فلسطين والتطبيع مع دولة "العدو"

29 يناير 2023
مظاهرة داعمة للقضية الفلسطينية في أندونيسيا (تيمور مطهاري/فرنس برس)
+ الخط -
بعد تشكيل حكومته اليمينية؛ وقف بنيامين نتنياهو متباهيًا بنجاحاته في اختراق دول عربية، وتأسيس علاقات تجاوزت التطبيع التقليدي، قائلًا "الجميع يقولون لا يمكن الوصول إلى العالم العربي، ما لم تحل القضية الفلسطينية أولًا، لكننا فعلنا ذلك (وصلنا للعالم العربي دون حل القضية الفلسطينية)، وأبرمنا اتفاقيات سلام تاريخية مع جيراننا العرب، نحن على يقين بأن مسيرة التطبيع مع الدول العربية ستتواصل بانضمام دول عربية مهمة، هدفنا في الحكومة الجديدة مواصلة عرقلة إيران وتوسيع السلام، وعقد اتفاقيات تاريخية مع دولة خليجية كبرى".
هكذا استهل نتنياهو خطاب حكومته، بعد أسابيع قليلة على متابعة مظاهر التضامن الشعبي مع القضية الفلسطينية في مونديال قطر 2022، الذي يعتبر مؤشرًا واضحًا على رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني.

عرضت إسرائيل تقديم مساعدة "أمنية وعسكرية" لأبو ظبي، بعد استهداف مليشيا الحوثي عاصمتها

تضامن شعوب المنطقة مع فلسطين، إلى جانب التصعيد الإجرامي الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، وتفاقم أعمال قتل وإعدام الفلسطينيين، واقتحام إيتمار بن غفير؛ وزير الأمن القومي، والمعروف بآرائه الفاشية المحرضة على قتل الفلسطينيين، وعلى ضم الضفة الغربية والأماكن المقدسة؛ خصوصًا المسجد الأقصى، وضع كل ذلك الحكومات العربية المطبعة في وضعٍ حرجٍ أمام شعوبها، ومثل معضلةً لهم في ما يخص علاقتهم التطبيعية مع الكيان الصهيوني.
لعل الأرقام أبلغ المؤشرات على رفض الشعوب العربية للتطبيع العربي الإسرائيلي، إذ كشف مسح سنوي أجراه مؤشر الرأي العربي لعام 2022 " الباروميتر العربي"؛ شمل المسح 33300 فرد في 14 دولة عربية، أن الغالبية العظمى من العرب يواصلون معارضتهم إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، بعد مرور عامين على توقيع دول في المنطقة على اتفاقيات الاعتراف. رفض 88% من العرب في 13 دولة التطبيع مع إسرائيل. وذكر 65% من المستطلعين أن احتلال فلسطين وأراضٍ عربيةً أخرى هو سبب معارضتهم التطبيع.
عبر 7% عن كراهية بدوافع دينية فقط، كما تصدرت إسرائيل الاستطلاع باعتبارها الدولة الإقليمية الأكثر تهديداً وفق المستطلعين، وبلغت ذروتها في 79% للفلسطينيين و53% للبنانيين.
على الرغم من الدعاية والحملات الإعلامية، التي تتحدث عن أهمية اتفاق السلام الإبراهيمي وجدواه على كافة المستويات، إضافةً إلى مرور ثلاث سنوات على تلك الاتفاقيات، لم يحقق الاتفاق مراده رغم ارتفاع حجم التجارة الثنائية بين "إسرائيل" والإمارات، من 11.2 مليون دولار في عام 2019 إلى 1.2 مليار دولار في عام 2021، فقد تراجعت شعبية الاتفاقيات في الإمارات والبحرين، وفقًا لمسحٍ أجراه معهد واشنطن.
وفق وزارة السياحة الإسرائيلية؛ زار 1600 سائح إماراتي "إسرائيل" منذ رفع قيود فيروس كورونا العام الماضي، كما زارها عدد قليل جداً من البحرينيين، في حين بلغ عدد الإسرائيليين الذين زاروا الدول الخليجية منذ توقيع اتفاقيات التطبيع قبل حوالي عامين أكثر من نصف مليون شخص.

وضع كل ذلك الحكومات العربية المطبعة في وضعٍ حرجٍ أمام شعوبها، ومثل معضلةً لهم في ما يخص علاقتهم التطبيعية مع الكيان الصهيوني

في الوقت الذي يتسع رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني عربيًا وإقليميًا على المستوى الشعبي، تزداد مسارات التطبيع العربي الصهيوني تعمقًا ورسوخًا، كما تتسع رقعتها لتشمل دولا آسيوية " إسلامية"، إذ زارت وفود دول إسلامية أسيوية الكيان الصهيوني منذ أسابيع خلت، منها كازاخستان وأوزبكستان وطاجيكستان وقيرغيزستان وتركمانستان، الأمر الذي يعني استمرار اختراق إسرائيل للجبهة المناصرة تاريخيًا للقضية الفلسطينية، متحدية بذلك كل قواعد القانون الدولي والقرارات الشرعية الدولية.
صاغ الكيان الصهيوني استراتيجية واضحة لاختراق الدول العربية، رغم كل مؤشرات الرفض العربي والإقليمي الشعبي لمسارات التطبيع معه، تستند إلى خلق مصالح مشتركة، تتجاوز التزام تلك الدول بالقضية الفلسطينية، كما في صناعة عدو مشترك " إيران"، يوحد العلاقات بينهم، ويتطلب استمرار التطبيع على كافة الصعد. زيارات قادة الصهاينة السريعة والمتواصلة لكل من الإمارات والبحرين؛ خلال الأسابيع الماضية، بغرض احتواء رفض التطبيع شعبيًا، كانت دليلاً واضحاً على استئناف مسار السلام الإبراهيمي.
في دراسة اجراها معهد اتفاقيات إبراهيم للسلام "بلغت التجارة الثنائية بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة 1.407 مليار دولار في الأشهر السبعة الأولى من عام 2022، متجاوزة 1.221 مليار دولار من التجارة المسجلة بين البلدين عام 2021 بأكمله". كما وصلت الصفقات التجارية مع المغرب إلى 3.1 ملايين دولار في مايو/أيار الماضي، مسجلةً زيادةً بنسبة 94% عن عام 2021. في حين ارتفعت تجارة إسرائيل مع البحرين من صفر إلى 1.2 مليون دولار في غضون عامٍ واحدٍ.
لا يمثل النمو الاقتصادي الفائدة الوحيدة الممكنة من اتفاقيات السلام الإبراهيمي، ومن استمرار مسار التطبيع بين دول الاتفاق، بل يضاف له التعاون الأمني والعسكري.
رصدت دراسة لـ معهد واشنطن للدراسات؛ المؤيد للاحتلال، أنه " في أكتوبر/تشرين الأول من العام 2021؛ للمرة الأولى، حضر قائد سلاح الجو الإماراتي مناورة "العلم الأزرق" الإسرائيلية، متعددة الأطراف بصفة مراقب. كما عرضت إسرائيل تقديم مساعدة "أمنية وعسكرية" لأبو ظبي، بعد استهداف مليشيا الحوثي عاصمتها في يناير/كانون الثاني 2022.
تشير الدراسة كذلك إلى مشاركة إسرائيل في تمرين لـ "القيادة المركزية الأميركية" في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، شمل كذلك مشاركة سلاح البحرية البحريني ونظيره الإماراتي. أي توسيع "القيادة المركزية الأميركية.

لا يمثل النمو الاقتصادي الفائدة الوحيدة الممكنة من اتفاقيات السلام الإبراهيمي، ومن استمرار مسار التطبيع بين دول الاتفاق

تضيف الدراسة؛ إن اتفاقيات السلام الإبراهيمي تعزز التعاون بين الأطراف الموقعة والجيش الأميركي، إذ تعتمد الدول الأطراف على الهندسة العسكرية التعاونية والمعدات العسكرية الأميركية. قد تحاول روسيا ودول أخرى بيع منظومات عسكرية إلى الأطراف الموقعة؛ في المستقبل المنظور، لكن لن تتمكن أي قوة خارجية من منافسة الحزمة الأمنية الأميركية.
كشفت مصادر إسرائيلية في نهاية 2022 عن تركيب تل أبيب مجموعة من منظومة اعتراض الصواريخ عند حدود الإمارات مع السعودية، حيث توجد قاعدة عسكرية إسرائيلية هناك، إضافة لقطع عسكرية إسرائيلية في مياه الخليج.
بالعبري الفصيح، يبدو أن مسار التطبيع مستمر ومتواصل، ويعزز وجوده يومًا بعد آخر، ويتسع ليشمل دولا آسيوية مثل إندونيسيا، رغم وجود حكومة صهيونية فاشية وبمعزل عن القضية الفلسطينية. من أجل مواجهة ذلك؛ على مناهضي التطبيع تطوير أليات جديدة لرفض هذا المسار.
المساهمون