فساد رؤساء بلديات في المغرب: انحرافات تختبر جدية السلطات

29 ابريل 2023
تظاهرة ضد الفساد في الرباط، فبراير 2023 (أبو آدم محمد/الأناضول)
+ الخط -

تصدر ملف محاربة الفساد مجدداً واجهة المشهد السياسي في المغرب مع توالي المواقف بشأن إيداع الوزير السابق ورئيس بلدية الفقيه بنصالح (وسط البلاد) محمد مبدع، أمس الأول الخميس، السجن في سياق تحقيقات حول شبهات "اختلاس وتبديد أموال عمومية والتزوير والرشوة والغدر واستغلال النفوذ وغيرها، والمشاركة في ذلك".

وفي إجراء لم يكن متوقعاً، قرر قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، إيداع الوزير السابق السجن، وذلك بعد أن تأجلت متابعته قضائياً كثيراً، لأسباب غير معروفة، منذ تقديم فرع "الجمعية المغربية لحماية المال العام" بجهة الدار البيضاء في 28 يناير/ كانون الثاني 2020، شكوى ضده، قبل أن تسرعها عودته إلى الأضواء بعد انتخابه في 17 إبريل/ نيسان الحالي رئيساً للجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي)، وهو منصب تقدم لاحقاً باستقالته منه.

وبينما بدا حجم الجدل الذي أثاره قرار قاضي التحقيق باعتقال القيادي في حزب "الحركة الشعبية" المعارض باعتباره "جريئاً"، و"خطوة أولى في مسار تحقيق العدالة والتصدي للفساد ونهب المال العام"، وكذا بالنظر إلى توقيته، طرح متابعون أسئلة حول مدى جدية السلطات وقدرتها على فتح ملفات الفساد، والقطع مع الإفلات من العقاب، وإخضاع المسؤولين مهما كانت صفتهم وموقعهم للمساءلة.


عزيز غالي: إذا كانت هناك فعلاً إرادة سياسية لمحاربة الفساد، فهناك مجموعة من الملفات التي يجب فتحها

وبحسب تقديرات الجمعيات العاملة في مجال حماية المال العام، يكلف الفساد في المغرب خسائر مالية كبيرة تصل إلى 50 مليار درهم (الدولار يساوي 10 دراهم) سنوياً، أي ما يعادل 5 في المائة من الناتج الداخلي الخام.

ووفق تقرير حول إنجازات وزارة الداخلية لسنة 2022، تم تقديمه في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أثناء مناقشة موازنة العام الحالي، فقد بلغ عدد المنتخبين المحليين المتابعين أمام القضاء إلى غاية سبتمبر/ أيلول الماضي 39 منتخباً، من بينهم 17 رئيس بلدية و6 نواب للرئيس و7 أعضاء و9 رؤساء سابقين.

وفي وقت ينتظر فيه أن تبدأ، خلال الأيام المقبلة، فصول التحقيق بشكل تفصيلي مع القيادي الحركي في سياق متابعته القضائية، اتسم تعامل السلطات المغربية مع مكافحة الفساد داخل الجماعات الترابية (البلديات) بين تسريع تحريك المتابعة القضائية في حق بعض رؤساء البلديات، بناء على التقارير التي تنجزها المفتشية العامة للإدارة الترابية في بعض الأحيان، وإبقائها حبيسة الأدراج في أحيان أخرى.

وفي السياق، رأى عزيز غالي، رئيس "الجمعية المغربية لحقوق الإنسان" (أكبر تنظيم حقوقي مستقل في المغرب)، في حديث مع "العربي الجديد"، أن اعتقال البرلماني محمد مبدع غير كافٍ للقول بوجود توجه لمحاربة الفساد، لافتاً إلى أن المغرب بحاجة إلى مؤشرات أكثر قوة لتأكيد ذلك.

اعتقال البرلماني خطوة إيجابية

واعتبر غالي أن "اعتقال البرلماني لا يمكن إلا أن نعتبره خطوة إيجابية، لكن المسار الذي سيأخذه الملف هو الذي سيحدد الكثير من الأشياء".

وأوضح أن "الإشارة القوية التي ستؤكد التوجه نحو محاربة الفساد، هي فتح مجموعة من الملفات التي يتورط فيها عدد من البرلمانيين والمسؤولين السياسيين، الذين كانوا موضوع شكايات متعددة حول نهب المال العام والفساد".

وتابع: "إذا كانت هناك فعلاً إرادة سياسية لمحاربة الفساد، فهناك مجموعة من الملفات التي يجب فتحها، وأن يتقدم فيها التحقيق إلى نهايته، وليس الاكتفاء فقط بممارسات معزولة".

آن الأوان للقطع مع "التطبيع مع الفساد"

من جهتها، أعربت الباحثة في العلوم السياسية شريفة لموير عن اعتقادها أنه آن الأوان لقطع "التطبيع مع الفساد" في المغرب واستعادة المواطن لثقته في مؤسسات البلد. واعتبرت أن "القضاء يجب أن يكون فوق المصالح السياسية التي تطمس استقلاليته وتفرض ضغوطات من أجل مصلحتها داخل المجالس الترابية".

وأوضحت، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "تحريك مسطرة المتابعة القضائية يستلزم المباشرة الفورية، نظراً لخطورة واستشراء الفساد داخل المجالس والإدارات المغربية"، لافتة إلى أن تجاذبات المصالح داخل البرلمان من طرف الأحزاب السياسية تذكي الفساد داخل المؤسسات المنتخبة.

واعتبرت لموير أن تحريك المسطرة القضائية في ظرفية التوتر في البلد خطوة تُحتسب للقضاء المغربي الذي لطالما رفع شعار محاربة الفساد والاستبداد، لكنها شددت على أنه "رغم إيجابية الخطوة باعتبارها تمثل بارقة أمل لاستقلالية القضاء، إلا أن ما يمكن أن يشكل مجالاً للمؤاخذة هو أن تحريك مسطرة المتابعة القضائية أخذ وقتاً طويلاً (نحو 3 سنوات) رغم خطورة التهم الموجهة" له.

وبالنسبة لرئيس فرع "الجمعية المغربية لحماية المال العام" بجهة الدار البيضاء"، المحامي محمد مشكور، فإن إيداع محمد مبدع السجن، هو قرار شجاع وجريء من النيابة للعامة وقاضي التحقيق، يتعين التنويه والإشادة به لأنه يساهم في القطع مع الفساد.

ولفت إلى ضرورة استحضار الدور الهام جداً للسلطة القضائية في مكافحة الفساد وحماية المال وربط المسؤولية بالمحاسبة واعتبارها سيفاً يحرس المال العام.

وأضاف في تصريح لـ"العربي الجديد": "نتمنى أن يكون قرار القضاء نابعا من إرادة سياسية للقطع مع أخطبوط الفساد، وألا يكون حالة معزولة، لأننا كحماة للمال العام ضد الازدواجية، وأن يكون القانون فوق الجميع مهما كان الشخص وصفته وموقعه".

على الأحزاب تحمل مسؤوليتها

ورأى أن على الأحزاب السياسية تحمل مسؤوليتها السياسية والاخلاقية في تخليق الحياة العامة من خلال ترشيح سياسيين لا تحوم حولهم شبهات فساد، وألا تبقى المقاعد همها الوحيد بل النزاهة والكفاءة.

وأضاف: "نتمنى ألا يكون تحريك المتابعة بحق الوزير السابق حالة معزولة، وأن يكون ذلك بناء على إرادة حقيقية لمكافحة الفساد، وحرص على تفعيل المبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة، وتطبيق القانون على الجميع".


محمد مشكور: بطء القضاء في التعاطي مع الشكاوى معوق أساسي لمكافحة الفساد

واعتبر مشكور أن بطء القضاء في التعاطي مع الشكاوى هو معيق أساسي لمكافحة الفساد، ويتعارض مع ما ينص عليه الدستور في الفصل 120 بالبت في الشكاوى داخل آجال معقولة، ومع أول منشور صادر عن رئاسة النيابة العامة، لافتاً إلى أن ذلك البطء يعطي الضوء الأخضر لآخرين لسرقة ونهب المال العام.

وشدد على أن نجاعة مكافحة الفساد في المغرب مرتبطة بتوفر الإرادة وغياب تواطؤ بعض المسؤولين، وكذا تفعيل سلطة الوصاية ممثلة في وزارة الداخلية لدورها بهذا الشأن.