تواجه حكومة "طالبان" في أفغانستان ضغوطاً داخلية وخارجية جمّة، فالشعب الأفغاني غير راضٍ عن سياساتها، ومعظم كوادر مؤسسات الدولة قد هربوا من البلاد أو ينتظرون فرصة للهروب، في ظل وضع معيشي متردٍّ وبطالة مستشرية. دولياً، لم تعترف أي دولة بحكومة "طالبان" بعد مضي أكثر من تسعة أشهر على سيطرة الحركة على كابول، كذلك لم تعد علاقات الحركة جيدة حتى مع الدول الصديقة لها، كدولتي تركيا وباكستان. الأخيرة بالتحديد مستاءة جداً من تعامل الحركة، وخصوصاً في ما يتعلق بملف "طالبان" الباكستانية والانفصاليين البلوش والوضع على الحدود، لتبرز ضغوط باكستانية على الحركة الأفغانية لإرغامها على الإقدام على ما تتطلع إليه إسلام أباد.
وتلك الضغوط تتمثل بهجمات صاروخية وعبر الطائرات على المناطق الحدودية الأفغانية، وفرض قيود جديدة على الحدود، ومنع قياديي الحركة من نقل أسرهم من باكستان إلى أفغانستان.
وساطة بين إسلام أباد و"طالبان" الباكستانية
في المقابل، رفضت "طالبان" اتخاذ أي خطوة ضد الحركة الباكستانية بعدما بات للحركتين علاقات جيدة ووطيدة على مدى العقدين الماضيين. لكنها لجأت أخيراً إلى عقد حوار مباشر بين إسلام أباد وحركة "طالبان" الباكستانية، علّ ذلك يخفف الضغط عنها.
المفاوضات عقدت في أحد فنادق العاصمة كابول بواسطة وزير الداخلية الأفغاني وزعيم شبكة حقاني، الملا سراج الدين حقاني، المعروف بعلاقاته الجيدة مع باكستان.
غير أن هذه الاجتماعات، التي استمرت لأيام، لم تسفر عن نتائج تتطلع إليها إسلام أباد، التي كانت ترغب في الوصول إلى حل شامل، أو على الأقل وضع آلية شاملة للمضي قدماً في الحوار المثمر، كما يقول مصدر في حكومة كابول، لـ"العربي الجديد".
الاجتماعات التي استمرت لأيام لم تسفر عن نتائج تتطلع لها إسلام أباد
وافقت "طالبان" الباكستانية على وقف إطلاق النار خلال أيام عيد الفطر (مطلع مايو/أيار الحالي) فقط، ثم امتدت تلك الفترة إلى 15 مايو. وأخيراً وافقت الحركة على أن تكون مدة وقف إطلاق النار حتى نهاية الشهر الحالي، وذلك مقابل إفراج الحكومة الباكستانية عن قياديين مهمين في الحركة نُقلا إلى كابول وسُلِّما لوفد "طالبان" هناك، ما يعتبر نجاحاً كبيراً للحركة مقابل التنازل عن لا شيء.
والقياديان هما مسلم خان الذي كان يقود مسلحي "طالبان" في وادي سوات شمال غربيّ باكستان، قبل أن يصبح المتحدث باسم الحركة، وهو أحد المقربين من زعيم الحركة السابق الملا فضل الله. أما القيادي الثاني، فهو محمود خان. ولا توجد كثير التفاصيل عن شخصية الأخير، غير أنه يعتبر من القادة الميدانيين المشهورين في الحركة.
وكانت الحكومة الباكستانية ترغب في تسليمهما لـ"طالبان" في أي منطقة باكستانية، لكن طالبان الباكستانية أصرت على تسليمهما في أفغانستان، وهو ما حصل.
وفي السياق، قال المتحدث باسم "طالبان" أفغانستان، بلال كريمي لـ"العربي الجديد": "إننا نحاول أن تصل المفاوضات بين الحكومة الباكستانية وطالبان (باكستان) إلى نتيجة مثمرة، وسيكون لذلك آثار جيدة على المنطقة بأسرها، كما نطلب من الطرفين التنازل والمرونة في موقفيهما، فذلك في مصلحتهما".
لكن كريمي لم يتحدث عن شروط الطرفين أو عن الخطة المستقبلية، إن تم التوافق عليها، كما لم يرد شيء من ذلك في بيان نائب وزير الإعلام الأفغاني ذبيح الله مجاهد، الذي جاء عقب انتهاء المفاوضات بين الطرفين في 18 مايو.
ارتفاع وتيرة هجمات "طالبان" الباكستانية
وجاءت وساطة كابول بين إسلام أباد و"طالبان" الباكستانية، بعد أن ارتفعت وتيرة الهجمات الدامية في الساحة الباكستانية، ومعظمها تبنتها "طالبان" الباكستانية والحركات الانفصالية البلوشية (التي لا تزال لها مخابئ آمنة في أفغانستان، وفق السلطات الباكستانية).
وفي السياق، قال معهد السلام في إسلام أباد، إنه منذ وصول "طالبان" إلى سدة الحكم في أفغانستان، ارتفعت وتيرة الهجمات في باكستان بنسبة 50 في المائة، وذلك على عكس ما كان يتوقعه صنّاع القرار في إسلام أباد.
منذ وصول "طالبان" إلى الحكم في أفغانستان، ارتفعت وتيرة الهجمات في باكستان بنسبة 50 في المائة
وأكد المعهد أنه منذ سبتمبر/أيلول الماضي حتى منتصف مايو الحالي، قُتل 170 من رجال الأمن والشرطة، بينما قتل 110 مدنيين في هجمات دامية شهدتها مختلف مناطق باكستان.
وكانت باكستان تتوقع من حركة "طالبان" الأفغانية أن تتخذ خطوات سريعة ضد "طالبان" الباكستانية التي لا تزال مراكزها موجودة في شرق أفغانستان وجنوبها، وكذا الحركات الانفصالية البلوشية التي لها عشرات المنازل في قندهار ومناطق أخرى. لكن الحركة رفضت ذلك، وقالت إن الملف الأمني الباكستاني ملف داخلي لباكستان، غير أنها لن تسمح لأحد باستخدام أراضيها ضد أي دولة.
موقف كابول بشأن "طالبان" باكستان يدفع إسلام أباد إلى التصعيد
ودفع موقف كابول، إسلام أباد إلى شنّ عمليات على مسلحي "طالبان" الباكستانية داخل الأراضي الأفغانية عبر الهجمات الصاروخية وشنّ غارات بطائرات حربية (وقعت في شهر إبريل/نيسان الماضي، وأدت إلى مقتل 40 لاجئاً من وزيرستان الأفغانية).
لكن كابول لم تصمت عن ذلك، وقالت إنه في المرة المقبلة إذا حدث انتهاك للحدود الأفغانية، سيكون الرد قاسياً وعلى غير ما تتوقعه إسلام أباد. وكان موقف وزير الدفاع الأفغاني الملا يعقوب، وهو نجل مؤسس حركة طالبان، الملا عمر، وذو النفوذ القوي في الحركة وداخل القبائل، أشد في هذا الصدد، إذ أكد أنه "لن نتسامح مع أي غزو من جيراننا".
ولم تكتف إسلام أباد بذلك فقط، بل لجأت إلى فرض قيود على الحدود، مثل منع دخول الفواكه الأفغانية المختلفة إلى الأراضي الباكستانية، بحجة أنها تضر بقيمة الروبية الباكستانية مقابل الدولار، علماً أن ذلك يأتي بهدف ممارسة الضغط على "طالبان" أفغانستان. ومنعت السلطات الباكستانية قادة حركة طالبان الأفغانية (أعداد كبيرة منهم يعيشون في باكستان) من نقل ذويهم وأسرهم إلى أفغانستان. وكانت الحركة قد أمرت قيادييها جميعاً بنقل أسرهم إلى أفغانستان بعد عيد الفطر.
بعض فصائل "طالبان" الباكستانية غير راضية عن الحوار مع إسلام أباد
أعمال عنف متواصلة في باكستان
وعلى الرغم من عقد المفاوضات، وإبرام اتفاق وقف إطلاق النار بين إسلام أباد و"طالبان" باكستان، إلا أن الساحة الباكستانية لا تزال تشهد أعمال عنف.
ففي 18 من الشهر الحالي، تعرضت سيارة للاستخبارات الباكستانية لهجوم مسلح في مدينة بشاور مركز إقليم خيبربختونخوا شمال غرب باكستان، ما أدى إلى مقتل ضابط وإصابة اثنين آخرين بجراح، بينما لاذ المهاجمون بالفرار. ووقع الهجوم في سوق سركي المكتظ بالناس وفي وضح النهار.
كذلك قُتل في 19 مايو أحد ضباط الشرطة، ويدعى شكيل خان، وهو مسؤول أمني في مدينة بشاور، في هجوم مسلح في منطقة شمكني. وجاء ذلك بعد انفجار في مدينة كراتشي في 12 مايو الحالي، أدى إلى مقتل شخص واحد وإصابة 12 آخرين بجراح.
وأعلنت الاستخبارات الباكستانية في 18 مايو الحالي، اعتقال امرأة تدعى نورجهان في منطقة تربت بإقليم بلوشستان، كانت تريد استهداف صينيين في إطار عملية انتحارية.
كل تلك الهجمات تشير إلى استمرار أنشطة أحزاب مسلحة أخرى غير "طالبان" الباكستانية، وعلى رأسها الحركات الانفصالية البلوشية وتنظيم "داعش".
وبعض فصائل "طالبان" الباكستانية غير راضية عن الحوار مع إسلام أباد، وهي لا تزال خارج نطاق هذا الحوار الذي يعقد بواسطة كابول، كما يقول مصدر في الحكومة الأفغانية لـ"العربي الجديد".
قيادي في "طالبان": الاستخبارات الباكستانية تساند تنظيمات من أجل الضغط على كابول
هجمات على "طالبان"
على الضفة الأخرى، ازدادت الهجمات على حركة "طالبان" الأفغانية في شرق وجنوب أفغانستان، أي في المناطق الحدودية مع باكستان، وتبناها تنظيم جديد يسمي نفسه "الجبهة الإسلامية والوطنية"، ذلك عدا عن الهجمات التي ينفذها تنظيم "داعش" أو "جبهة المقاومة في بانشير".
وقد ضبطت الاستخبارات الأفغانية (استخبارات طالبان) مرات عدة في الأسابيع الأخيرة، حافلات محملة بالمتفجرات كانت تعبر الأراضي الباكستانية إلى الأراضي الأفغانية. واكتفت الاستخبارات الأفغانية بالقول، في بيانات لها، إنّ تلك المتفجرات كانت تأتي من دولة مجاورة من أجل استخدامها في أعمال إرهابية.
لكنّ قيادياً في "طالبان" رفض الكشف عن هويته، قال لـ"العربي الجديد" إنّ "الاستخبارات الباكستانية تساند تلك التنظيمات من أجل الضغط على طالبان"، وإن العديد ممن اعتُقلوا في شرق أفغانستان من مسلحين تابعين لتنظيم داعش "اعترفوا بأن لديهم أماكن إيواء في باكستان وهم يحصلون على دعم منها".
وأشار إلى أنّ "القوات الأفغانية عندما ضيّقت الخناق على مسلحي "داعش" في ولاية ننغرهار الشرقية، فرّ هؤلاء إلى باكستان مع أسرهم، وهناك لاقوا ترحيباً، ولا يزالون ينفذون الهجمات في أفغانستان".