قضاة تونسيون: القضاء يعود إلى ما قبل الثورة

30 مايو 2023
يقول قضاة تونسيون إن بعض القوانين في هيكلية القضاء أعيدت من عصر ما قبل الثورة (Getty)
+ الخط -

جدد قضاة تونسيون رفضهم لتدخلات السلطة التنفيذية في القضاء، وضربها استقلاليته، و"التسلط على القضاة في مساراتهم المهنية"، بالإضافة إلى إجراء حركة جزئية سيتم بمقتضاها إجراء تعيينات في مناصب عليا، وفق ما يجري تداوله في الأوساط القضائية مؤخرا.

وينظر المجلس الأعلى المؤقت للقضاء (الذي عوّض المجلس الشرعي المنتخب)، اليوم الثلاثاء، في ملف طلب رفع الحصانة عن 13 قاضيا من المعفيين بطلب من قضاة التحقيق بقطب مكافحة الإرهاب.

وتستند مطالب رفع الحصانة عن القضاة إلى تتبعات قضائية مفتوحة تتعلق بتهم "التآمر على أمن الدولة"، وأخرى ذات صبغة إرهابية.

وكانت الجمعية التونسية للقضاة نبهت في بيان لها، الأحد، من "الخروقات القانونية والإجرائية في ملفات القضاة المعفيين من قبل عدد من قضاة النيابة العمومية بتعليمات من وزيرة العدل"، محذرة من خطورة ما يجري تداوله عن مذكرات تعيين قضاة في مناصب عليا. واعتبرت أن الحركة شبه الجزئية استعادة لتحكّم السلطة التنفيذية في المسارات المهنية للقضاة وما يترتّب عن ذلك من مساس خطير باستقلاليتهم وحيادهم بقصد التأثير المباشر من وزيرة العدل في تلك المواقع القضائية.

وطالبت الجمعية، المجلس الأعلى المؤقت للقضاء، بإصدار التوضيحات المستوجبة ممّا يحصل وإبداء موقف من ذلك، بالإضافة إلى إصدار مشروع الحركة القضائية لسنة 2023-2024 في وقت مبكّر بما يمكّن القضاة من التمتّع بحقوقهم في الترقية والنقلة وتقلّد الخطط القضائية وسدّ الشغورات، وفقا للمعايير القانونية ودون تمييز، وإدراج القضاة المعفيين في الحركة، تنفيذا لأحكام المحكمة الإدارية.

وقال القاضي عفيف الجعيدي في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "العمل بالمذكرات يعود إلى قانون 1967، بدلا من المرسوم عدد 11 والعودة للقانون في ما تعلق بالمسار المهني للقضاة"، مضيفا: "هذا غريب لأن هناك تناقضا بينهما، حيث لم يرد في المرسوم أن العمل بالمذكرات يتم من قبل وزيرة العدل ليلى جفال.. وبالتالي هذا غير قانوني".

وأشار الجعيدي إلى رفض هذه الحركة، حيث يؤكد المرسوم 11، في الفصل 15 أن كل مجلس مؤقت ينظر في إعداد حركة القضاة السنوية من تسمية وتعيين وترقية ونقلة وإعفاء، وفي مطالب رفع الحصانة والاستقالة، ويتولى كذلك الإعلان عن قائمة الشغورات في مختلف الخطط الوظيفية الخاصة بكل رتبة قضائية، ويعتمد في إسناد الخطط القضائية والإعفاء منها على مبادئ تكافؤ الفرص والشفافية والكفاءة والحياد والاستقلالية والخبرة.

ولفت المتحدث إلى أنه "منذ الثورة تقريبا كنا نطرح سؤال، كيف تمكنت السلطة سابقا من فرض استبدادها واستعمال القضاء؟ وكانت الإجابة دوما هي أن السلطة كانت تتحكم في الحركة القضائية بوضع موالين لها، وعندما تتحكم السلطة التنفيذية في الحركة القضائية تضع من تريد وتعاقب من يخالفونها الرأي". 

وقال: "من أهم الأدبيات التي قامت بعد الثورة القطع مع ما كان يجري من استعمال للحركة القضائية وإدارة المسار المهني للقضاة لشراء ذمم البعض والتقرب من البعض الآخر، ما يمكّن من السيطرة على القضاء".

وبين أنه "بعد الثورة التونسية كان هناك وعي بضرورة بناء قضاء مستقل، وأول إجراء كان عدم السماح للسلطة القضائية بالتدخل في التعيينات، وإخضاعها لقواعد موضوعية"، مضيفا أن "ما يحصل هو ارتداد كامل وعودة لقانون 1967 ما يسمح لوزيرة العدل بالتعيينات، الأمر الذي خُيّل للقضاة أنه أنهي منذ 2011". وقال: "منذ الثورة حتى الآن لم يحصل تدخل في التعيينات بهذا الشكل.. هذا منحدر جديد وانكسار كبير في القضاء.. نحن في وضعية اللاقانون".

وأشار إلى أن "الاستهداف يشمل عديد القضاة"، حيث يجري تشويه أصحاب عدة خطط قضائية من قبل صفحات تدعي أنها موالية للرئيس"، قائلا إنه "في الوقت الذي تستهدف فيه جمعية القضاة التونسيين ورئيسها أنس الحمادي لا بد من التذكير أن الجمعية تعتبر في العالم وفي المجتمع القضائي، رمزا لاستقلالية القضاء وأن رئيسها تحصل مؤخرا على جائزة "مسيرة الألف رداء"، وهي أهم جائزة توازي كبريات الجوائز وتمنح لأول مرة لشخصية عربية وأفريقية".

وقال رئيس جمعية القضاة الشبان، مراد المسعودي في حديث لـ"العربي الجديد"، إن ما يحصل في القضاء يمكن وصفه بالكارثي والغريب وغير المسبوق، نظرا لحجم الضغوطات المسلطة عليه من السلطة التنفيذية التي أصبحت تتدخل في أعماله علنا عبر الضغط والتوجيه، خصوصا وقد هيأت مناخا من التهديد والترهيب يسمح بتركيع القضاة والسيطرة عليهم عبر الإعفاءات غير المبررة والضغوطات المستمرة للقضاة المباشرين عبر جهاز التفقدية العامة بوزارة العدل".

وأضاف المسعودي أن "يد السلطة التنفيذية طاولت القضاة أفرادا وكذلك هيكلة القضاء عموما، بإرساء مجلس مؤقت صوري والسطو على صلاحياته والتدخل في المسار المهني للقضاة والانفراد بالقضاة وتسليط شتى الضغوط عليهم، خصوصا قضاة النيابة العمومية والتحقيق".

وقال: "القضاء في حالة انحدار وسقوط من مرتبة "القضاء السلطة المستقل" إلى مرتبة "القضاء الوظيفة التابع".

وحول التعيينات الأخيرة في القضاء، قال المتحدث إن "التعيينات الأخيرة التي يشاع إجراؤها من وزيرة العدل عبر حركة جزئية وفي آخر شهر من السنة القضائية يعد شكلا من أشكال تحكم السلطة التنفيذية في المسارات المهنية للقضاة، بما يمس من حيادهم واستقلالهم ويسمح لوزيرة العدل بممارسة تأثيرها المباشر في أصحاب تلك الخطط"، مؤكدا أن "السلطة التنفيذية عطلت عمل القضاء عبر حجز الحركة القضائية لسنة 2022-2023 وهو ما حرم القضاة من ترقياتهم ونقلهم المستحقة وما يترتب عن ذلك من زيادة في أجورهم ومنحهم المستحقة".  

وقد أدى ذلك بطبيعة الحال إلى "تعطل العمل القضائي وحالة من الاضطراب والفوضى خصوصا في عمل الخطط القضائية الكبرى التي وقع سد الشغور فيها عبر آلية التعويض من قضاة أقل خبرة وكفاءة"، وفقا للمسعودي.

من جهته، قال الرئيس السابق للمحكمة الإدارية أحمد صواب لـ"العربي الجديد"، إن عديد الضمانات الدستورية والتشريعية تقلصت في القضاء حيث كان هناك هيكل منتخب برغم نقائصه كان يسعى للدفاع عن استقلالية القضاء تجاه السلطة السياسية، مبينا أن هذا لم يعد موجودا، ما يعني تراجع جل وسائل الدفاع.

وقال إن أغلب الهياكل الممثلة للقضاة كالنقابة انسحبت ولم يبق سوى جمعية القضاة التونسيين. 

ولفت المتحدث إلى أن "القضاء أصبح مجرد حالات فردية تعالج ولم يعد هيكلا، والنتيجة أن السلطة السياسية، تعزل من تشاء وتضع من تشاء دون أي مانع قانوني ولا دستوري"، مبينا أن الكلمة الأخيرة أصبحت لرئيس الجمهورية". 

وتابع أن "الثابت أن هناك مذكرة عمل وهذا يعيدنا إلى قانون 67 ورغم أنها تهم فقط القضاء العدلي أي أن القضاء الإداري والمالي غير مشمول بها، إلا أن العمل بها مجددا يعد خطوة للوراء" مشيرا إلى أن "القانون 67 مخالف للعمل بالمرسوم وبالتالي هناك تساؤلات حول شرعية هذه القرارات؟ إلى جانب عدة إشكالات جديدة ستطرح، وهي أن تسمية قاض مكان قاض أنصفه القضاء الإداري غير ممكنة وسيطرح ذلك مشكلة قانونية وسيزيد في تعقيد الوضع".
 

المساهمون