً لافتاً في موقف أنقرة المعلن تجاه حكومة بشار الأسد، بعد صراع استمر أكثر من عقد، دعمت خلاله تركيا مقاتلي المعارضة الذين يسعون لإطاحة هذا النظام. 

وجاءت تصريحات جاووش أوغلو بعد أيام من تصريحات للرئيس التركي، قال فيها إنه "يتوجب علينا الإقدام على خطوات متقدمة مع سورية، يمكننا من خلالها إفساد العديد من المخططات في هذه المنطقة من العالم الإسلامي". كما أكد أردوغان أول من أمس  خلال حفل تخريج طلاب ضباط وصف ضباط من أكاديمية الدرك وخفر السواحل، أن هدف تركيا هو "إقامة حزام سلام وتعاون" في محيطها بدءاً من "الجيران الأقربين". وتابع أردوغان: "لا نكن العداء لأي بلد، بل إننا نريد إقامة أفضل العلاقات مع كافة البلدان".

وكان جاووش أوغلو كشف أنه أجرى محادثة قصيرة مع وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، على هامش اجتماع حركة عدم الانحياز الذي عقد في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بالعاصمة الصربية بلغراد.

ويبدو أن التوجه التركي الجديد إزاء القضية السورية، دفع وزير خارجية النظام للتوجه الى العاصمة الروسية موسكو، حيث أجرى أمس محادثات مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.

وحول هذه المسألة، قال لافروف إثر اللقاء إن موسكو "تعمل منذ سنوات على تحقيق تقارب بين تركيا وسورية من خلال اجتماعات مسار أستانة" السوري. كما تطرق إلى العملية العسكرية التي تلوّح بها أنقرة في الشمال السوري ضد المسلحين الأكراد، قائلاً إنه "من المهم عدم السماح بعمليات عسكرية جديدة" في المنطقة.

من جهته، "ثمّن" المقداد "دور روسيا وإيران في محاولة إصلاح البين مع تركيا"، مشيراً إلى أن النظام لا يريد أن يضع شروطاً، لكنه تحدث عن "وجود استحقاقات" يتعين تنفيذها مقدمة لإعادة العلاقات إلى ما كانت عليه قبل بدء الأزمة السورية. واعتبر  أن "عدم وجود الاحتلال التركي على ميل واحد من التراب السوري هو الطريق الوحيد لحل الأزمة في البلاد". وأعرب المقداد عن أمل النظام "في أن يتم انسحاب القوات التركية من أراضينا، ويجب أن نتفق على نبذ أشكال الإرهاب". كما رأى أن "على المليشيات الانفصالية المدعومة من واشنطن (في إشارة إلى المسليحن الأكراد) أن تعي أن عليها الوقوف إلى جانب وطنها ومع الجيش العربي السوري للدفاع عن وحدة سورية".

أنقرة والانفتاح على النظام السوري: إضعافٌ للمعارضة

وتعليقاً على الموقف التركي المستجد من العلاقة مع نظام دمشق، اعتبر الباحث السياسي في مركز "الحوار السوري" أحمد القربي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "تصريحات المسؤولين الأتراك تصب في اتجاه الانفتاح على النظام في سورية، لتحقيق أهداف عدة، منها عودة ملايين اللاجئين السوريين من تركيا إلى بلادهم، والقضاء على خطر حزب العمال الكردستاني في شمال شرقي سورية".

ورأى القربي أن الحكومة التركية "تريد من خلال التصريحات إثبات جديتها في فتح حوار مع نظام الأسد، ونقل الكرة إلى ملعب الروس والنظام، من خلال التأكيد على أنها ليست لديها شروط مسبقة لبدء الحوار مع الأسد".

أحمد القربي: نظام الأسد كما تدل المعطيات غير مكترث كثيراً بالتوجه التركي الجديد

وأشار الباحث إلى أن "نظام الأسد كما تدل المعطيات غير مكترث كثيراً بالتوجه التركي الجديد". وبرأيه، فإن "ما يبدو هو أن بشار الأسد لا يريد إعطاء الرئيس التركي هذه الورقة قبيل الانتخابات التركية في منتصف العام المقبل". واعتبر القربي تصريحات جاووش أوغلو أمس، بمثابة "تنازل لمصلحة نظام الأسد والجانب الروسي، وإضعاف لقوى الثورة والمعارضة السورية، باعتبار أن تركيا هي أكبر الداعمين لها".

وقال الباحث إن "عدم وضع شروط للحوار من قبل أنقرة، من قبيل إطلاق سراح معتقلين أو تقديم ضمانات حقيقية لعودة لاجئين ونازحين، ووقف محدد لإطلاق النار، يضعف موقف قوى الثورة والمعارضة السورية".
من جهته، رأى المحلل السياسي رضوان زيادة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "تتابع تصريحات المسؤولين الأتراك يؤكد أن هناك تسارعاً بالخطوات التركية للمصالحة مع النظام السوري تحت تأثير الضغوط الروسية"، لافتاً إلى أن "أنقرة تريد اليوم صفر نزاع مع الجيران".

وشكّك زيادة بجدوى الخطوة التركية تجاه النظام السوري، "فهي تحتاج إلى إعادة رسم للعلاقة ثمنها ملايين المدنيين في شمال سورية، يبدو أن تركيا لم تضعهم في حسبانها أو كيفية التعامل معهم".

ودعا زيادة المعارضة السورية لـ"فتح حوار جدي مع الجانب التركي للنظر في شكل العلاقة التي تربطها معه ولمعرفة موقع المعارضة في هذه السياسة الجديدة". وتابع: "أنقرة انتقلت من المرحلة صفر إلى المرحلة 10 خلال أقل من أسبوع وهذا خلق الكثير من الفوضى والاضطراب في العلاقة بين المعارضة السورية والجانب التركي".

وحول الموقف الأميركي المتوقع من التوجه التركي والذي يصب في اتجاه إعادة تأهيل نظام الأسد، أشار زيادة إلى أن "واشنطن تراقب التصريحات التركية"، معرباً عن اعتقاده بأنه سيكون "هناك موقف رسمي من واشنطن بعد أن تحصل على إيضاحات من الجانب التركي عن طبيعة السياسة الجديدة".

سياسة "صفر مشاكل" معقّدة مع النظام

وعلّق الكاتب التركي فائق بولوط، على التصريحات الرسمية التركية المتكررة، وموضوع الشروط غير المسبقة، قائلاً لـ"العربي الجديد"، إن "تركيا بشكل عام تحاول أن تطبع العلاقات مع دول الجوار كمصر وسورية كما حصل مع السعودية والإمارات ودول أخرى، لكن مع سورية الوضع مختلف، فهناك مشاكل عديدة".

وأوضح أن "سرعة تطبيع العلاقات لها اعتبارات أخرى، لأن الجنود الأتراك موجودون داخل سورية، وهناك دعم تركي وحماية للجيش الوطني والفصائل المسلحة (قوات المعارضة)، وبالتالي فإن دمشق لن تمانع تطبيع العلاقات شريطة أن تنسحب تركيا من الأراضي التي سيطرت عليها خلال السنوات الأخيرة الماضية، والتخلي عن الفصائل المسلحة المعارضة، وإن قامت بتنفيذ هذين الشرطين، يمكن أن تبدأ اللقاءات بين الطرفين".

فائق بولوط: سرعة التطبيع مع النظام صعبة، والمسألة معقدة

ورأى بولوط أن "المسألة مفتوحة حالياً لحصول لقاءات فقط، وهي لقاءات تمهيدية بين البلدين لبحث تفاصيل الأمور، على أن تحصل على مستويات رفيعة في وزارتي الخارجية بمستوى مستشارين مثلاً كما يحصل بين أي بلدين". وذكّر بأن "أجهزة مخابرات البلدين تلتقي منذ سنوات في أماكن مختلفة". وأشار إلى أنه "حتى إن حصلت لقاءات، فإن ذلك لا يعني أن الطرفين سيخرجان بتفاهم أو اتفاقات بل تمهيد الأرضية، لأن الموضوع معقد جداً، وقد يأخذ وقتاً طويلاً".

وشدد الكاتب التركي على أن "التصريحات التركية الرسمية تظهر استعجالاً بالحصول على نجاح معين  في هذا الميدان قبل الانتخابات العامة المقبلة". وبرأيه، فإن "الوجود التركي في المناطق السورية يكلف أنقرة مالياً واقتصادياً وسياسياً، وهي تريد تخفيف هذه التكاليف".

كما رأى أن "موازين القوى في العالم بعد الحرب الروسية الأوكرانية تغيرت"، وأن أنقرة "تشعر بضغوط ومضايقات عليها، وهي ترغب بالتماشي مع المتغيرات". لكنه أضاف أنه "حتى وإن حصلت لقاءات وتفاهمات بين تركيا والنظام، فهناك مشاكل جانبية أخرى معقدة، منها المسألة الكردية، والموقف الأميركي مع اقتراب تركيا من محور إيران وروسيا".

وبحسب الكاتب، فإن هذا التقارب "يزعج واشنطن التي تفرض عقوبات على النظام السوري وفق قانون قيصر"، معتبراً أن "فتح الحدود بين النظام وتركيا للتجارة، وعبور الشاحنات التركية عبر معبر باب الهوى مثلاً، يشكّل بنظر الولايات المتحدة خرقاً للقوانين، ما يجعل مسار أي حوار محتمل يأخذ وقتاً طويلاً". وختم بولوط بالقول إن "الشروط المسبقة هي للحوار بين أجهزة الاستخبارات، فتركيا ليست على حق وفق القوانين الدولية بالتدخل بأراضي دول أخرى، على الرغم من أن لديها حججا محقة".

 

 
 

المساهمون