كواليس مؤتمر الحزب الديمقراطي: تهديدات لمنع التعاطف مع غزة

22 اغسطس 2024
مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين في شيكاغو، 20 أغسطس 2024 (فاتح أكطاش/الأناضول)
+ الخط -

عادت مدينة شيكاغو، في ولاية إيلينوي الأميركية، أول من أمس الثلاثاء، عقوداً طويلة إلى الوراء، واستحضرت في مشهد نادر روح عام 1968، وما شهدته المدينة تحديداً من احتجاجات عارمة على حرب فيتنام خلال مؤتمر الحزب الديمقراطي العام، وهذه المرّة استكمالاً للحراك الشعبي القائم في الولايات المتحدة رفضاً للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. ويمكن القول إن هذه الاحتجاجات، التي بلغت الثلاثاء يومها الثالث، تزامناً أيضاً مع انعقاد المؤتمر الوطني العام للحزب الديمقراطي في شيكاغو، الذي يتوّج هذا العام نائبة الرئيس جو بايدن، كامالا هاريس، مرشحة الحزب للرئاسة، وتعامل الشرطة الأميركية العنفي والقاسي معها، خيّمت على فعاليات المؤتمر وتكاد تنغص على الحزب احتفاليته بتتويج هاريس، ما حداه إلى توجيه تهديدات للناشطين دعماً لغزة.  

الحزب الديمقراطي يلاحق الناشطين

بانتظار اليوم الخميس، الذي يفترض أن ينظم فيه الناشطون من أجل وقف الحرب على غزة تظاهرة ضخمة تزامناً مع إلقاء هاريس كلمتها خلال المؤتمر، والتي ستعلن فيها قبولها لترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة، شهدت شوارع مدينة شيكاغو عمليات كرّ وفرّ بين المتظاهرين الداعمين لفلسطين، ورجال الشرطة، الذين انتشروا بكثافة أمام مقر المؤتمر وفي شوارع المدينة، مع تسجيل حالات اعتقال لعدد من الناشطين، وتوجيه تهديدات لمنظمين، على غرار تلك التي وجّهت للناشطين من طلّاب الجامعات خلال حراك الجامعات العام الحالي خلال الموسم الدراسي.

قام متظاهرون بإحراق العلم الإسرائيلي أمام القنصلية الإسرائيلية في شيكاغو

وحاصرت الآلاف من قوات الشرطة، أول من أمس، مجموعة من المتظاهرين يقدّر عددهم بمائة متظاهر، حاولوا اقتحام مقر المؤتمر، رافعين لافتات على غرار: "لنجعل ما نفعله عظيماً مثل 1968"، و"سنوقف ونعطل المؤتمر الوطني الديمقراطي من أجل غزة"، و"سنُحضر الحرب هنا"، و"لا لمؤتمر الإبادة الجماعية في شيكاغو". وقام متظاهرون آخرون أيضاً بإحراق العلم الإسرائيلي أمام القنصلية الإسرائيلية في المدينة، وهو ما تعاملت معه أيضاً قوات الشرطة بعنف، حيث تمّت محاصرتهم من كل الجوانب قبل أن تبدأ بالقبض على معظمهم، والذي طاول أيضاً الصحافيين.

ويتوقع أن تشهد مدينة شيكاغو اليوم الخميس، أكبر تظاهرة احتجاجية على هامش مؤتمر الحزب الديمقراطي تزامناً مع كلمة هاريس المرتقبة، ويتوقع أن يشارك فيها عشرات الآلاف من الناشطين للمطالبة من أجل وقف تمويل إسرائيل ووقف الإبادة في غزة.

في الأثناء، يكثّف الناشطون الضغط على حملة هاريس الانتخابية. وفي هذا السياق، كشفت مصادر داخل الحزب الديمقراطي، أنه إلى جانب حملة "غير ملتزم" التي ارتفع عدد مندوبيها إلى 36 عضواً، فإن أكثر من 200 مندوب من حملة هاريس ينشطون من أجل الضغط لوقف النار في غزة. والمندوبون هم الذين يتم انتخابهم خلال الانتخابات التمهيدية، ويصل عددهم إلى 3979 مندوباً بالإضافة إلى المندوبين الكبار، وهم الذين يصوتون عادة في المؤتمر الوطني الديمقراطي لاختيار المرشح الرئاسي. واختار عدد من الناخبين الديمقراطيين في أنحاء البلاد عدم التصويت لأي مرشح في الانتخابات التمهيدية مع التصويت بـ"غير ملتزم"، وهؤلاء ارتفع عددهم إلى 36.

وكشف أحد المندوبين في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، أن قيادات في الحزب طالبوهم بعدم المشاركة في الدعوات التي تنادي بالاعتراض علناً على سياسات الديمقراطيين تجاه الحرب، وأنهم تلقوا تهديدات بحرمانهم من الحصول على مناصب قيادية في المستقبل في حال المشاركة بالاعتراض.

صورة زائفة للوحدة

أكد المندوب الرسمي داخل الحزب ليانو شارون، وهو يهودي وعضو بحملة "غير ملتزم"، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، أن زملاء له يشاركونه التعاطف والتشجيع على الضغط من أجل وقف الحرب، ولكن في الوقت ذاته يخافون من المشاركة في الحراك بسبب "تهديدات" بحرمانهم من مناصب مستقبلية. وقال: "أكثر من شخص جاء وقال لي شكرا جزيلاً لما تفعله ونحن سعداء لأنك تفعل ذلك، وتم إبلاغي من قبل أكثر من شخص بأنهم تلقوا تهديدات، لذا لا يرغبون في خسارة فرصهم المستقبلية، وذلك من أجل إظهار حالة الوحدة (داخل الحزب)".

ارتفع عدد المندوبين "غير الملتزمين" إلى 36، ويضغط 200 مندوب بالحزب لوقف الحرب

وانتقد شارون سلوك الحزب الديمقراطي هذا، معتبراً أنه "لا يمثل الديمقراطية". وأضاف: "ليست هذه الطريقة التي يجب أن نمارس بها ديمقراطيتنا، ويجب على الحزب التوقف عن هذا النوع من السلوك الذي لا يليق به، فنحن نفتخر بأننا حزب متنوع وعلى المؤسسة الاستماع إلى المشكلات وحلّها بدلاً من التهديد".

كما كشف المندوبون الثلاثة الذين رفعوا لافتة "أوقفوا تمويل إسرائيل" خلال كلمة الرئيس جو بايدن، الاثنين الماضي، وهم نادية أحمد وعصام برعي وليانو شارون، لـ"العربي الجديد"، تفاصيل الاعتداء عليهم داخل القاعة الرئيسة أثناء كلمة بايدن، وتفاصيل طردهم إلى خارج القاعة وخارج مقر المؤتمر الوطني الديمقراطي بأكمله من قبل الشرطة بسبب "اللافتة". وقالت أحمد، إنه تم الاعتداء عليها من قبل زملاء لها بالضرب على رأسها. وقال برعي إنه تم إلقاء اللافتات في وجوههم، وتوجيه السباب لهم، وأكد أنه تمّ منعه من دخول القاعة الرئيسية حاملاً العلم الفلسطيني، بل تمّ اصطحابه إلى الخارج رغم أنه مندوب رئيسي في الحزب.

ورغم الصورة التي يسعى الحزب إلى تظهيرها ويتم إخراجها لتصوير حالة اتحاد خلف هاريس، إلا أن النقاشات المتواصلة والشعارات التي يرفعها ضيوف ومتظاهرون ومندوبون موجودون في المؤتمر، تكشف حالة الانقسام الكبيرة والقلق الداخلي بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة. وكشفت مندوبة طلبت عدم ذكر اسمها أنهم يمارسون ضغوطاً على المسؤولين في مدنهم وولاياتهم من أجل وقف النار ووقف تمويل إسرائيل، لكن لا يتم الاستماع إليهم من قبل القيادات في الحزب بواشنطن.

تمّ تهديد مندوبين وناشطين بخسارة فرص الحصول على مناصب عليا في المستقبل داخل الحزب

إلى ذلك، شهدت كلمة الرئيس الأسبق باراك أوباما، أول من أمس، قيام ناشطين من منظمة كود بينك (حركة ضد الحروب وتدعو للسلام) برفع لافتة "فلسطين حرة" داخل القاعة، قبل أن يتم تحذيرهم بالطرد.

واعتبرت حملة "غير ملتزم"، خلال مؤتمر صحافي، ضمن فعاليات المؤتمر، أن "الرئيس (الأميركي جو بايدن) يكذب علينا، ونقول له توقف عن الكذب علينا نحن الديمقراطيين". وقال المندوب في المؤتمر، وعضو الحملة، عباس علوية، إن بايدن تحدث عن وقف النار، وعن زيادة المساعدات الإنسانية، وقوبل بالتصفيق، ولكن الأطباء يقولون إن المساعدات لا تدخل من الأساس وإن هذا حديث سياسي. وأضاف: "لن يحدث وقف إطلاق النار، ونحن المندوبين غير الملتزمين، لو التقينا الرئيس، سننظر في عينيه ونقول: أنت تكذب علينا وترسل المزيد من القنابل التي تفجر الأطفال إلى مليون قطعة صغيرة". وتابع: "لدينا مطالب من نائبة الرئيس هاريس، ولكن لا نريد الانتظار حتى 21 يناير/ كانون الثاني (تاريخ انتهاء ولاية بايدن) حتى يتوقف القتل، لذا فإن السؤال للرئيس بايدن: هل هذا ما تريد أن يكون آخر أعمالك؟".

المساهمون