قطاع غزة والحياة تحت جهاز التنفس الاصطناعي

28 اغسطس 2022
طفل في خيمة مؤقتة في خان يونس بعد أن دمرت الهجمات الإسرائيلية منزله (عبد زقوط/الأناضول)
+ الخط -

بدأت تحولات القضية الفلسطينية الدراماتيكية منذ اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، بعد تعنت إسرائيل في الالتزام باتفاقات التسوية السياسية، ورفضها تقديم استحقاقات الشعب الفلسطيني، التي أطلق عليها قضايا الحل النهائي. من دون سابق إنذار، تحوّل الشارع الفلسطيني، إلى مقاوم يدافع عن وجوده، رداً على الاجتياحات والقصف الإسرائيلي، عندها سطّر المواطن الفلسطيني ملاحم بطولية تعبّر عن تمسكه بالأرض.

يعيش الفلسطيني حياته بكل تفاصيلها الصعبة تحت الاحتلال، على الرغم من التحول المتسارع، من التسوية إلى الانتفاضة، وعلى الرغم من فشل جميع محاولات إعادة إحياء عملية التسوية. ليس هذا فحسب، بل كانت تلك المحاولات على حساب الفلسطينيين، من خلال طرح حلول جديدة تتماشى مع تطلعات الاحتلال، دون تحقيق الحد الأدنى فلسطينياً، وكان آخرها خطة "السلام من أجل الازدهار" المعروفة بـ "صفقة القرن".

كان القطاع حاضراً في تلك التحولات؛ فقد مثّل القطاع مقر قرار وقيادة الشعب الفلسطيني، على مستوى السلطة والأحزاب. اختلفت مكونات العمل الوطني رغم تناغم الحركة الوطنية الفلسطينية والانتفاضة الشعبية، سواء في بداية الانتفاضة أو في نهايتها بعد الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب. أي لم يكن العمل الوطني واحداً، بل كنا أمام سياسات وأساليب متعددة، رغم وحدة الأهداف وفق الوثائق الرسمية. دخلت الحركة الوطنية معترك بناء الوطن والانتخابات الثانية باستثناء الجهاد، في انتخابات الهيئات المحلية عام 2004، والرئاسية عام 2005، والتشريعية عام 2006. وانتقل الاختلاف في البرامج إلى خلاف على الحكم والسياسة، ثم تعمق الخلاف وتحول إلى انقسام.

من وحي الطبيعة

تعمق الانقسام بفعل سياسات الاحتلال، وأصيب النظام السياسي الفلسطيني بالشلل بفعل الانقسام السياسي والجغرافي، ونتيجة الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، في ضوء برنامج حركة "حماس" السياسي والتفاف حركات المقاومة حوله. خضع قطاع غزة لأربعة اعتداءات مدمرة منذ عام 2008، تخللتها مئات التهديدات والتصعيد والقصف، كان آخرها العودة إلى سياسة الاغتيالات في أغسطس/آب 2022. أدى هذا الوضع إلى إنهاك القطاع اقتصادياً واجتماعياً، ووضعه أمام مشكلات لا تنتهي، كأزمة تأمين التيار الكهربائي والمعابر المغلقة. تتطلب معالجة مشكلات القطاع موافقة دولية على مشروع إعادة الإعمار، وتسهيلات من الاحتلال، بما يخص حركة المعابر وتوسيع مساحة الصيد.

نتيجة هذه الأوضاع ارتفعت معدلات الفقر والبطالة، ما زالت ترتفع، فعندما تلوح فرصة لانتعاش القطاع وتحسن أوضاع سكانه، يسارع الاحتلال إلى اعتداء جديد يعيد القطاع إلى نقطة البداية. لا يمكن حساب القصف والدمار بالأرقام والإحصاءات فقط، بل يحسب بحياة الإنسان التي تتعرض للقتل والتشريد المستمر. كل ذلك يكشف سياسة السيطرة الإسرائيلية، التي تعمل على إبقاء القطاع، موصولاً إلى جهاز التنفس الاصطناعي داخل غرفة الانعاش. ما عاصره قطاع غزة، يحتاج إلى مساحة تفكير، تسعى للتغلب على منظومة السيطرة الإسرائيلية، تدرس آليات وأدوات النضال الفلسطيني وجدواها.

تسعى الحركة الوطنية بمختلف ألوانها لتحقيق ذات الأهداف العليا، إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967، لكنها تناضل من أجل تحقيق الهدف منفردةً - منقسمةً، عبر أدوات ووسائل مختلفة. يبقى أمل إنعاش القطاع معقوداً على تغليب المصالح الوطنية على حساب المصالح الحزبية، وعلى الذهاب إلى مصالحة حقيقية، وإعادة إحياء النظام السياسي الفلسطيني، من خلال إقرار برنامج وطني جامع، ما دامت الأهداف المرحلية واحدة لدى الكل الفلسطيني.

المساهمون