قرية النبي صموئيل.. قصة صمود فلسطيني بوجه الاحتلال والتجويع والحرمان

03 سبتمبر 2022
يمارس الاحتلال الإسرائيلي سياسات تهجير بالقوة ضد أهالي قرية صموئيل (Getty)
+ الخط -

يقول ناشطون فلسطينيون وأهالي قرية النبي صموئيل شمال غرب القدس إن احتجاجاتهم السلمية التي بدأوها الأسبوع المنصرم وتجددت أمس الجمعة، تشكل بداية لحراك سيتواصل على مدى الأيام القادمة رفضاً لممارسات الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه ضد من بقوا من أهالي القرية الذين هجّروا من قريتهم بالقوة عام 1967 ودمر الاحتلال معظم منازلهم. 

ويمارس الاحتلال الإسرائيلي حالياً سياسات تهجير بالقوة ضد أهالي قرية صموئيل، إضافة إلى أساليب التجويع والحرمان حتى من شراء حاجياتهم الأساسية.

أحد أبناء قرية النبي صموئيل، محمود بركات، قال لـ"العربي الجديد" إن "مظاهرتنا أمس الجمعة، تأتي للمطالبة بحقوقنا كأهالي القرية. نحن هنا ممنوعون من كل شيء، ممنوعون من البناء.. وأي بناء نشيده يهدمونه فوراً".

وأضاف: "ليس بحوزتنا بطاقات هوية أو تصاريح انتقال، وللوصول للقدس وحتى الضفة الغربية وأقرب مدنها رام الله نواجه صعوبة، حتى حقنا بالصلاة في مسجدنا يحاولون منعنا منه، ونواجه بالاعتداء والاعتقال، كل ما نريده وما نطالب به هو حقوقنا التي يحرمنا الاحتلال إياها، بينما يسرح مستوطنوه ويمرحون بحرية".

الناشط محمد أبو الحمص من بلدة العيسوية في القدس المحتلة الذي وصل مع عشرات من النشطاء المقدسيين المساندين والداعمين لأهالي النبي صموئيل أكّد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن مشاركته بفعاليات أمس، تأتي استجابة لنداء أهالي القرية بمشاركتهم في احتجاجات اليوم ودعم صمودهم.

وكان أبو الحمص واحداً ممن تعرّض لاعتداء المستوطنين عليه أمس، خلال مشاركته بفعالية الاحتجاج إلى جانب ما تعرّض له نشطاء آخرون، من بينهم عاهد الرشق، عضو حركة فتح في إقليم القدس وخمسة نشطاء اعتُدي عليهم أيضاً ورُشّوا بغاز الفلفل.

وغاب عن المشهد أمس رئيس المجلس القروي للنبي صموئيل، أمير عبيد، الذي تطارده سلطات الاحتلال، وبات مطلوباً لها على خلفية مشاركته في احتجاجات الأسبوع المنصرم، بينما لا يزال الاحتلال يعتقل خمسة نشطاء من أبناء القرية اعتقلوا الأسبوع الماضي، وهناك قائمة مطلوبين آخرين يصر الاحتلال على اعتقالهم.

وأوضح الناشط الدكتور سعيد يقين لـ"العربي الجديد" أن قرية النبي صموئيل تقع "على أعلى تلة إلى الشّمال الغربيّ من مدينة القدس المحتلة، ويقطنها نحو 300 مواطن فلسطيني محاصرين في قريتهم المدمرة ومعزولين عن القدس وعن بقية مناطق الضّفة الغربيّة بجدار الضمّ والتوسع الذي يطوّق القرية، من خلال مستوطنة (رامات ألون) والحديقة (القومية) المجاورة، التي منع السكان من دخولها قبل احتلالها عام 1967".

ويقول سكان القرية إن مساحة قريتهم كانت تصل إلى 3,500 دونم، أما اليوم بعد مصادرة أراضيها، فإنها تملك فقط 1,050 دونماً، لا يسمح لهم بالتصرف فيها سواء في البناء أو الزراعة، علماً أن أي منشأة يقيمونها تُهدَم على الفور، بينما يواجه الأهالي صعوبات جمة وتفرض عليهم قيوداً مشددة في إدخال الأدوات والمواد للعناية بما بقي من أراضٍ يملكونها.

ويوجد في القرية موقع قبر يعتقد أنه للنّبي صموئيل عليه السّلام، ومنه اكتسبت اسمه، ويعتبر مقاماً مُقدساً للمسلمين والمسيحين واليهود لقرون طويلة، ويعود بناء مسجد النبي صموئيل إلى عام 1720.

وتشير المصادر التاريخية إلى أنه في عام 1099 احتل الصليبيون القرية، وأطلقوا اسم "جبل البهجة" على تلة القرية، نظراً لأنها مكنتهم من مشاهدة مدينة القدس من بعيد لأول مرة، وفيما بعد، حرر صلاح الدين الأيوبي القرية من أيدي الصليبيين، وحوّل القلعة البيزنطية إلى مسجد، وقد جعل الموقع الاستراتيجي للمسجد منه محطاً لأنظار الغزاة الذين سعوا للسيطرة عليه، لكونه نقطة مشرفة على مدينة القدس.

وعشية عام 1967، كان يسكن في النبي صموئيل ما يقارب 1000 فلسطيني، إلا أن بعضهم هُجّر بفعل الاحتلال الذي هدم معظم بيوت القرية عام 1971، وقد استخدمت سلطات الاحتلال قداسة المقام كحجة لمصادرة أراضي القرية لبناء مرافق حول الموقع الأثري.

ويعيش حالياً في هذه القرية نحو 300 فلسطيني، وهي تجذب العديد من السياح والزائرين، خاصة أنها تعتبر من أعلى تلال القدس، وتشرف على المدينة المقدسة. 

ويقول يقين، وهو أحد قياديي حركة فتح شمال غربيّ القدس، إن الاحتلال منذ عام 1967 يحرم قرية النّبي صموئيل الخدمات الأساسية والبنى التحتية اللازمة لإدارة حياة يومية في أي قرية، مثل العيادات، وشبكة المياه، بل حتى مدرسة القرية الوحيدة توجد تحت طائلة الهدم. ويحاول الأهالي التغلب على هذه المعيقات من خلال الاعتماد على الذات. 

ويضيف يقين: "لعل النبي صموئيل أكثر القرى الفلسطينية التي تعيش العزل والحصار ويمنع على أهلها التنقل والانتقال إلى القدس أو الضفة الغربية إلا بتصاريح خاصة من الاحتلال. كل شيء هناك ممنوع على أهالي القرية، حتى الهواء الذي يتنفسونه، وحتى موتاهم لا تجد من يصل إليها من القرى المجاورة لتقديم واجب العزاء لهم".

ويرى يقين أن صبر الأهالي في النبي صموئيل قد نفد تماماً، فالعزل والحصار أصابهم بحالة من الاختناق والشعور بأنهم يواجهون خطر التهجير والاقتلاع، خاصة بعد أن أعلنت سلطات الاحتلال أخيراً نيتها توسيع "الحديقة القومية" المجاورة للمسجد، ما يعني أن تهجير السّكان واقتلاعهم مرة أخرى بات أمراً وشيكاً في كل لحظة.

ويشير يقين إلى أن سلطات الاحتلال تمنع البناء الفلسطيني في قرية النبي صموئيل بالمطلق، وكل بناء يوضع يُهدَم في الحال، في مشهد يعيد إلى أذهان أهالي القرية ما حدث في 24 مارس/آذار من عام 1971، حين هدمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي ما يقارب من 80% من مباني القرية، ومنذ ذلك الحين صودرت مساحات واسعة من القرية لتوسيع "الحديقة القومية" والمستوطنات. 

ويقول يقين إن أحداث الأسبوع الماضي وما حدث أمس من احتجاجات شكل بداية التحرك الشعبي والجماهيري ضد مصادرة الاحتلال لحقهم في الحياة والبقاء في أراضيهم، حيث تهدد خطة توسيع "الحديقة القومية" بمصادرة المزيد من الأراضي، ورفض سلطات الاحتلال بشكل ممنهج منح تراخيص بناء لأهالي القرية ليبنوا على أراضيهم.

 وكانت سلطات الاحتلال قد أصدرت أوامر هدم لجميع بيوت القرية – ما عدا بيتاً واحداً، بما في ذلك مدرسة القرية المؤلفة من غرفة واحدة، التي أضيفت إليها أخيراً غرفتان أخريان يدرس فيهما نحو 30 طالباً وطالبة ابتداءً من الصف الأول حتى الثالث الابتدائي، وبعد ذلك ينتقل هؤلاء بصعوبة بالغة إلى مدارس قرية الجيب المجاورة. 

وفي عام 2008 أغلق الاحتلال الشارع الرئيس الوحيد الذي كان يصل قرية النبي صموئيل ببيرنبالا حيث كان يحصل السّكان على مختلف الخدمات، وصادر أراضيهم لشق طرق جديدة تخدم المستوطنات وتسهل وصولهم إلى قلب مدينة القدس. 

وفي هذا السياق، شقت سلطات الاحتلال نفقاً أسفل شارع رقم 436 لوصل القرية ببيرنبالا شمالاً وبدو شرقاً، ولكن قبل المرور بهذا الشارع، على سكان النّبي صموئيل المرور عبر حاجز راموت العسكري المقام على مدخل قريتهم. وتمنع سلطات الاحتلال مرور المركبات الفلسطينية عبر هذا الحاجز إلا إذا كان أصحابها مسجلين في قائمة القاطنين داخل القرية. 

وفي حالات متكررة، يمنع جنود الاحتلال على هذا الحاجز السّكانَ من إدخال مواد تموينية أساسية إلى قريتهم، بالإضافة إلى ذلك يضطر أهالي النبي صموئيل إلى استئجار سيارات ذات لوحات إسرائيلية صفراء، بكلفة عالية جداً، أو يضطرون إلى حمل حاجياتهم بأنفسهم، بينما يمنع جنود الاحتلال في كثير من الأحيان مرور الماشية والأعلاف، في محاولة للتضييق على السّكان في رزقهم. 

وفقاً لما ذكره يقين، فإن البناء المسموح به في القرية هو للمستوطنين، الذين شيدوا كنساً ومعابد كثيرة في القرية وبات مسجد القرية الشاهد على عروبتها كنيساً في مجمله يعتدون من خلاله على المصلين من أبناء القرية، إلى درجة أن الصلاة فيه تُمارَس بهدوء وصمت، فيما تشهد القرية وكنس المستوطنين طقوساً صاخبة، وينظم المستوطنون، كما حدث أمس، بقيادة إيتمار بن غفير، مسيرات صاخبة يتخللها إطلاق هتافات الموت للعرب.

‌يُذكر أن سلطات الاحتلال بنت عام 1967 كنيساً في قرية النبي صموئيل، وبدأت سلطة الآثار الإسرائيلية عام 1991 الحفريات للتنقيب عن الآثار في القرية، في محاولة لإضفاء ذريعة دينية على سياسة مصادرة الأراضي.

وفي عام 1993، بنيت مدرسة يهودية دينية "يشيفاه" بالقرب من مسجد القرية، وفي عام 1996 صادر الاحتلال المزيد من الأراضي الزراعية التابعة للقرية لبناء مستوطنة "هار شموئيل"، تاركاً أهالي القرية الفلسطينيين أمام خيارات محدودة جداً لإعالة أنفسهم. 

وخصصت وزارة الأديان الإسرائيلية مبلغ 7 ملايين شيكل بالعملة الإسرائيلية لترميم ما يطلقون عليه منطقة قبر "النبي شموئيل" في القدس المحتلة، وهو في الحقيقة موقع مسجد برج النواطير وما حوله. 

وأخطر ما قامت به سلطات الاحتلال كان في عام 1995، وهو تحويل حوالى (3500 دونم) من أراضي قرية النبي صموئيل إلى ما يعرف بـ"حديقة قومية"، في محاولة أخرى لتهويدها وتهجير أهلها، وتحويلها إلى منطقة جذب سياحي ليهود العالم قاطبة على حساب حقوق الأهالي وأماكن عبادتهم، خاصة مسجد النبي صمويل الذي يعد من أحد المساجد العثمانية القديمة، وهو وقف إسلامي مقام على موقع استراتيجي يكشف القدس والساحل الفلسطيني بالكامل. 

وقامت ما تُسمى الإدارة المدنية التابعة لجيش الاحتلال في يناير/ كانون الثاني 2015، بإغلاق البوابة الخارجية المؤدية إلى المسجد، حيث تعرض لسلسلة من الاعتداءات منذ التسعينيات حتى الآن، منها حرق وتكسير ومنع رفع الأذان، وخلع مكبرات الصوت، وضرب المصلين من قبل المستوطنين، وإحاطة المسجد بأسلاك شائكة وكاميرات مراقبة، عدا عن إغلاق الطابق الثاني منه ومنع ترميم الطابق الثالث وإبقائه مهجوراً.

المساهمون