استمع إلى الملخص
- إغلاق الإدارة المدنية: أعلن عن إغلاق "الإدارة المدنية" لتعزيز السيطرة الإسرائيلية، مما يعيق التواصل الجغرافي الفلسطيني ويستغل الظروف السياسية الدولية، بما في ذلك دعم ترامب.
- الانعكاسات السياسية: تهدف الخطوات الإسرائيلية إلى تقويض حل الدولتين وتحضير ملف الضم للإدارة الأمريكية، لفرض واقع جديد يعزز السيطرة الإسرائيلية.
لم تمض ساعات قليلة على إعلان وزير المالية الاسرائيلي بتسلئيل سموتريتش مصادرة أكثر من 24 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية، حتى أصدر إعلاناً آخر بإغلاق ما تسمى "الإدارة المدنية" التابعة لجيش الاحتلال بهدف ضم الضفة الغربية، وهو ما يحقق هدفه بالقضاء ووأد حلم الفلسطينيين بإقامة دولة. وتقع غالبية الأراضي التي قرر سموتريتش مصادرتها في محيط مدينة القدس وامتدادها في أراضي الضفة الغربية.
وفي إقراره الصريح إغلاق ما تسمى بـ"الإدارة المدنية"، الذراع التنفيذية لجيش الاحتلال بهدف ضم الضفة لإسرائيل، كشف سموتريتش النقاب عن أنه بحث هذا المخطط مع رئيس حكومته، بنيامين نتنياهو، لتنفيذه خلال ولاية الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب.
وأد حلم الدولة الفلسطينية
ويقول خبراء ومتابعون للشأن الاسرائيلي في أحاديثهم مع "العربي الجديد"، "إن هذه الخطوة من قبل سموتريتش تشكل نقلة نوعية في جهود دولة الاحتلال، التي تهيمن على مفاصل الحكم فيها الصهيونية الدينية المتطرفة؛ التي تسعى من وراء ذلك إلى تحقيق جملة من الأهداف السياسية والاستراتيجية، يقف على رأسها القضاء على حلم الفلسطينيين بإقامة دولة لهم على أراضيهم المحتلة".
وتهدف دولة الاحتلال، وفق الخبراء والمختصين، إلى تحقيق أهدافها من خلال تكثيف الاستيطان وتوسيع انتشاره، بما يفضي إلى إقامة ما يسمى بالقدس الكبرى، التي تساوي مساحتها ما نسبته 10% من مساحة الضفة الغربية. وهو ما يفسر الهجمة الاستيطانية الجديدة على تخوم القدس ومصادرة آلاف الدونمات من أراضي بلدات وقرى شرق القدس وصولاً إلى منطقة الاغوار، إضافة إلى أراضي بلدات وقرى جنوب المدينة المقدسة؛ والتي تشهد إقامة بنى تحتية متطورة من أنفاق وشوارع عريضة. ويأتي قرار المصادرة الجديد لأراضي الفلسطينيين، ليضاف إلى مصادرة عشرات الاف آلدونمات منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 ولغاية اليوم.
إقامة القدس الكبرى
ويرى الباحث المختص في شؤون الاستيطان خليل تفكجي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ قرار وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش مصادرة 24 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية إنما يهدف إلى توسيع حدود القدس الكبرى. وستمتد هذه الحدود، بحسب الباحث الفلسطيني، على ما يساوي 10% من مساحة الضفة الغربية، مستغلاً الظروف الاستثنائية محلياً ودولياً وانشغال العالم بالحرب المستمرة على غزة، إضافة إلى وصول دونالد ترامب للسلطة في الولايات المتحدة، والذي كان قد أعلن في السابق القدس عاصمة لدولة الاحتلال.
ويوضح تفكجي، أن ما طرحه سموتريتش يتعلق أساساً بمساحات واسعة من الأراضي في حدود القدس الخالية، والتي تشكل رصيداً كبيراً ومهماً واستراتيجياً من الأراضي؛ يشكل أساس القدس الكبرى الموسعة. ويشير المتحدث ذاته، إلى أنه "في الشرق تقع مستوطنة معاليه أدوميم كبرى المستوطنات اليهودية في محيط القدس، والتي ستمتد باتجاه البحر الميت، أما في الجنوب، فهناك التجمع الاستيطاني غوش عتصيون الزاحف باتجاه القدس، ما يستوجب مصادرة الأراضي وتحويلها من أراض خاصة إلى أراضي حكومية ومحميات طبيعية ومناطق عسكرية".
تفكجي: قضية القدس الكبرى عام 2050 بدأت بالتبلور بشكل كبير جدا
ويعني ذلك، بحسب تفكجي، أن قضية القدس الكبرى عام 2050 بدأت بالتبلور بشكل كبير جداً، حيث تجري إلى الشرق من "معاليه أدوميم" أعمال إقامة مطار وسكك حديدية وتوسيع التجمعات الاستيطانية القائمة وإزالة التجمعات البدوية في تلك المناطق خاصة منطقة الخان الأحمر. ويلفت إلى أنّ الحال هذا أيضاً في منطقة مجدال عوز و"غوش عتصيون" في الجنوب، وهي أيضاً ضمن حدود القدس الكبرى؛ التي تم فيها فتح أنفاق، خاصة في منطقة بيت جالا باتجاهين، وتوسيع الشوارع العريضة في هذه المنطقة، وكذلك الحال في منطقة مسافر يطا المتاخمة لمنطقة النقب، تمهيداً لفرض القانون الإسرائيلي على الضفة الغربية، خاصة في حدود منطقة القدس الكبرى المقترحة، بحسب الخبير الفلسطيني.
ويشير تفكجي إلى أن هذه المناطق التي ستشمل أراضيها المصادرة، ليست خالية من الفلسطينيين، بل توجد فيها تجمعات سكانية كبيرة، كما الحال في عناتا والعيزرية والطور وأبو ديس والسواحرة وصولاً إلى البحر الميت، وكذلك الحال بالنسبة لقريتي العبيدية وعرب التعامرة. ويمضي قائلاً: "بعد اتخاذ القرار بالمصادرة الجديدة لم يبق سوى منح القوننة لهذه المشاريع في الكنيست، وبالتالي هم يريدون حسم قضية القدس مستغلين الظروف الاستثنائية الحالية التي يمر بها الشعب الفلسطيني واستثمار وصول ترامب للسلطة واعترافه بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، وبالتالي هم يريدون توسعة هذه العاصمة بشكل كبير جدا، والتي تعادل في مساحتها 10% من الضفة الغربية".
انعكاسات وتداعيات
من جانبه، يقول المحلل السياسي محمد الهلسة في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "القرار الذي أعلنه سموتريتش متعلق أساساً بأراض في غالبيتها أراض خاصة، وتحديداً في المنطقة الواقعة جنوبي مستوطنة (معاليه أدوميم)، وقد قيل إنّ الغرض هو لتوسعة هذه المستوطنة، وهي أراض تعود لأصحاب البلدات الواقعة شرقي مدينة القدس، وهي العيزرية والسواحرة وأبو ديس وعناتا".
القرار الذي أعلنه سموتريتش متعلق أساساً بأراض في غالبيتها أراض خاصة
ويشير الهلسة إلى أن أهم انعكاسات وتداعيات قرارات المصادرة هذه تتمثل بمصادرة الأرض ومنع أصحابها من الاستفادة منها أو التوسع العمراني فيها، وهي بالمناسبة أراض تعتبرها اسرائيل جزءاً من مناطق (ج) تضع يدها عليها لأغراض توسعية استيطانية وعسكرية، لتخنق البلدات الفلسطينية المجاورة في حدود هيكلية معينة تمنع التوسع خارجها. أما على المستوى الوطني، فالهدف منها، وفق الهلسة، "تقطيع أوصال الأرض الفلسطينية، ما يقود إلى الهدف التالي وهو سياسي، يرتبط أولاً بالتحضير والتمهيد لضم مناطق واسعة من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، لتحويلها إلى سيطرة إسرائيل، وهذا جزء من تفكير اسرائيلي استراتيجي يقوم على استغلال فترة وجود ترامب لضم الضفة الغربية".
السيطرة وقطع التواصل
وتركز إسرائيل على ثلاث مناطق استيطانية أساسية وهي: "غوش عتصيون"، و"معاليه أدوميم"، و"أرئيل" باعتبارها ثلاثة أصابع استيطانية ممتدة في داخل حدود 1967 ككتل وليست مجرد مستوطنات صغيرة. ولذلك الهدف الأول هو إلحاق المزيد من الأراضي الفلسطينية إلى السيطرة الاسرائيلية الكاملة وتحويل صفتها من أراض محتلة متنازع عليها إلى أراض إسرائيلية وإلحاقها بالقانون المدني الإسرائيلي، وربما في هذا السياق يأتي حديث سموتريتش إلى إلغاء "الإدارة المدنية" في منطقة الضفة الغربية، وفق الهلسة.
أما الهدف الثاني، بحسب المحلل الفلسطيني، "فهو منع التواصل الجغرافي بين التجمعات والمدن الفلسطينية في الشمال والجنوب، وسيمنع ذلك فكرة الدولة الفلسطينية". وأوضح أن هذا الهدف "لا يخجل منه سموتريتش، الذي يقول إننا نعمل على الأرض لوأد فكرة الدولة الفلسطينية، ليس في إطار التشريعات وفي إطار الإجماع الإسرائيلي وحسب وإنما على الأرض أيضاً".
ويلفت إلى أن "وأد فكرة هذه الدولة حتى في حال انسحب اليمين الإسرائيلي من الحكم نتاج تحولات معينة لن تستطيع حكومات ولو كانت أقل تطرفاً من أن تغير الحقائق على الأرض وستجبر الفلسطينيين على القبول بهذه الحقائق، وبالتالي نصبح أمام كينونة فلسطينية مجزأة، وحكم ذاتي مدني بلدي مقسم ومجزأ، وعليه يتحقق إنهاء حلم إقامة دولة فلسطينية، التي تقول عنها إسرائيل قاطبة اليوم إنها خطر عليها".
ويرى الهلسة أنّ "هذا القرار يأتي في توقيت تحضر فيه إسرائيل عرض هذا الملف أمام الرئيس الأميركي ترامب صاحب فكرة المقايضات، والذي أجزل على إسرائيل الهدايا والعطايا في ولايته الأولى (2016-2020)، وبالتالي، فإن الحكومة الإسرائيلية تفترض أن منح الولاية على أراضي الضفة ستكون سهلة بجرة قلم، ولهذا تمهد فعلياً قبل قدوم ترامب لفرض هذه المسألة كأمر واقع".
التخلي عن غزة مقابل السيطرة في الضفة
ويشير الهلسة إلى أنّ هذه الخطوة أيضاً "تأتي في سياق حديث إسرائيلي عن صفقة، لأنها إذا ذهبت إلى صفقة إن أراد هذا اليمين التخلي عن فكرة احتلال غزة واستيطانها، فربما يترك له نتنياهو وترامب إطلاق يده في الضفة الغربية تعويضاً عن قبوله بوقف القتال والحرب في داخل قطاع غزة والتخلي عن فكرة الاستيطان فيه، وهو يعتبر أراضي الضفة أكثر أولوية من أراضي قطاع غزة، وبالتالي تحقق حكومة الاحتلال هدفها بمنع فكرة إقامة دولة فلسطينية.
حشر الفضاء الفلسطيني في الضفة
في غضون ذلك، يحذر الخبير في الشؤون الإسرائيلية عماد أبو عواد في حديث لـ"العربي الجديد"، من "الانعكاسات الخطيرة لهذا القرار"، قائلاً: "سيكون لهذا القرار انعكاسات كبيرة، حيث يؤسس لحشر الفلسطينيين في فضاء ضيق في الضفة الغربية، ومصادرة ما تبقى من أراض، والقضاء على أية أبعاد سياسية للقضية الفلسطينية كحل الدولتين. ويعتقد أبو عواد أن سموتريتش يخطط لأن لا يكون هناك في المستقبل أي حل أو من الممكن إيجاد أية ترتيبات سياسية.
ويلفت إلى أن إعلان سموتريتش إغلاق "الإدارة المدنية" يأتي في هذا السياق، لأن وجود "الإدارة المدنية" ووجود بعض الإدارات المفصولة عن الشكل التقليدي لما يحدث في دولة الاحتلال هذا بالنسبة لسموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير "هو منحى غير مرغوب، وبالتالي يحب أن يكون هناك سرعة في اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة من أجل تهيئة المجتمع الدولي والمحلي والإقليمي لعملية الضم التي ستقوم بها إسرائيل".
ويتابع أبو عواد: "وبالتالي متوقع أن سموتريتش كما نتنياهو وكما الحكومات السابقة سيسارعون إلى ملاءمة الواقع في الأراضي الفلسطينية، ليس فقط لمجرد الضم إنما من أجل بعث رسالة مفادها بأنه لا إمكانية لأية حلول سياسية أو دبلوماسية، وبالتالي سموتريتش يجد أن هناك فرصة ليسارع إلى استغلال هذه الفرصة وتطبيقها على الأرض.