- المحللون يرون أن السياسة في مصر تعاني من "الموت" بسبب الصراعات والقمع، مع تأكيد على ضرورة تقوية الأحزاب لإحياء الحياة السياسية.
- ظهور اتحاد القبائل وكيانات قبلية بدعم الدولة يثير قلق النخب، معتبرينه خطوة للوراء تضعف الأحزاب وتهدد مستقبل الديمقراطية والحريات في مصر.
في الوقت الذي كان يُحتفل بتأسيس ما يسمى بـ"اتحاد القبائل العربية" في مصر، الكيان العشائري الجديد الذي يرأسه رجل الأعمال المقرب من النظام إبراهيم العرجاني، والذي أضحى يصدر البيانات التي تخاطب المجتمع الدولي والمنظمات والهيئات الدولية بلسان سياسي "شبه رسمي"، باتت معظم الكيانات السياسية الأخرى تعيش حالة من التفتت والانهيار وانعدام الأثر، حتى إن البعض يذهب للحديث عن قتل السياسة في مصر ضمن مسار بدأ قبل سنوات وتصاعد تدريجياً.
ويشهد ما تبقى من أحزاب سياسية انشقاقات واعتصامات ومشكلات داخلية وسيطرة أمنية عليها، والأمثلة كثيرة، آخرها الاعتصامات في الحزب المصري الديمقراطي والاستقالات في حزب الدستور وغيرهما. أما البرلمان فبات، وبحسب شهادات كثر، يُشكّل داخل أروقة الأجهزة الأمنية وأعضاؤه لا يمثلون الشعب تمثيلاً حقيقياً، ولا يمارسون دورهم الطبيعي في التشريع ومراقبة عمل الحكومة. ولا يبدو وضع الجامعات أفضل، إذ إنها بلا صوت وسط كيانات طلابية "مدجنة" تُشكّل بمعرفة الأمن. يُضاف إلى كل ذلك عشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين الذين يقبعون في أقبية السجون في ظروف شديدة القسوة بسبب آرائهم السياسية، بعد 11 عاماً من الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز 2013.
محمد أنور السادات: لا سبيل إلا محاولة تقوية الأحزاب السياسية
ويرى نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عمرو هاشم ربيع، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "لم يتبق شيء من السياسة في مصر". ويعتبر أن المشكلة بدأت منذ العام 1952، مع صعود العسكريين إلى الحكم بعد حركة الضباط الأحرار، حيث ظهر الصراع الشديد بين الجيش وجماعة الإخوان المسلمين، مشيراً إلى أن الغلبة كانت دائماً للجيش، صاحب المدة الأطول في الحكم.
موت السياسة في مصر
ويعتقد ربيع أنه في ظل هذا الصراع جرى "طحن القوى الشعبية" بكل مؤسساتها غير الرسمية من الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، قائلاً إنه "بسبب ذلك لم تعد هناك سياسة، وبمعنى آخر ماتت السياسة في مصر وخصوصاً بعد ظهور موضوع ما يسمى بالقبائل العربية، الذي عاد بالمجتمع والدولة إلى سنين مضت".
يذكر ربيع عهد الرئيس المخلوع الراحل حسني مبارك، حيث كان الاعتماد على "فئة من الفاسدين من رجال الأعمال"- على حد وصفه - كانوا يخلطون المال بالسياسة، لكنهم كانوا على قدر من الوجاهة والتعليم، ضارباً المثل برجل الأعمال أحمد عز، الذي كان يشغل منصب أمين التنظيم وعضو لجنة السياسات بالحزب الوطني المنحل، أما الآن فمن يتصدر المشهد صبري نخنوخ (اشتهر بالبلطجة) وإبراهيم العرجاني.
ويتابع ربيع: "لا أعلم ما الحكمة من ذلك، فكأنك ترجع بالبلاد إلى ما قبل العصور الحديثة. عندما تعتمد على التقسيمات الأولية والعشائرية والطائفية فهو شيء مزرٍ، خصوصاً ونحن على بعد سنوات قليلة من الاستحقاق الانتخابي الرئاسي في 2030، والمجتمع يحتاج إلى كيانات سياسية حزبية حقيقة تربي مرشحين جدداً للرئاسة. فهل سيتربى هؤلاء المرشحين الجدد على يد العرجاني؟".
الأحزاب المصرية ضعيفة
من جهته، يعترف رئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات بأن الأحزاب السياسية في مصر "ضعيفة وغير موجودة في الشارع"، لكنه يرى أن "لا سبيل إلا محاولة تقويتها". ويقول السادات لـ"العربي الجديد": "طبعاً نحن لا نستطيع أن ننفي أو نتجاهل الأوضاع الموجودة في الأحزاب المصرية بشكل عام، ليس فقط في المصري الديمقراطي ولا الدستور، فهناك أيضاً الوفد، وربما غيرها (غير المعلن)".
ويضيف: "حالة الصراعات الداخلية موجودة، لكن الدستور يتحدث عن أن ممارسة العمل السياسي والتداول السلمي للسلطة يجب أن يكونا من خلال الأحزاب، ولذلك لا سبيل إلا تقوية هذه الأحزاب ومساعدتها على حل المشاكل الداخلية أو التي تأتي من خارجها، والمتعلقة بحريتها في الحركة والوجود وعمل المؤتمرات والظهور الإعلامي، لكي توضح رسائلها للناس وتشجعهم على الانضمام إليها، وذلك لا بديل عنه، لأنه الباب القانوني الصحيح للمنافسة على السلطة".
ويضيف السادات: "لمدة سنوات مضت، لم تكن هناك سياسة بمعناها المعروف، ولا ممارسة حقيقية للعمل السياسي، لا من خلال النقابات، ولا الاتحادات، ولا البرلمانات. وكنا على أمل أن يتغير هذا الوضع ويتحسن، وأن نجد مساحة أوسع من الحريات في الممارسة الديمقراطية والمنافسة، ولكن في كل الأحوال علينا ألا نيأس، بل على العكس، يجب أن نحاول ونحاول. حتى لو كانت هناك اختلافات مع السلطة والنظام في مصر، لا بد في النهاية أن نكون حريصين على تجاوز التحديات التي يمكن أن تواجهنا".
وحول ظهور كيانات قبلية وعشائرية بديلة للأحزاب، يقول السادات إن الأمر "عليه علامات استفهام كبيرة، حول أهدافه وشكله القانوني، وهناك التزام على الدولة بأن تخرج لتوضح بالتحديد ماهية هذا الكيان، وطبيعة نشاطه، وما إذا كان تنموياً اجتماعياً، أم أنه كيان ذو نشاط سياسي". ويضيف أن "الاجتياح الإسرائيلي لمدينة رفح الفلسطينية، وما يحدث من مجازر في غزة، يجعل كل تركيزنا هناك، ولكن بالتأكيد فإن ما يتعلق باتحاد القبائل العربية ستكون له عودة، وهو ملف يجب أن يفتح من أجل حق المصريين في المعرفة".
يستغرب علاء الخيام ظهور اتحاد القبائل العربية في الوقت الذي تُحارب فيه الأحزاب
من ناحيته، يرى السياسي المصري والرئيس السابق لحزب الدستور علاء الخيام أن "وضع السياسة في مصر الآن هو الأسوأ". ويقول في حديث لـ"العربي الجديد": "في عهد مبارك، الأحزاب كلها كانت تتمتع بنوع من الحماية القانونية والدستورية، ولكن ما حصل في الفترة الأخيرة، وبالذات بين 2019 و2020، هو هجمة عنيفة على الأحزاب، واعتقالات كانت ذروتها في فترة التعديلات الدستورية، حيث جرى الاعتداء على رموز السياسة في مصر بشكل عنيف، فكانت كلها عبارة عن رسائل بأن المعارضة ممنوعة من أن تكون موجودة في مصر، وممنوع أي صوت مخالف عن صوت الدولة".
إعطاء مساحة لأحزاب الموالاة
ويشير الخيام إلى أنه "في الوقت الذي كانت تتعرض فيه المعارضة لهذا الهجوم العنيف، أعطيت مساحة واسعة لأحزاب الموالاة كي تظهر في وسائل الإعلام، حتى لو كان ذلك من ون فكرة سياسية، لمجرد دعم النظام المصري".
ويعتقد أن "الصدام الأكبر ما بين المعارضة والأحزاب من جهة والنظام من جهة أخرى، كان إبان فترة الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حيث لم تستطع هذه الأحزاب الاتفاق على شخصية ليتم ترشيحها لسباق الرئاسة، وبالتالي تشتتت أصواتها واتجاهاتها حول الموقف من هذه الانتخابات، ما سمح للنظام بتجديد الهجوم عليها حتى شارف على الانتهاء منها". ويوضح أنه "بعد ذلك، شهدنا نوعاً من تدخل الدولة في هندسة مشهد السياسة في مصر وتحديد أحزاب المعارضة وأحزاب الموالاة، حتى إنها تدخلت بشكل فج في بعض الأحزاب، وذلك من خلال لجنة الأحزاب، والتي بيدها إعطاء الترخيص اللازم لإنشاء أي حزب وتجديد وجوده، رغم أن الدستور يقول إن اختصاص هذه اللجنة هو فقط تلقي الإخطار وليس المنع والحجب".
ويتابع الخيام أنه "في الوقت الذي تُحارب فيه الأحزاب وتواجه بالعنف من قبل النظام المصري، تظهر كيانات جديدة، منها على سبيل المثال اتحاد القبائل العربية". ويضيف أنه "لا يمكن الحديث عن قبائل في ظل دستور يقول إن مصر دولة مدنية حديثة، ويشير إلى أن مصر هي من أوائل دول العالم التي تخلصت من القبلية والعشائرية".
ويعتبر أنه "من الغريب العودة إلى هذا الوضع والتكوين، لا سيما في وقت حساس للغاية، يجرى فيه الحديث عن وضع منطقة سيناء في هذا التوقيت من الحرب على غزة، والمخطط الإسرائيلي لتهجير أهالي فلسطين إلى سيناء، خط الحماية الأول بيننا وبين دولة الاحتلال الإسرائيلية، ونفاجأ بهذا الكيان مجهول الهوية الذي يتعارض معارضة كاملة مع الدستور المصري والقانون".
ويتابع: "كما نفاجأ بأن الدولة هي من ترعى هذا الكيان الجديد، حيث يظهر في الإعلام الرسمي، وأن له متحدثاً رسمياً وبيانات رسمية يعلق فيها على الأحداث السياسية، حتى إنه يطالب في بياناته الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية ويرسل مطالبات، وهذا أمر مريب ويدعو للقلق الكبير ولا يمكن السكوت عنه، كما لا يمكن المرور على تصريح متحدث باسم هذا الكيان عندما قال إنه يمكن اعتبار هذا الاتحاد فصيل من فصائل القوات المسلحة، وهذا تعارض كبير مع الدولة والقانون ودستور مصر الذي يقول إنه لا يمكن السماح لأي مدني أن يحمل السلاح في مصر، وإنما حمل السلاح هو من وظيفة القوات المسلحة". ويتابع: "كيف يمكن إعطاء كل هذه المساحة لهذا الكيان الجديد، بينما تحارب كل النخب السياسية والفكرية والثقافية، ويحظر على الأحزاب العمل والنشاط السياسي"، معتبراً أن النظام "يقتل الحياة السياسية في مصر".