لم تفلح الجهود الروسية، حتى أمس، في التوصّل إلى حل للأزمة التي تسبب فيها النظام السوري في محافظة درعا جنوب سورية، والتي تزداد تعقيداً مع رفض النظام تقديم أي تنازلات، إذ لا يزال يصرّ على إخضاع أحياء منطقة درعا البلد في مدينة درعا، سلماً باتفاق وفق شروطه، أو حرباً من خلال اقتحام هذه الأحياء، ما يعرّض آلاف المدنيين لعمليات انتقامية واسعة النطاق، والذين تتفاقم أوضاعهم الإنسانية.
وفي السياق، ذكر عماد المسالمة، وهو أحد وجهاء "درعا البلد"، في حديث مع "العربي الجديد"، أمس السبت، أنّ عمليات القصف المدفعي وبقذائف الهاون، واستهداف المساجد في درعا البلد "لم تنقطع من قبل قوات النظام والمليشيات الطائفية"، مشيراً إلى أن "هذه المليشيات تحاول يومياً التسلل إلى داخل أحياء درعا البلد". ويصرّ النظام على فرض السيطرة الكاملة على درعا البلد، وإقامة حواجز فيها، واعتقال من يعتبرهم مطلوبين، وترحيل آخرين، إضافة إلى جمع كل أشكال السلاح من الأهالي.
عمليات القصف على درعا البلد من قبل النظام والمليشيات لم تنقطع
وعلى صعيد التفاوض مع الجانب الروسي الذي يتوسط لحل الأزمة، تحدّث المسالمة عن جولة مفاوضات جديدة، أمس السبت، كما أشار إلى أنه "عقد (أول من أمس) الجمعة اجتماع مع ضابط روسي غير أسد الله (ضابط مسؤول عن ملف جنوب سورية وهو روسي - أوزبكي)، جمع وجهاء وأعيان الريفين الغربي والشرقي في محافظة درعا، إضافة إلى درعا البلد"، لافتاً إلى أنّ "الضابط الروسي الجديد وعد بإيقاف التصعيد". وأكد المسالمة أنّ الروس "يريدون إبرام اتفاق يرضي الطرفين (النظام والأهالي)، ولكن المليشيات الطائفية الإيرانية تفشل كل المحاولات الروسية للتوصل إلى حل". وتابع المسالمة أنّ الأهالي يطالبون الجانب الروسي بـ"تحمّل مسؤولياته، كونه الضامن لكل الاتفاقات التي جرت في جنوب سورية، وأبرزها اتفاقات التسوية في عام 2018 مع النظام".
وأكدت مصادر متعددة لـ"العربي الجديد"، أنّ موسكو استبدلت الضابط المدعو أسد الله، الذي هدد درعا البلد أخيراً بالمليشيات الإيرانية في حال عدم الموافقة على شروط النظام، بضابط آخر، في خطوة يبدو أن الهدف منها التوصل إلى اتفاق يجنّب الجنوب السوري عمليات عسكرية تفضي إلى سيطرة كاملة للنظام والجانب الإيراني على المنطقة.
من جانبه، أشار عضو هيئة التفاوض التابعة للمعارضة السورية، العميد إبراهيم جباوي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "الضغط الدولي والإقليمي على الجانب الروسي، يحول دون سماح موسكو للمليشيات الإيرانية بشنّ عمليات واسعة النطاق في درعا". وأشار الجباوي، وهو من أبناء محافظة درعا، إلى أنّ إيران "تسعى إلى إجراء عملية تغيير ديمغرافي عبر تهجير أهالي درعا"، موضحاً أن "الإيرانيين يدركون أنّ أي تحرّك من دون غطاء جوي روسي لا قيمة له، وأنّ الفرقة الرابعة سُتسحق في حال تقدمها من دون مساندة روسية جوية".
المسالمة: المليشيات الإيرانية تفشل كل المحاولات الروسية للتوصل لحل
في موازاة ذلك، يتفاقم الوضع الإنساني والمعيشي في أحياء درعا البلد، إذ أشار المسالمة، في سياق حديثه مع "العربي الجديد"، إلى أن "أدوية الأمراض المزمنة، ولا سيما السكر والضغط، إضافة إلى حليب الأطفال شبه مفقودة". وأضاف أنّ "المياه مقطوعة منذ 10 أيام، فيما الكهرباء مقطوعة منذ أكثر من 20 يوماً، ومنذ يومين لم يعد هناك طحين للخبز؛ إذ إن هذه المادة لم تدخل درعا البلد منذ 20 يوماً. كما لم نرَ الخضروات منذ أكثر من شهر". وأوضح المسالمة أنه "بقي في أحياء درعا البلد حوالي 10 آلاف مدني، تقطّعت بهم السبل، إذ لا مكان آمناً لديهم يمكن أن يخرجوا إليه". وبحسب مصدر في اللجنة المركزية المفاوضة عن أهالي درعا البلد، فإنّ نحو 80 في المائة من سكان أحياء المنطقة غادروا إلى مناطق أخرى في محافظة درعا، بعد دفع رشاوى لحواجز النظام تصل إلى مليوني ليرة سورية (ما يعادل نحو 800 دولار أميركي).
ودخل الحصار الذي تفرضه قوات النظام والمليشيات التابعة لها على أحياء درعا البلد اليوم يومه الـ45، في ظلّ ما بدا حتى أمس شبه انعدام لفرص التوصل لحل يمكن أن يجنّب من بقي في هذه الأحياء انتهاكات واسعة النطاق من قبل النظام، قد تصل إلى التصفيات الميدانية إلى جانب نهب الممتلكات. وتطلق قوات النظام والأجهزة الأمنية يد عناصرها لارتكاب كل الانتهاكات في المناطق التي تستعيد السيطرة عليها، وهو ما تحاول اللجنة المركزية في درعا تجنبه. لا بل يعدّ هذا الأمر من أولويات هذه اللجنة التي تتحمل وزر التفاوض مع النظام تحت إشراف روسي، في محاولة لمنع قوات النظام والمليشيات الطائفية الاستفراد بآلاف المدنيين العزّل. كما أن من أولويات اللجنة منع الإيرانيين من السيطرة على عموم محافظة درعا، عن طريق الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام بشار الأسد، والتي تحوّلت وفق وقائع ميدانية إلى ذراع برية للإيرانيين في عموم سورية. وترفض اللجنة انتشار حواجز الفرقة الرابعة في أحياء درعا البلد، لأنها تدرك أنها تعرّض حياة الأهالي للخطر في حال موافقتها على ذلك. وتطالب اللجنة بانتشار اللواء الثامن الذي يضم نحو ألفي مقاتل من أبناء الجنوب الروسي يتبعون للجانب الروسي ويقودهم أحمد العودة القيادي السابق في فصائل المعارضة السورية، والذي يتخذ من بلدته بصرى الشام في ريف درعا الشرقي مقراً له. ويلقى هذا الأمر قبولاً لدى الجانب الروسي الذي يريد أن يكون الطرف الأقوى في معادلة الصراع في الجنوب السوري.
نحو 80 في المائة من سكان درعا البلد غادروا إلى مناطق أخرى في محافظة درعا
من جهته، أكد نقيب "المحامين الأحرار" في درعا، سليمان القرفان، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الخيار أمام الأهالي في محافظة درعا في حال عدم التوصل إلى اتفاق وفق شروطهم، هو المقاومة"، مضيفاً: "ستكون معركة كرامة ودفاع عن النفس ضد الإيرانيين والنظام، وأهل درعا كلهم على قلب رجل واحد".
في المقابل، يبدو أن النظام والإيرانيين ليسوا في وارد تقديم تنازلات تمنعهم من فرض السطوة والسيطرة بالقوة، والحصول على نصر "إعلامي" في الجنوب السوري، خصوصاً في محافظة درعا مهد الثورة، التي انطلقت في عام 2011 من الجامع العمري في أحياء درعا البلد محل النزاع اليوم. ومن أولويات النظام الاستيلاء على كل أنواع السلاح في أحياء درعا البلد خصوصاً، وفي محافظة درعا عامةً، وهو ما يرفضه الأهالي الذين يدركون أنهم سيكونون عرضة لعمليات انتقام واسعة النطاق في حال تخليهم عن وسائل الدفاع عن أنفسهم، خصوصاً أنّ النظام لم يلتزم بأي اتفاق أبرمه مع فصائل المعارضة السورية من قبل. وفي هذا السياق، أشار الناشط الإعلامي أحمد المسالمة، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ طلب النظام بتسليم السلاح "مرفوض"، مضيفاً: "هو للدفاع عن النفس في ظلّ الفلتان الأمني الذي يسود محافظة درعا".