قيم أوروبية نازفة

17 نوفمبر 2023
تكشف الشوارع الغربية نفاق ساستهم حين تهتف لحرية فلسطين (Getty)
+ الخط -

يتصرف بعض ساسة الغرب في صمتهم ودعمهم جرائم الحرب المرتكبة بحق الفلسطينيين اليوم، وكأن الناس يعيشون زمن الفاكس والبرقيات وصور الأسود والأبيض. كذبة البيت الأبيض، ومعه تيار أوروبي، عن أن المستهدف ليس الشعب الفلسطيني، زاد وقاحتها التشكيك في أرقام الضحايا وحجم التدمير، وفي عمليات الإعدام الميداني، واستهداف المستشفيات ومنع دخول الوقود وما يحتاجه الناس للبقاء، وقبول التضليل الصهيوني بدون تمحيص.

هنا يبرز موقف بعض يسار الوسط الألماني والدنماركي، كنموذجين للمفاضلة بين دماء ودماء، وبما يسيء لمعاني "القيم والمبادئ". فحين يبرز المستشار الألماني أولاف شولتز كجنرال احتياط في جيش الاحتلال، رافضاً بوقاحة وقف إطلاق النار في غزة، ومثله من المعسكر نفسه رئيسة الوزراء الدنماركية ميتا فريدركسن، ففي ذلك أيضاً تحطيم لصورة وسردية المفاضلة، من بين أشياء أخرى كثيرة، بين نموذج ليبرالي غربي وآخر شرقي.

مع ذلك، في الغرب نفسه، حتى أقل الناس معرفة بتفاصيل 75 عاماً من معاناة الفلسطينيين، بات الملايين يتململون من هذه الاستعلائية المستجلبة من باطن عقلية استعمارية، وفي بعضها يُسمح بتوافد مرتزقة لمساندة الاحتلال في قتل الفلسطينيين، بحجج أكثر وقاحة من اعتبار دولة الأبرتهايد الصهيونية جزءاً من القيم الغربية.

تكشف الشوارع الغربية نفاق بعض ساستهم حين تهتف لحرية فلسطين من النهر إلى البحر، ليس من منطلق الإحباط، بل لوعي أكثر حيال عدالة قضية فلسطين وربطها بالقضايا العالمية، بما فيها قضايا السكان الأصليين، كما جاء في بيان لنحو 400 باحث وأكاديمي في دول الشمال واسكندنافيا، كصفعة أخلاقية لفريدركسن.

ففريدركسن تصمت عن المؤسسات الصهيونية في كوبنهاغن والتي تسمي الضفة الغربية المحتلة باسمها العبري "يهودا والسامرة"، وتعتبر أنه "لا يجوز لإسرائيل التنازل عن السيادة عليها"، داعية إلى تطهير عرقي وطرد الفلسطينيين، بينما تطالب بمحاكم تفتيش عن نوايا وأفكار المتظاهرين، بحجج أسخف من أنهم "لم يتبنوا القيم الدنماركية". القيم التي فُضحت في دعم جيش احتلال يرتكب مذابح وتطهيراً عرقياً وإبادة، بشهادة حقوقيين وقانونيين دوليين من بلدها والغرب.

بالطبع لا نعيش عصر الكذبة التي أسست لمذابح النكبة عن "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض". والغرب اليوم على مفترق طرق بين ما تجره سياسات تبنّي الجرائم الصهيونية على مصالحه المستقبلية، والتي تقرأ بخزي وعار لون وجنس الضحايا على أساس "إنهم يشبهوننا"، وتلك القيم الحقيقية للآباء المؤسسين، سواء في أوروبا أو في أميركا. والقيم العالمية هي ما تحرك الأجيال الجديدة في الغرب، الرافضة كل اضطهاد وقتل مسنود باسم قيم أخرى، يرون أنها لا تشبههم.