خضع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لضغوط شعبية ومن المؤسسة الأمنية، حسب صحيفة "هآرتس"، حتى وافق على صفقة لتحرير جزء من المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزّة مقابل إطلاق سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين، خاصة من النساء والأطفال.
وكانت حكومة نتنياهو قد أوحت في بداية الحرب بأن قضية الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين ليست ضمن أولوياتها، وأن الانتصار يكون بالقضاء على حماس.
وكان للقصف المكثف، الذي استهدف قطاع غزّة منذ بداية الحرب، مؤشرات وكأن الحكومة الإسرائيلية تنازلت عن الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين وأن ما يحرّكها هو دافع الانتقام، على الرغم من تحذيرات المقاومة الفلسطينية المتكررة بأن القصف العنيف قد يصيب أيضاً ويقتل الإسرائيليين المحتجزين، ومع هذا فإن إسرائيل لم تكترث للأمر كثيراً.
لكن المظاهرات التي شهدتها الأيام الأخيرة من قبل عائلات المحتجزين الإسرائيليين والذين بدأت قضيتهم تحظى بدعم جماهيري أيضاً داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي، زادت الضغوط على الحكومة الإسرائيلية، ما جعلها تضع القضية ضمن أولوياتها، خاصة أن بعض أقطاب مجلس الحرب (كابينت الحرب) يؤيدون منح الأولوية لإعادة ما يمكن إعادته من المحتجزين ومن ثم مواصلة الحرب، من بينهم الوزيران بيني غانتس وغادي آيزنكوت، فضلاً عن الدعم الذي يحظى به هذا التوجه من قبل الأجهزة الاستخباراتية والأمنية.
عامل آخر ربما ساهم في دفع نتنياهو والمؤسسة العسكرية نحو الصفقة، هو فشلهما في تقديم أي "إنجاز" حتى الآن للإسرائيليين منذ بداية حرب الإبادة على قطاع غزة. وربما ماطل نتنياهو طيلة الفترة الماضية، في ظل المحاولات الإسرائيلية للتعرف على أماكن تواجد الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين وإعادتهم دون إبرام صفقة وتقديم شيء للمقاومة الفلسطينية، لكن كل المحاولات باءت بالفشل، حتى تلك التي تم القيام بها من خلال مسيّرات أميركية في مرحلة من الحرب.
وشهدت جلسة الحكومة الإسرائيلية، الليلة الماضية، نقاشاً محتدماً بشأن الصفقة، خاصة في ظل المعارضة الكبيرة من قبل حزب "الصهيونية الدينية" بزعامة بتسلئيل سموتريتش، و"القوة اليهودية" بزعامة إيتمار بن غفير.
ولاحقاً وافق سموتريتش وأعضاء حزبه في الصهيونية الدينية على الصفقة بعد معارضتهم لها في حين عارضها حتى النهاية بن غفير والوزراء من حزبه.
وبحسب ما ذكره موقع "والاه" العبري، فإن سبب تراجع سموتريتش وأعضاء حزبه عن معارضة القرار هو اقتناعهم بأن الصفقة تخدم المصالح الإسرائيلية، خاصة بعدما عُرضت عليهم في الجلسة وثيقة تضمنت شرحاً حول التصوّرات الأمنية لإطلاق سراح المحتجزين، وهي التي كانت العامل الأساسي في إقناعهم بالتصويت لمصلحة الصفقة.
سبب تراجع سموتريتش وأعضاء حزبه عن معارضة القرار هو اقتناعهم بأن الصفقة تخدم المصالح الإسرائيلية
ومما كُتب في الوثيقة أنه "بعد تنفيذ المخطط المذكور (أي الصفقة)، ستتواصل العمليات لتحقيق أهداف الحرب وإبادة القدرات والبنى التحتية السلطوية والتنظيمية لحركة حماس والجهاد الإسلامي".
وبحسب بيان صادر عن الحزب، فإن وزراءه اقتنعوا بأن الحديث يدور عن "إنجاز يتماشى مع أهداف الحرب الشاملة ويساهم في تقدّمها ولا يمس بها"، كما اقتنعوا بأن "الثمن الذي ستدفعه إسرائيل مقابل الصفقة منخفض نسبياً بحيث إنها ستقود إلى تحرير العديد من النساء والأولاد"، وأن الحديث يدور عن "عملية ستتم خلال مدة زمنية محدودة وتشمل آليات تطبيق واضحة تمنع المماطلة وبعدها مباشرة يتم تجديد الحرب بإصرار حتى إبادة حماس"، وفق البيان نفسه.
في المقابل، صمم بن غفير على الرافض للصفقة، لكن لن يكون له تأثير عليها. ويشار أيضاً في هذا السياق إلى أن رئيس الحكومة السابق ورئيس المعارضة الحالية يئير لبيد أبدى دعمه للصفقة.
ضغوط على نتنياهو
من جهته، اعتبر المحلل السياسي في صحيفة "هآرتس" يوسي فيرتر، في مقال تحليلي كتبه اليوم الأربعاء، أن "الضغط الشعبي دفع نتنياهو للموافقة على الصفقة التي كان يرفضها حتى اليوم".
وأضاف الكاتب أنه "لا توجد لدى أي قائد أي صلاحية أخلاقية لاتخاذ قرار يبقي المخطوفين في غزّة من أجل التقدّم (في الحرب) بضعة كيلومترات أخرى".
وبحسب الكاتب، فإن الصفقة التي صدّقت عليها الحكومة كانت مطروحة على الطاولة قبل نحو أسبوع مع فروقات بسيطة، وإن نتنياهو احتار بشأنها وقام بتأجيلها.
وأضاف فيرتر أن ما دفع نتنياهو للموافقة، أخيراً على الصفقة، التي كان قد عارضها من قبل، هو الضغط الجماهيري واللقاءات مع عائلات المحتجزين الإسرائيليين وكذلك موقف الجيش وموقف "الشاباك" و"الموساد".
وذكر المحلل السياسي أن هذه ليست المرة الأولى التي يغيّر فيها نتنياهو مواقفه المعلنة، وأنه لم يكن من قبل قد وضع قضية تحرير المحتجزين على رأس أهداف الحرب، ولكن كلما ازداد الضغط (بهذه القضية)، كانوا يتحركوا شيئاً فشيئاً نحوها، حتى بدأت تصريحاته تشمل تحرير المحتجزين إلى جانب القضاء على حماس.