فخّ ترامب يحاصر الجمهوريين بانتظار الانتخابات النصفية المقبلة

21 يناير 2021
تواجه وجوه معتدلة في الحزب منافسة من المتشددين (طوم ويليامز/Getty)
+ الخط -

في أغسطس/آب الماضي، لم يُصدر الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة، برنامجه للعام 2020، بذريعة الظروف الاستثنائية التي أوجدتها جائحة كورونا، مستعيضاً عن ذلك، بإعادة نشر برنامجه لعام 2016، والذي عُدّ من أكثر برامجه تشدداً في فلسفته السياسية وتوجهاته المحافظة، ومنها ما يتعلق بالإجهاض ورفض زواج المثليين والتعديل الثاني المرتبط بحقّ حمل السلاح الفردي. وتضمن برنامج الحزب قبل أربع سنوات، كذلك، عشرات الإدانات لقرارات الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما. العام الماضي، استعاض الحزب عن برنامجه، بعبارة "الدعم الكامل لأجندة الرئيس دونالد ترامب، أميركا أولاً"، وحمل مؤتمره الكثير من بروباغندا الرئيس، كأن يجتاح اليسار الراديكالي أميركا، في حال فوز جو بايدن بالرئاسة. من جهته، أصدر ترامب إثر ترشيحه من حزبه لولاية ثانية، ورقةً مختصرة تضمنت 50 نقطة، هي برنامجه لولاية ثانية، وعبارة عن مجموعة من "الأولويات" تحت عنوان "أحارب من أجلكم"، ومن أبرز تعهداتها ضمان لقاح لكورونا في 2021، ومحاسبة الصين.

ووصف طوم ويلر، من معهد "بروكينغز"، آنذاك، مؤتمر الحزب، وغياب برنامجه، كمثل الملك لويس الرابع عشر، حين نسب إليه قوله "أنا الدولة، والدولة أنا". ورغم أن مؤتمر الحزب الديمقراطي، آنذاك، تمحور أيضاً حول ترامب، إلا أن الوضع كان يُحتّم على الجمهوريين، الكشف عن برنامج حزبي، لا يكونون فيه منصهرين بهذه الشدّة مع الرئيس، علماً أن أيّ برنامج لكلا الحزبين الأميركيين الرئيسيين، لا يفرض على أي رئيس منتخب، ومنتمٍ لأي منهما، أن يلتزم به.

ظلّ الحزب الجمهوري الأميركي يعيش نشوة انتصار ترامب على منافسته هيلاري كلينتون في 2016

ظلّ الحزب الجمهوري الأميركي، حتى أشهر قليلة ماضية، يعيش نشوة انتصار دونالد ترامب على منافسته هيلاري كلينتون في 2016، وقد حقّق له الرئيس الجمهوري الكثير من طموحاته، بدءاً باستمرار دعم الأغنياء ورجال الأعمال، وصولاً إلى تعزيز ركائز الأمن الحدودي، وطرد المهاجرين. ولم يخطر في بال الحزب، طوال أربع سنوات، التمرد على ترامب، أو الخروج عن طاعته، لدرجة صار يطلق عليه اسم "حزب ترامب". اليوم، يعيش الحزب الجمهوري كابوساً ثقيلاً، مع صدمة خروجه من البيت الأبيض برئيسٍ واجه محاولة عزله مرتين، وللمرة الأولى في التاريخ الأميركي، وفقدان الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ في الكونغرس.

وبالتوازي، ليست أوضاع الحزب في الولايات، أفضل حالاً. في جورجيا، حربٌ داخلية داخل الجمهوريين، وكذلك في أريزونا التي فقدوا فيها مقاعد الشيوخ، وحتى في تكساس، التي لجأ إليها ترامب بعد واقعة اقتحام الكونغرس، وهي من أكثر الولايات الحمر التي استفادت منه. فقد كتبت صحيفة "تكساس تريبيون" قبل أيام، أن الرئيس لم يجد في استقباله هناك الوجوه الجمهورية التي لطالما تركت كلّ شيء للترحيب به. وبحسب "ذا غارديان"، فإن حرباً أهلية تجري داخل الحزب الجمهوري، بين جناحيه المعتدل واليميني المتطرف، كما أن تمهيدياته للانتخابات المقبلة، ستكون حامية. وعلى سبيل المثال، فإن إيفانكا ترامب وزوجها جاريد كوشنر، قد يدخلان السباق الانتخابي للكونغرس في 2022 عن ولاية فلوريدا، في مواجهة منافسين تقليديين، فيما وجوه معتدلة داخل الحزب، كماركو روبيو وليز تشيني، بدأت تواجه محاربة من الداخل، لمعارضتها ترامب. ولا بدّ هنا من الإشارة، إلى أن ترامب، وعلى الرغم من إمكانية عزله، إلا أنه لا ينوي مغادرة عالم السياسة باكراً، وعلى لائحة أجندته المقبلة، الانتقام من كلّ جمهوري طعنه في ظهره.

هذا الواقع المؤلم الذي يعيشه الحزب الجمهوري اليوم، مع فوز بايدن بالرئاسة، واقتحامه ولايات جمهورية، تزيده استطلاعات الرأي التي بدأت تخرج تباعاً، تشويشاً، والتي وإن كانت تفيد بإدانة جمهورية شعبية لاقتحام الكونغرس، والتعدي على الديمقراطية الأميركية، إلا أن غالبية من الجمهوريين، لا يزالون يرون أن على ترامب أن يبقى قائداً للحزب الجمهوري، ومنهم من يرى أن قادة الحزب لم يفعلوا الكثير لدعم الرئيس الجمهوري. زد على ذلك، أن جناحاً واسعاً من النواب والنواب الجدد الجمهوريين في مجلس النواب، وكذلك في "الشيوخ"، قد صوّتوا ضد المصادقة على فوز بايدن في بعض الولايات المتأرجحة. ومع أن زعيم الأغلبية السابق في "الشيوخ"، والذي يُعد من الرجال الأقوياء في واشنطن، ميتش ماكونيل، قد وجّه أول من أمس الثلاثاء، بوضوح، إدانة لترامب في ما يتعلق باقتحام الكونغرس، بقوله إن "الغوغائيين قد تغذّوا من الأكاذيب. لقد أثيروا من قبل الرئيس وأشخاص أقوياء آخرين"، في آخر خطاب له كزعيم للأغلبية، إلا أن استطلاعات الرأي تضعه أيضاً في مرتبة متدنية جداً من التأييد الشعبي، و66 في المائة من الأميركيين ينظرون إليه سلبياً، وفق آخر استطلاع لـ"سي أن أن".

ويقول سكوت ريد، وهو استراتيجي سابق للحزب، وحليف لماكونيل، لصحيفة "ذا تايمز"، إن بعض الجمهوريين الرفيعين، ومنهم ماكونيل، يسعون لمنع سياسيين جمهوريين أكثر تطرفاً، من الوصول إلى مناصب في السلطة. في العام 2022 (موعد انتخابات الكونغرس النصفية)، سنكون بمواجهة جمهور ترامب، وعلينا بذل مجهودٍ لهزمهم. آمل أن يخلق ذلك عدداً كبيراً من المرشحين، حتى نتمكن من تذويب المتطرفين".

وفي آخر استطلاع أجرته "أن بي سي"، بعد اقتحام الكونغرس، لا يزال 66 في المائة من الجمهوريين يرون أن ترامب اشتغل وعمل بمسؤولية، ويؤمن 65 في المائة منهم بوجود أدلة صلبة لحصول تزوير في الانتخابات (لصالح بايدن)، و78 في المائة يبرئونه بشكل من الأشكال في ما يتعلق بواقعة الاقتحام. كما أن 51 في المائة من الجمهوريين أرادوا أن يفعل الحزب الجمهوري أكثر لهم لدعم ترامب في مزاعمه حول التزوير.

يسعى بعض الجمهوريين الرفيعين، ومنهم ميتش ماكونيل، لمنع سياسيين جمهوريين أكثر تطرفاً من الوصول إلى السلطة

هذه الظروف كلّها، تضع الحزب الجمهوري اليوم، أمام مفترق طرق. فمن جهة، هناك كارهون في الداخل لترامب، وينشدون التخلص منه، بعدما أضّر كثيراً بصورة الحزب، لاسيما بما يتعلق بالعلاقات الخارجية، كما بالنسبة إلى الفوضى، ومستوى الكراهية اللذين أطلقهما في الداخل. لكن بعضاً آخر، يعتبر أن ترامب لا يزال الرافعة التي يجب تسلقها، للفوز في أي انتخابات مقبلة، كما يرون أن مستقبل الحزب، هو في جناحه اليميني المتطرف، وبعضهم فعلاً مؤمن ومتبنٍ لنظريات المؤامرة، وحتى التفوق الأبيض، والأخطر أنهم، في القاعدة، من الجيل الجديد.

ويرى طوماس برادلي، في كتابه "هل يقوم الحزب الجمهوري بتدمير نفسه؟"، الصادر في يناير/كانون الثاني 2020، أن "الحزب القديم الكبير" يقف أمام خمسة فخاخ، وضع نفسه فيها، وهي تهدد مستقبله. ويتمثل الفخ الأول، في اتجاهه الثابت نحو اليمين، والذي يبعد الناخبين المعتدلين عنه، وهم أساس الموازنة في أي نظام سياسي قائم على الثنائية الحزبية. أما الفخ الثاني، وهو الأخطر عليه، فهو التغيير الديمغرافي الذي تعيشه الولايات المتحدة، إذ إن الشباب والأقليات الذين باتوا يصوتون بشكل نمطي للديمقراطيين، في تزايد عددي مستمر مع كلّ دورة انتخابية، أما كبار السّن، الذين يميلون للحزب المحافظ، ففي تقلص. هذا الواقع، يضع الحزب في خطر شديد، بعد عقدين فقط من الآن، وقد يجعله في خانة الأحزاب من الدرجة الثانية. ويشكل الإعلام اليميني المتطرف، الفخّ الثالث للحزب، بحسب برادلي، وتقليص الضرائب المتواصل عن الأغنياء الرابع، وأخيراً الفخّ الخامس، وهو ازدراء الحزب المتنامي للتقاليد والمؤسسات الديمقراطية، بما في ذلك مواصلة قمع الحقوق الانتخابية للأقليات وأصحاب المداخيل المتدنية.

رفع ترامب، خلال حملته الأولى، شعار "تجفيف المستنقع". وقد صوّت له الناخبون الجمهوريون، على أمل محاربة الدولة العميقة، وتحرير السياسة الأميركية من سطوة واشنطن ولوبياتها. لكن الحزب الجمهوري، يبقى جزءاً من هذه السطوة العميقة. فهل ينجح في العودة إلى وضعه التقليدي، بعدما حقّق له ترامب بعض أمانيه، وأهمها السيطرة على المحكمة العليا لسنوات طويلة؟ أم سيشهد حرباً أهلية طاحنة خلال السنوات المقبلة؟ وكيف سيواجه شعار بايدن "توحيد أمة ممزقة" بحزب ممزق؟ الأكيد، حتى الآن، أن الحزب الديمقراطي، كان الأسرع في ترميم قوته رغم انقساماته الخاصة، بعد ما أفسده انتخاب ترامب، من حزب ترامب نفسه، الذي أصبح اليوم ممزقاً في القاعدة، والأيديولوجيا، والولاءات.


 

المساهمون