قيم الائتلاف المدني للدفاع عن العدالة الانتقالية، اليوم الثلاثاء، حصيلة أربع سنوات على انطلاق عمل الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية (من مايو/أيار 2018)، وأبرز التحديات التي اعترضت فرق الدفاع عن الضحايا، والتجاوزات التي شابت عمل الدوائر القضائية المتخصصة منذ انطلاقها.
وطالب الائتلاف في مؤتمر صحافي، اليوم، بأن "لا تشمل الحركة القضائية قضاة الدوائر المتخصصة، نظراً لتأثيرات ذلك على مسار العدالة"، مؤكدا أن "كل المتدخلين في المجال يقومون بأدوارهم الموكولة إليهم، ولا بد من أن يمثل المتهمون أمام القضاء، وأن تصدر الأحكام في القريب العاجل".
وطالب الائتلاف الدولة التونسية بـ"ضمان أمن قضاة الدوائر المتخصصة، وصد أي ضغوطات وتهديدات قد تستهدفهم".
وذكّر الائتلاف بقضية كمال المطماطي، وهو موظف تونسي بشركة الكهرباء والغاز بقابس، متزوّج وترك رضيعة، باغته أعوان الأمن في مقرّ عمله يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 1991، قبل نحو ثلاثة عقود، ليقتادوه عنوة إلى منطقة الأمن بقابس، التي كانت تحقّق مع المنتمين للاتجاه الإسلامي، ليتعرض يومها لشتى أشكال التعذيب وأكثرها وحشية، حتى فارق الحياة ليلتها، وتم إخفاء جثته ودفنت دون علم عائلته، التي ظلت تجهل بحقيقة وفاة ابنها حتى عام 2009، أي بعد 18 سنة، وهي لا تزال إلى اليوم لا تعلم بمكان دفن جثمانه.
وأكد المحامي مختار الجماعي، الذي يمثّل عائلة المطماطي، أن "هناك مجهوداً واضحاً من مختلف الأطراف المعنية بالعدالة الانتقالية، وهو ما ساهم في كشف الحقيقة في عديد الملفات"، مبيناً أن "الدائرة الجنائية للعدالة الانتقالية تعاطت مع الملف بكل حرفية، وكانت هناك إرادة في الوصول إلى الحقيقة، وكان يسمح لهم بالترافع في إطار حيز زمني مفتوح، وكذلك قررت المحكمة تحجير السفر على المنسوب إليهم الانتهاك، لإجبارهم على الحضور، وقررت وضع مكاسبهم تحت الائتمان، أي وضع مكاسبهم وجراياتهم تحت تصرف الدولة".
وأضاف أنه "رغم الآليات الموضوعة فإن التعطيلات كانت أكبر"، مؤكداً أن "فريق الدفاع في قضية المطماطي يتكون من 73 محامياً من مختلف الجهات، نظراً لأهمية هذه القضية"، مبيناً أن "من العوائق مثلاً أن الخبراء الذين تم وضعهم للإشراف على الائتمان اعتذروا خوفاً من الضغوطات المسلطة عليهم"، وأن "عدم حضور المنسوب إليهم الانتهاك شكّل عائقاً كبيراً أمام مسار العدالة الانتقالية".
وأوضح في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "هذا المؤتمر يأتي بعد مضي أربع سنوات على قضية المطماطي في الدوائر المتخصصة في العدالة الانتقالية، وهي حلقات من مسار كامل، مبيناً أن هذه القضية بالذات كانت نموذجاً، لأنها تعرف عدة تقاطعات بخصوص انتهاكات حقوق الإنسان، مؤكداً أنها تحتوي على التعذيب وعلى الاختفاء القسري وعلى القتل وإخفاء الجثة"، مشيراً إلى أن "هذه القضية كانت في بداية تشكل دولة الاستبداد".
وبين أنه "تم تقديم قراءة سريعة حول بداية مسار العدالة الانتقالية، وبقدر تثمين الأحكام في الوصول إلى قرارات، لا تزال هناك عدة صعوبات، منها الإدارة التي تتكتم على مكان دفن المطماطي، والجهاز الأمني وبعض النقابات التي تقف حائلاً، بنصح الأمنيين المعنيين بعدم الحضور، مؤكداً أنه رغم كل ذلك فإنه لا تزال هناك ثقة في القضاء لإظهار الحقيقة".
وترى العضو السابقة بهيئة "الحقيقة والكرامة" علا بن نجمة أنه بالعودة إلى قضية كمال المطماطي، فإنه "رغم وجود شهادة أنه دفن في خرسانة، إلا أن هناك شهادة أخرى وصلت للهيئة، وهي وجود جثتين تم إخراجهما من مستشفى المرسى، ودفنتا ليلاً، وتم الاستماع إلى 37 عوناً يعملون بالبلدية، لمعرفة مكان الدفن، ولكن لم يتم الوصول إلى المكان، وكلما تم الاقتراب من الحقيقة تأتي معوقات خارجية".
وبينت بن نجمة أن "الهيئة قدمت 69 لائحة اتهام للقضاء، وكانت الأبحاث كاملة، وتم الاستماع للشهود"، مبينة أنه تم رفض تمديد عمل الهيئة لسنة، وهو ما جعل الهيئة تحيل ملفات مهمة للقضاء.
وقال كاتب عام "شبكة تونس للعدالة الانتقالية" حسين بوشيبة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "قضايا العدالة الانتقالية، مثل قضية كمال المطماطي، تثير التساؤل حول أسباب التأخير"، مبينا أن "الانتهاكات متواصلة، وكذلك العنف، من قبل بعض الأمنيين، ولا حسيب ولا رقيب، وفي الدوائر المتخصصة في العدالة الانتقالية مئات الأمنيين معنيون، والعديد منهم لا يحضر، في نكران تام للعدالة، لأنهم يشعرون أنهم محميون، فالدولة تحمي أناساً فارين من العدالة، وهذا هو الإشكال"، مضيفاً أن "هذا يسيء للدولة قبل أن يسيء للأمنيين الفارين، والهدف تطبيق العدالة".