فساد واختلاسات بالمليارات داخل قيادة حزب البعث الحاكم بسورية

02 اغسطس 2024
حزب البعث في سورية ينتخب الأسد أميناً عاماً، دمشق 4 مايو 2024 (إكس)
+ الخط -

أثارت قضية فساد الأمين العام والمساعد السابق في حزب البعث الحاكم بسورية، هلال هلال، تفاعلاً كبيراً، خصوصاً مع وجود معلومات عن سرقة "أملاك الحزب"  وتبديدها بحسب ما كشفته لجنة التفتيش الحزبي، بعد شكايات عن منح منازل وعقارات وسيارات وسرقة أموال وتحويلها إلى الخارج، لمن وصفتهم مصادر من دمشق بـ"الموالين لهلال وشبيحة الحرب"، وهو ما دفع قيادة البعث الجديدة، كما تروي مصادر "العربي الجديد"، إلى تعيين لجان ومجموعات تفتيش وتدقيق في سجلات القيادة المركزية لحزب البعث قامت خلال الأيام الماضية بكشف الفساد واختلاسات بمليارات الليرات السورية. 

وأوضحت مصادر خاصة من دمشق، أن "تحالف هلال هلال مع مجموعة القاطرجي كشف عن الكثير من حالات الفساد"، موضحةً أن براء قاطرجي الذي قتل في بدمشق أخيراً عبر قصف إسرائيلي بحسب رواية النظام، قد تحالف مع هلال هلال عام 2020 خلال انتخابات مجلس الشعب، واستمال العائلات والعشائر بمحافظة حلب ما أوصل قاطرجي إلى البرلمان وأبعد رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية السابق فارس الشهابي.

وأكدت المصادر الخاصة أن الأمين العام المساعد في حزب البعث السابق هلال هلال تم توقيفه، بعد تحقيقات حول الفساد والاختلاس، وأضافت: "عملياً بدأت التحقيقات مع تولي القيادة الجديدة في حزب البعث السوري، وتوصلت قبل أيام إلى تورط أشخاص نافذين في الحزب من بينهم هلال هلال في اختلاسات وهدر للمال العام، قدّر بعشرات المليارات". 

وأكدت المصادر من العاصمة السورية، أنه "تم الكشف عن شبكة فساد تربط موظفين ومديرين بمناصب حساسة في مؤسسات حكومية وتشاركية، مع قياديين في مراكز حساسة في حزب البعث، حيث تم الكشف عن سرقات بملايين الدولارات في جامعة الشام الخاصة، بعقود مشتريات مزورة، بالإضافة إلى إيداع حسابات بنكية ضخمة للانتفاع من فوائدها". 

وعن هروب المتورطين كما أشيع، قالت المصادر إنّ هلال هلال يقبع الآن في السجن، كما صدرت توصيات بالحجز على أموال بعض المتورطين بقضايا الفساد داخل الجهاز الحزبي، فيما تم حرمان آخرين من السفر بالإضافة إلى الحجز على أموالهم، وتوقيف المتورطين الرئيسيين. 

وحول ما قيل عن علاقة "شبكة الفساد الحزبية" بدول الجوار، أشارت المصادر إلى أن القصة "داخلية بالمطلق" وربما تدخل مسألة "تصفية الحسابات في الأمر"، ولكن الفساد محلي عبر شبكة وتحالف في أعلى مناصب الحزب والدولية، مضيفة أن "إبراهيم الحديد، الأمين العام المساعد الجديد لحزب البعث الحاكم بسورية، منذ عام 1963، كشف خلال اجتماع مجلس إدارة (دار البعث) عن عملية تغيير كبيرة بعد اعترافه بأخطاء (الرفاق) وضرورة التغيير وبقاء البعث حزباً لا يستطيع أحد منافسته على الساحة الوطنية"، على حد قوله. 

كما أعلن رئيس النظام السوري، بشار الأسد، بصفته الأمين العام للحزب، بداية العام عن خطة لـ"تغيير وتجديد منظومة العمل في الحزب والمجتمع والدولة"، وأكد خلال اجتماع اللجنة المركزية للحزب، قبل شهرين، أنه في ظل الظروف العالمية الحالية تصبح الأحزاب العقائدية أكثر أهمية من قبل. 

وقال عضو قيادة شعبة الحزب المركزية سابقاً محمد، إنّ ما يجري يتناسب مع التجديد والمرحلة، معتبراً أن الحزب مترهل وممنوع محاسبة قياداته، مضيفاً أن "كشف عملية الفساد اليوم هي أول حالة منذ عام 1970 عندما بدأ حكم حافظ الأسد الذي أعطى حصانة وقدسية للحزب والأمن"، وأردف: "لو تفتح ملفات الأمن ستكون أكثر كارثية، سواء على صعيد السرقة والفساد أو حتى على صعيد القتل والعمالة". 

وكشف محمد لـ"العربي الجديد" أنّ "لجان التفتيش مستمرة بكشف الفساد والسرقات، بالتعاون مع الجهات والمؤسسات الرسمية المعنية، وهي عازمة على السير بمهمتها الموكلة بها إلى النهاية "مهما وصلت حالة الفساد وطاولت رؤوساً كبيرة". وأكد "استرجاع مئات آلاف الدولارات فور مباشرة التحقيقات وإخلاء المنازل وسحب السيارات الممنوحة من هلال هلال وتجميد حسابات ومصادرة أموال وتوقيف متنفذين". 

وحول آخر ما وصلت إليه قضية الفساد بأعلى الجهاز الحزبي الحاكم بدمشق، خص محمد "العربي الجديد" بما وصفها "آخر المستجدات مساء اليوم الجمعة"، وهو بيان من المكتب الإعلامي للقيادة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي، حيث تناقلت بعض صفحات التواصل الاجتماعي خلال الساعات الماضية خبراً عن عمليات مراجعة وتدقيق في أملاك الحزب واستثماراته خلال فترة عمل القيادة المركزية السابقة.  

وجاء في بيان من المكتب الإعلامي للقيادة المركزية لحزب البعث أنه "رغم أنّ قيادة الحزب لا تنفي قيامها حالياً بمثل هذه الإجراءات، كما ما هو متعارف عليه دورياً في ما يخص سجلات الحزب وصرفياته المالية السنوية، وكما هو الحال أيضاً في كل المؤسسات الحزبية والإدارية والاقتصادية والإعلامية، في سورية وغيرها من بلدان العالم، إلا أنه من المفيد التذكير بأنه من غير المقبول الاتكاء على تدابير روتينية معتادة وتحويلها إلى فرصة رخيصة للنيل من سمعة الحزب والتطاول على مكانته ودوره المشرف في مختلف جوانب الحياة السورية". 

وأضاف: "حزب البعث بوصفها مؤسسة عريضة وواسعة ومتجذرة في الحياة المجتمعية لن يكون بمنأى عن الأخطاء والتجاوزات الفردية، ولكنه مثل كل المؤسسات الوطنية أيضاً، ينطوي على سجل حافل بالإيجابيات والإنجازات المشرفة؛ وأن يخطئ بعض كوادره، أو ينزلق بعض الطارئين عليه، فليس معنى ذلك أن بوسع بعض المشبوهين التشويش على تاريخه المضيء في خدمة شعبنا ووطننا وحزبنا"، على حد وصفه.

وأردف: "إنه لمن المستغرب أن يلجأ هؤلاء إلى التشكيك والتهويل والتضخيم في تناول قضايا طالما كانت مطلباً لرفاقنا في حزب البعث قبل غيرهم من أبناء شعبنا الذين يعتبر البعث نفسه أميناً على تطلعاتهم وأمانيهم (...) ما دام الحزب يمارس التدقيق والمحاسبة، لماذا كل هذه الضجة المفتعلة؟ بما تحمله من نية مسبقة للشخصنة من جهة، والإساءة المقصودة لمؤسسة الحزب كلها من جهة أخرى. الأغرب أن بعض الأقلام والآراء تصدر نفسها سباقة في الكشف عن الأخطاء أو الفساد فيما الحقيقة أن مؤسسة حزب البعث تقوم بأدواتها القانونية بهذا العمل ولكن بهدوء لأن الغاية في التصحيح وليس التشفي والنيل من الأشخاص".  

وتساءل: "لماذا هذا الاستغلال الدنيء الذي يخفي وراءه نيات غير نقية ومشكوك فيها، وكأن هناك من يعتاش على استمرار كل المظاهر السلبية والفاسدة التي استفحلت خلال سنوات الحرب على سورية؟ (...) وبالفعل، فإن لجنة الرقابة والتفتيش الحزبية تعكف اليوم على التدقيق في حسابات وأملاك واستثمارات الحزب، وفقاً لأحكام اللوائح الداخلية، بالتعاون مع الجهات والمؤسسات الرسمية المعنية، وهي عازمة على السير بمهمتها الموكلة بها إلى النهاية، رضي البعض بذلك أم استشعر المتقولون خطر المبادرة إلى معالجة التجاوزات القائمة مهما كانت هوية مرتكبيه".  

"البيان" اعتبره مراقبون الجمعة، محاولة لـ"لملمة الفضيحة" بعد التفاعل داخل سورية وكشف سرقات بالمليارات في حين يعاني الشعب التجويع والتفقير، مشيرين إلى أنّ بيان المكتب الإعلامي بالقيادة القطرية، يعتمد خطاباً خشبياً ووعيداً مبطناً، لا يخلو من الاتهامية، مرجحين أن "تنتهي القصة" بإعلان مرحلة جديدة للحزب، تتناسب مع "التنظيف" الذي يعلنه رئيس النظام بشار الأسد، في الحزب والبرلمان والدولة.