"قسد" والنظام السوري... لا حوار في انتظار تطورات إقليمية وأميركية

23 اغسطس 2024
مقاتل من "قسد" في دير الزور، 4 سبتمبر2023 (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **مطالب الإدارة الذاتية وتوتر العلاقات مع النظام السوري**: تطالب الإدارة الذاتية بالاعتراف بالحقوق الثقافية واللغة الكردية، وقبولها ضمن الدستور السوري، ونظام لا مركزي. توتر العلاقات مع النظام مستمر بسبب رفض دمج "قسد" في المنظومة العسكرية.

- **سيطرة "قسد" وأهمية المناطق الجغرافية**: تسيطر "قسد" على نحو ثلث سورية، بما في ذلك مناطق غنية بالثروات الزراعية والنفطية. تصاعد التوتر مع النظام دفع روسيا للتدخل.

- **التوازنات الإقليمية والدولية وتأثيرها على الحوار**: تعتمد الإدارة الذاتية على الدعم الأميركي وتتعامل مع النظام بناءً على التوازنات الإقليمية. النظام يركز على النفط والقمح ويعوّل على تحسين علاقته مع تركيا للضغط على "قسد".

حدّدت الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في "الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سورية، إلهام أحمد، مطالب هذه الإدارة ذات الصبغة الكردية من أجل التوصل إلى اتفاق سياسي مع النظام السوري، وإلى تفاهم بين قوات سورية الديمقراطية "قسد" والنظام السوري في دمشق، يحسم مصير ما بات يُعرف بـ"شرقي الفرات"، وهي المنطقة الأغنى والأكثر أهمية في جغرافية البلاد. وقالت أحمد، والتي كانت تتحدث في ندوة لحزب الاتحاد الديمقراطي، نشرت مضمونها وكالة هاوار المقربة من "الإدارة الذاتية"، أول من أمس الأربعاء، إنه يجب أن "تعترف حكومة دمشق بحقوقنا الثقافية وفي مقدمتها اللغة الكردية، وبقواتنا وحقوقنا الأساسية وإدارتنا الذاتية ضمن الدستور السوري". كما طالبت بنظام لا مركزي في سورية، والقبول بالإدارة الذاتية، محذرة النظام من مواجهة "طريق مسدود" في حال عدم الاستجابة لهذه المطالب، مشيرة إلى أن النظام يرفض حتى اللحظة تدريس اللغة الكردية لمدة ساعتين في المدارس. ووفق أحمد، فإن عودة الأوضاع في شمال شرقي سورية إلى ما كانت عليه قبل عام 2011 "باتت مستحيلة"، مشيرة إلى أن هناك قوات قادرة على الدفاع عن مناطق الإدارة، في إشارة إلى "قسد". وتعد "الإدارة الذاتية" الذراع المدنية والإدارية لهذه القوات التي تتلقى دعماً عسكرياً وسياسياً واسعاً من التحالف الدولي ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة.

"قسد" والنظام السوري والحوار المقطوع

وجاءت تصريحات أحمد لتغلق الباب ولو بشكل مؤقت أمام أي حوار بين "قسد" والنظام السوري يرقى إلى مستوى التفاوض مجدداً. ويريد النظام السوري استعادة السيطرة على الشمال الشرقي من سورية أو ما يعرف بـ"شرقي الفرات" من دون شروط ما خلا منح حقوق ثقافية للأكراد في مناطق وجودهم. كما يرفض النظام دمج "قسد" في منظومته العسكرية والأمنية، بل إنه اعتبرها أخيراً "أداة رخيصة" بيد الأميركيين، ما يجعل أي تفاهم سياسي بين الجانبين في المدى المنظور على الأقل بعيد المنال. وسبق أن عُقدت خلال العامين الأخيرين جولات حوار عدة بين مسؤولين في "الإدارة الذاتية" والنظام السوري بإشراف الجانب الروسي في العاصمة دمشق، إلا أن النتائج كانت صفرية، حيث تمترس كل من "قسد" والنظام السوري خلف مطالبه وشروطه.

فراس علاوي: عندما تشعر الإدارة الذاتية أن هناك دعماً جاداً لها من الجانب الأميركي ترفع سقف المطالب من النظام

وتضع "قسد" التي تشكل "وحدات حماية الشعب" الكردية ثقلها الرئيسي، يدها على نحو ثلث مساحة سورية، وتقع أغلب مساحتي محافظتي الرقة والحسكة تحت سيطرتها، إضافة إلى نصف محافظة دير الزور، وجانب كبير من ريف حلب الشمالي الشرقي، شرق نهر الفرات، مع مدينتي منبج وتل رفعت وبعض ريفهما، غرب النهر. وتعد هذه المناطق هي الأهم في الجغرافيا السورية كونها تضم أهم ثروات البلاد خصوصاً الزراعية والنفطية.

وجاءت تصريحات أحمد في ظل توتر يسود العلاقة بين "قسد" والنظام السوري على وقع الاشتباكات التي لم تنقطع منذ أكثر من أسبوعين بين مجموعات عشائرية تابعة لهذا النظام والإيرانيين في ريف دير الزور الشرقي وبين هذه القوات التي شددت قبضتها أخيراً على مربعين أمنيين للنظام في مدينتي القامشلي والحسكة، ما دفع الجانب الروسي للتدخل لتبريد المواقف بينهما.

قراءتان محلية وإقليمية

وكان النظام السوري قد سلّم العديد من المناطق في شمال وشمال شرقي سورية لـ"وحدات حماية الشعب" الكردية بدءاً من عام 2012 لتساعده في وأد الحراك الثوري ضده في الشارع السوري الكردي. وعام 2015 أصبحت هذه الوحدات النواة الأساسية لـ"قسد" التي شكلها التحالف الدولي لمحاربة "داعش" وهو ما جعل منها اليد العسكرية الضاربة في شمال شرقي سورية، ما أدى إلى تراجع العلاقة بين "قسد" والنظام السوري وصولاً إلى تأزمها مرات عدة. ومرّت العلاقة بين الجانبين بالعديد من المنعرجات منذ ذلك الحين، في ظلّ حرص كل منهما على عدم قطعها بشكل نهائي في ظل تشابك مصالح بينهما.

ورأى مدير مركز الشرق نيوز، فراس علاوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الإدارة الذاتية تتعامل مع النظام السوري بناء على قراءة المشهدين المحلي والإقليمي"، مضيفاً أنه "عندما تشعر أنها بحاجة للنظام تخفّض من سقف التصريحات الإعلامية، وتفتح باب الحوار معه. وتابع: "هذه حالة تفاوضية تمارسها الأطراف في سورية. عندما تشعر الإدارة بأن هناك دعماً جاداً لها من الجانب الأميركي ترفع سقف المطالب من النظام".

مصادر: النظام يهمه في الوقت الراهن ملفا النفط والقمح في شمال شرقي سورية لإنعاش اقتصاده ويرفض الاقتراب من ملف التعليم

وكان رئيس النظام السوري بشار الأسد، أنكر مطلع عام 2020، وجود "قضية كردية" في سورية، متهماً ما سمّاها "مجموعات كردية"، بـ"العمل تحت السلطة الأميركية". ولكن "الإدارة الذاتية" لم تغلق باب الحوار في وجه دمشق، بل أبقته موارباً، معوّلة كما يبدو على الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها النظام والتي ربما تدفعه إلى تقديم تنازلات تبدو صعبة للنظام الذي يدرك أن تنازله في هذا الملف سيفتح عليه باب تنازلات أكبر ربما تفضي إلى سقوطه الحتمي.

في المقابل، يعوّل النظام السوري على تحسن علاقته مع الجانب التركي، العدو الأكبر لقوات "قسد"، التي ربما تجد نفسها مضطرة لتقديم تنازلات مؤلمة للنظام لكي لا تقع بينه وبين الأتراك الباحثين عن فرص وظروف تمكّنهم من القضاء عليها أو على الأقل تقزيم دورها بحيث لا يمكنها فرض إقليم كردي في شمال شرقي سورية، تعتبره أنقرة من الخطوط الحمراء والخشية من تحوله إلى أمر واقع ربما دفعها للتقارب مع نظام الأسد.

وذكرت مصادر مطلعة في العاصمة السورية دمشق لـ"العربي الجديد"، أن النظام "يهمه في الوقت الراهن ملفا النفط والقمح في شمال شرقي سورية لإنعاش اقتصاده وإرضاء سكان المناطق الخاضعة لسيطرته"، مؤكدة أن النظام "يرفض الاقتراب من ملف التعليم من قبل الإدارة الذاتية". وأشارت إلى أن النظام "عاجز عسكرياً عن مواجهة قوات قسد لوحده خصوصاً في ظل الوجود الأميركي في شرق وشمال شرق سورية، ويعوّل على تطبيع مع الجانب التركي للضغط على هذه القوات عسكرياً". كما أعربت عن اعتقادها ان النظام "ينتظر تغيّرات في موقف الإدارة الأميركية المقبلة من الوجود العسكري في سورية، ربما تصب في صالح فرض شروطه على قوات قسد لعودة غير مشروطة، أو بشروط يمكن قبولها، إلى الشمال الشرقي من البلاد".

كلام يشير إلى أن من شأن فوز دونالد ترامب في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني، أن يؤدي ربما إلى إحياء النزعة الانسحابية عنده من المنطقة، وهو الذي كان ينوي خلال ولايته الرئاسية، سحب كافة قوات بلاده من سورية، ولا يرجح أن يكون شيء قد تغير في مخططاته تلك، ذلك أنه لا يزال من أصحاب نظرية ترك تلك المنطقة التي لا تدرّ مصلحة مباشرة لبلده. ومن شأن أي انسحاب أميركي من سورية أن يشكل ضربة قاسية وربما تكون قاضية لـ"قسد"، ذلك أن القوات الأميركية هي الحامية الأولى لها سياسياً وعسكرياً.


 

المساهمون