لم يكن أمام عدد من شبان مخيم عقبة جبر، جنوبي مدينة أريحا، شرقي الضفة الغربية، سوى الانتصار لأبناء شعبهم، في ظل ما يرونه من مشاهد جرائم الاحتلال الإسرائيلي التي باتت شبه يومية، فأسسوا مجموعة مسلحة أطلقوا عليها اسم "كتيبة مخيم عقبة جبر"، وكان ردهم بعملية إطلاق نار فدائية على مطعم للمستوطنين قرب أريحا قبل نحو 12 يوماً، لكن الاحتلال لاحقهم مدة 10 أيام حتى تمكن من اغتيالهم.
على حب الشهادة والمقاومة تعاهد أولئك الشبان الذين كانت غالبيتهم من عائلة عوضات، التي فقدت 4 من أفرادها خلال الاشتباك المسلح الذي وقع أول من أمس الإثنين؛ فبالإضافة إلى الشقيقين رأفت وإبراهيم وائل عوضات، استشهد كل من أدهم مجدي عوضات، وثائر عوضات، كما استشهد صديقهم مالك لافي.
قوات الاحتلال لاحقت أبناء "الكتيبة" الصديقين رأفت عوضات، ومالك لافي، منذ 28 يناير/ كانون الثاني الماضي، عقب تنفيذهما عملية إطلاق النار على مطعم للمستوطنين عند مفترق مستوطنة "ألموغ" على أراضي مدينة أريحا، دون وقوع إصابات. لكن المفاجأة كانت بعد ثمانية أيام من المطاردة، عند اقتحام الاحتلال مخيم عقبة جبر، بوجود عدد أكبر من المقاومين الذين تصدوا للاقتحام، وظهورهم بشوارع المخيم واضعين على جباههم ما يدل على انتمائهم لـ"كتائب القسام" الجناح العسكري لحركة حماس، بظهور علني للحركة يعد الأول من نوعه في أريحا منذ سنوات طويلة.
لنحو ست ساعات متواصلة عاش الفلسطينيون حالة من التشويش والغموض الذي اكتنف هوية الشهداء الخمسة الذين قتلتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي فجر السادس من الشهر الجاري، ثم احتجزت جثامينهم، ولم تفصح عن هويتهم، حتى تبينت هوية الشهداء أبناء العمومة والأصدقاء بعد نحو 7 ساعات.
في مخيم عقبة جبر عاش الشهداء الخمسة، وتلقوا تعليمهم بمدارس وكالة الغوث للاجئين الفلسطينيين، وتعرف عنهم علاقاتهم المميزة مع الأهالي هناك، وحبهم للمقاومة ودعمهم لها، أكبرهم الشهيد ثائر عوضات (29 عاماً)، وهو متزوج وأب لـ4 أطفال، والذي أكدت "سرايا القدس"، الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي، أنه أحد قادتها ومؤسس "كتيبة مخيم عقبة جبر"، والذي استشهد برفقة رفاقه في "كتائب القسام".
وأعلنت "سرايا القدس"، الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي، مساء أمس الثلاثاء، ارتقاء مؤسس "كتيبة مخيم جبر عقبة" في أريحا، الشهيد ثائر خالد عوضات مقيطي، خلال اشتباك مسلح برفقة ثلة من مقاتلي كتائب الشهيد عز الدين القسام، أثناء تصديهم لقوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر الإثنين، ما يعني أنّ الكتيبة التي أسستها "سرايا القدس" كان فيها مقاومون من "الجهاد الإسلامي" و"حماس".
ولم يصل ثائر عوضات إلى مرحلة الثانوية العامة، وانخرط في سوق العمل مبكراً، وكان يدير مرزعة لتربية الدواجن، لكنه فضّل الانضمام للمقاومة، ومواجهة الاحتلال، وهو الذي اعتقل مرتين ولفترات قصيرة في سجون الاحتلال الإسرائيلي، كما اعتقل أكثر من مرة لدى الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية.
أما الشهيد إبراهيم عوضات (28 عاماً) فقد نشأ في أسرة بسيطة، ونال علامات متقدمة في دراسته، أهّلته لدراسة تخصص العلاج الطبيعي والتخدير، لكنه لم يجد وظيفة مناسبة، فعمل مع والده، ولاحقاً اشترك مع شقيقه الشهيد رأفت في بيع خزانات المياه، ولم يعرف عن إبراهيم انخراطه في العمل السياسي، لكنه من المناصرين لحركة حماس.
أصغر الشهداء هو رأفت، الذي رأى النور عام 2001، وهو الذي قاد المركبة التي استخدمت خلال العملية الفدائية. كان قد درس هندسة الإلكترونيات، ولم يعمل بها، بل انضم إلى شقيقه في بيع خزانات المياه، فيما عرفت عنه شجاعته وإقدامه، وشخصيته جعلته قائداً للخلية المسلحة الأولى في أريحا، والتي ضخت الدماء في جسد هذه المدينة التي تعد الأكثر هدوءاً في الضفة الغربية.
يقول والدهما، وائل عوضات، لـ"العربي الجديد"، إنه فوجئ بخبر على وسائل الإعلام العبرية عما يجري، مرجحاً أنّ استهداف نجليه رأفت وإبراهيم ورفاقهما ما هو إلا عملية اغتيال وكمين: "لقد كان بالإمكان اعتقالهم، لكن الاحتلال أراد اغتيالهم"، فمنذ ملاحقتهم بعد عملية إطلاق النار نفذت قوات الاحتلال ما سماها 15 محاولة إنزال للوصول إليهم، لكنها فشلت.
ويضيف والد الشهيدين أنّ نجليه اعتقلا سابقاً لدى أجهزة الأمن الفلسطينية بسبب انتمائهما لحركة حماس، ويؤكد تأثرهما باعتداءات الاحتلال، ككل الشباب الفلسطيني قائلاً: "رأيا كيف يقتل الاحتلال البنات والرجال والنساء والأطفال لم يحتملا ذلك، كغيرهما من الفلسطينيين".
ويتابع والد الشهيدين "هما امتلكا الرجولة، لو لم يكونا رجلين لما أقدما على ما أقدما عليه، كان بإمكانهما مثلاً التعبير بالقلم أو اللسان فقط، لكن روحهما النضالية كانت مرتفعة جداً".
لا يعرف وائل الكثير عن طبيعة الاشتباك الذي جرى بين نجليه وباقي الشهداء وقوات الاحتلال، وقال: "لقد رفضت الذهاب إلى مكان اغتيالهم، لأنهم أبطال بنظري وأريد أن تبقى صورتهم كما هي في مخيلتي".
يؤكد والدهما أنّ ولديه درسا بالجامعات والكليات وأنهيا دراستهما، إذ تخرج إبراهيم في كلية العلاج الطبيعي، وبذات الوقت يعمل مدرباً للسياقة، فيما درس رأفت هندسة الإلكترونيات، و"هما يعملان ووضعهما المادي جيد جداً، لكن ما يفعله الاحتلال كل يوم في القدس وجنين ونابلس ورام الله وعلى الحواجز يدفع أي إنسان إلى فعل شيء ما".
أما الشهيد مالك لافي (الذي نفذ مع رأفت عملية إطلاق النار على المطعم)، حسب الصور التي نشرها الاحتلال للشهيدين داخل السيارة بواسطة كاميراته المنتشرة في كل مكان، فقد تعرض للملاحقة من الأجهزة الأمنية الفلسطينية أكثر من مرة بسبب تأييده المقاومة عبر منشوراته على "فيسبوك"، بحسب أصدقائه.
والشهيد لافي من مواليد عام 2000، وتعرض منزل عائلته للمداهمة من الاحتلال الإسرائيلي، واعتقل شقيقه معاذ للضغط عليه لتسليم نفسه ضمن حملة الاعتقالات التي شنها الاحتلال ضد العشرات من المخيم في الأيام الماضية؛ ومالك لم يكمل تعليمه الثانوي، وانتقل مباشرة إلى سوق العمل ليعيل أسرته.
وللشهيد لافي قصة، فقد أصيب بكسر في الحوض أثناء مطاردة الأجهزة الأمنية الفلسطينية لسيارة كان يستقلها برفقة مجموعة من الشبان كان من بينهم الشاب أمير اللداوي بسبب رفعهم رايةً خضراء أثناء استقبال الأسير المحرر القيادي في "حماس" شاكر عمارة، في ديسمبر/ كانون الأول 2021، والذي اعتقله الاحتلال مجدداً في يوم استشهاد أبناء "كتيبة مخيم عقبة جبر" الخمسة.
وأدت الملاحقة حينها إلى انقلاب السيارة خلال عملية المطاردة، ما نتجت عنه وفاة الشاب اللداوي وإصابة لافي، وقد مكث في المستشفى عدة أسابيع، ومنذ ذلك الحين وهو يتعرض للملاحقة والاستدعاءات من أجهزة الأمن الفلسطينية.
أما الشهيد أدهم عوضات من مواليد عام 2000، فكان يعمل في التمديدات الكهربائية للمنازل، ولم يسبق له الاعتقال لدى الاحتلال أو السلطة الفلسطينية.
وجاءت عملية اغتيال الشبان الخمسة بعد 10 أيام من حصار أريحا ومخيم عقبة جبر (11 ألف نسمة) تحديداً، إذ شل الاحتلال المدينة بالكامل ومؤسساتها، واقتحم المخيم أكثر من مرة وعاث به دماراً، لكن بعد اغتيالهم رفع الحصار عن أريحا.