يتحدث الأمين العام لـ"التيار الديمقراطي" في تونس، غازي الشواشي، لـ"العربي الجديد"، عن موقف الأحزاب الاجتماعية من الانتخابات التشريعية المقبلة في تونس، في 17 ديسمبر/كانون الأول، ورؤيته للمشهد السياسي، وموقف حزبه من الالتقاء مع بقية مكونات المعارضة بمواجهة الانقلاب، خصوصاً "النهضة".
*هل حسمت أحزاب الحملة الوطنية لإسقاط الاستفتاء الخمسة (التيار الديمقراطي والجمهوري والتكتل والعمّال والقطب) موقفها من الانتخابات التشريعية المقبلة؟
مبدئياً في التيار الديمقراطي، حسمنا موقفنا في اتجاه مقاطعة الانتخابات المقبلة، وأتصور أن بقية الأحزاب أيضاً حسمت أمرها. ربما ينتظرون التشاور مع هياكلهم الداخلية، ولكن التوجه العام يسير نحو المقاطعة، باعتبار أننا رفضنا المسار برمته منذ البداية. فلا يمكن أن ترفض دستوراً (الدستور الجديد الذي صادق عليه سعيّد في أغسطس/آب الماضي، بعد استفتاء شعبي حصد إقبالاً ضعيفاً)، ثم تقبل بعد ذلك بالمشاركة في الانتخابات، لأن ذلك سيصبح انتهازية سياسية، وكأنك تبحث عن مقعد لنفسك، فكامل المسار خارج عن الدستور والشرعية وليس فيه أي تشاركية. ولا أعتقد أن أولوية التونسيين اليوم هي صياغة دستور جديد.
*فرضاً لو كان المرسوم الانتخابي تشاركياً، ماذا ستفعل الأحزاب في برلمانٍ منزوع الصلاحيات وأحزاب لا تشارك في أي شكل بالحكم؟
مجنون من ما زال يعتقد أنّ قيس سعيّد يمكن أن يتجه نحو مسار تشاركي، فهو رافض لأي حوار أو تشاركية، وحتى الحوار حول الدستور كان بطريقة مغشوشة وعبر نزعة تحايل، وهو ما جعله يفشل. وفي آخر تصريحاته، يتحدث سعيّد عن الأخذ بملاحظات الداعمين لمسار 25 يوليو/تموز (2021) فقط، وبالتالي هو يواصل سياسة تقسيمه للشعب. فالمساندون له ومن يدعمونه هم الصادقون، وربما يأخذ بملاحظاتهم وليس يشرّكهم، والبقية، بمن فيهم نحن، مناوئون وخونة ولا يمكن أن يسمعنا.
الشواشي: مجنون من يعتقد أنّ قيس سعيّد يمكن أن يتجه نحو مسار تشاركي
وللأمانة حتى، وإن قرر سعيّد الآن الذهاب في مسار تشاركي حول القانون الانتخابي، فسنرفض، لأنّنا لا نعترف بهذا الدستور الذي لا يمكنه أن يُكرّس نظاماً ديمقراطياً. فالبرلمان لا سلطة له، والنواب لا يقدمون مشاريع قوانين بل مقترحات قوانين، والرئيس وحده من يقدم مشاريع القوانين وله أولوية النظر، وله الحق أن يشرّع خلال العطلة البرلمانية أيضاً. وبالتالي هو جمع كل السلطات بين يديه، ولم يعد البرلمان ممثلاً للشعب ولا مراقباً للسلطة التنفيذية، يحاسب الحكومة ورئيس الدولة في حالات الخرق. فنحن أمام نظام ديكتاتوري لا يمكن قبوله أو المشاركة فيه، لأن ذلك سيضفي عليه شرعية.
أما من يتحدث عن نبذ الكراسي الشاغرة، فنُنبّهه إلى أنه في الدكتاتورية لا توجد مشاركة، بل مجرد ديكور في نظام مغشوش تضفي عليه شرعية وتقويه.
*ما هو الحلّ إذاً؟ ماذا تطرحون للخروج من هذه الأزمة، خصوصاً وقيس سعيّد ماضٍ في مشروعه؟
الحلّ الوحيد هو إسقاط هذا النظام وإسقاط منظومته، أو أن يعود إلى الطريق الجادة، ويعود إلى رشده ويقبل بالحوار والتشاركية، وأن يقبل بمسار الانتقال الديمقراطي. لكن لا أعتقد للأمانة، أنّ قيس سعيّد بتركيبته المعروفة، سيقبل أي حوار أو تشاركية كما أنّه يرفض المنظومة الديمقراطية ومنظومة الأحزاب والمجتمع المدني والأجسام الوسيطة، وهو يؤمن بالديمقراطية المباشرة واللجان الشعبية التي ابتكرها القذافي (الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي).
هو يريد أن يكون البرلمان المقبل مهمشاً من دون أغلبية واضحة حتى يبقى مجرد صندوق من أنصاره لتمرير قوانينه، واليوم هناك من مناصريه من وعدهم بدعمهم في الانتخابات التشريعية المقبلة.
*كيف ترى تطورات الوضع في تونس اليوم؟ هناك أزمة اقتصادية كبيرة وتوتر اجتماعي متصاعد؟
لا أتصور أن نصل إلى انتخابات تشريعية في ديسمبر المقبل بهذا الوضع المتردي. وما يزعجنا الآن ويثير المخاوف هو الانفجار الاجتماعي المحتمل الذي قد يأتي على الأخضر واليابس، وقد يدخل البلاد في حالة فوضى.
*هل تعتقد أن قرار مقاطعة الانتخابات سيزيد من عزلة قيس سعيّد في الداخل وأمام الخارج الذي يطالبه بالأدنى من التشاركية؟
من الأكيد أن مواصلة المقاطعة ستزيد من عزلته داخلياً، أما خارجياً فنحن نلاحظ أن بعض الأطراف تبحث فقط عن استقرار مصالحها في تونس ولا تهتم للديمقراطية، ولا أعتقد أنه مع هذه الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردية وفي هذا النظام الشعبوي الذي يبحث سعيّد عن تكريسه، ستستقر الأوضاع، أو أن تستطيع هذه الأطراف ضمان مصالحها التي ستصبح مهددة.
أحزاب السلطة والمعارضة مسؤولة عن إعطاء سعيّد فرصة السيطرة على كلّ السلطات
في الشارع هناك حالة احتقان وتململ كبير، وكذلك تراجعت بعض الجماعات والأحزاب التي دعمت سعيّد والتي تشعر أنها تورطت ولا تستطيع العودة إلى الوراء، ولكن في داخلها تململ كبير. وهذه الأحزاب مجرد أسماء بلا رصيد شعبي، وفشلها بارز في المحطات الانتخابية السابقة، وبالتالي في نهاية الأمر، سيبقى سعيّد بمفرده.
*إذاً، من المسؤول عن هذا الوضع وعن تمادي سعيّد في مشروعه؟
الأحزاب السياسية التي كانت في السلطة، والتي كانت في المعارضة أيضاً. كلّها مسؤولة وكلّها أعطت سعيّد فرصة السيطرة على كل السلطات وتطبيق برنامجه الهلامي والبرنامج المجنون الذي يدمر الدولة ويعطل المسار الانتقالي الديمقراطي ويعمق الأزمة الاقتصادية، وسيقودنا إلى تفجر اجتماعي تنتظره بعض الأطراف لتغتنم حالة الفوضى والاحتقان حتى تنقضّ على الحكم لتركيز نظام استبدادي تلعب فيه القوة الصلبة دوراً، القوى القديمة ولوبيات الفساد وغيرها. وهذا الأمر يخيفنا أكثر من قيس سعيّد نفسه، فالخوف كل الخوف ممن سيفتك بالسلطة بعده في هذه الظروف، وسيكون أخطر منه.
*واقعياً، هل تطرح المعارضة اليوم بديلاً سياسياً؟
يجب أولاً توضيح هذا البديل الذي نتحدث عنه: هل هو برنامج اقتصادي واجتماعي، أم هو منظومة سياسية جديدة أم خريطة طريق للإنقاذ؟ أتصور أنه بداية يجب أن تكون هناك خريطة طريق وطنية، ولا يمكن أن يطرحها التيار الديمقراطي بمفرده ولا الأحزاب الخمسة، بل يجب أن يكون في إطار حوار وطني شامل. وهنا كانت أمام سعيّد فرصة لتجميع الناس والإشراف على حوار تُناقش فيه وطنياً إصلاحات اقتصادية واجتماعية وتكون مدعومة من جميع الأطراف الوازنة في البلاد، سياسيين واقتصاديين واجتماعيين، لكنه رفض ذلك لأنه كان يفكر في كيفية تنفيذ مشروعه الخاص.
*وماذا عن تجميع المعارضين وتوحيد المواقف؟
المعارضة اليوم معارضات: لدينا معارضة تقودها "النهضة" ومن حولها، ومعارضة الأحزاب الديمقراطية، ومعارضة عبير موسي سليلة حزب التجمع المنحل، وعملية تجميع هذه المعارضات هي عملية مستحيلة تقريباً.
الشواشي: نحن غير جاهزين للجلوس مع النهضة ولا نثق فيها
وعلى الرغم من اختلاف المعارضات، طرحنا بديلاً تتشارك فيه كل المعارضات وهذا البديل يتطلب حواراً ونقاشاً ولجاناً تفكر. ولكن لم نجد استعدادات، فالجميع يريد أن يصمد خلال هذه الفترة وأن يكون لاعباً أساسياً وحده في إسقاط قيس سعيّد مع إضعاف البقية، ولا يريد أن تكون بقية المعارضة قوية.
*هل حاولتم لقاء "جبهة الخلاص"؟ رئيس الجبهة أحمد نجيب الشابي تحدث خلال ندوة صحافية لجبهة الخلاص، الأربعاء الماضي، عن استعداده للقائكم ومدّ أيديهم لكم؟
للأمانة نحن غير جاهزين للجلوس مع حزب "النهضة". لدينا إشكالية كبيرة لأنه ليس لدينا ثقة في "النهضة"، وقد اختبرناها في الماضي واكتشفنا تكتيكاتها، وهي لا تعمل لمصلحة البلاد وتبحث فقط عن التموقع والعودة للسلطة، وليس لديها رغبة في القيام بمراجعات والإقرار بالفشل في دعمها لحكومة هشام المشيشي وإسقاطها لحكومة إلياس الفخفاخ وتحالفها مع "قلب تونس" و"الكرامة"، وهو ما جعل قيس سعيّد اليوم يغتصب كل السلطات.
الشواشي: الانفجار الاجتماعي المحتمل قد يأتي على الأخضر واليابس
اليوم، وبصراحة، لا يمكن لمن تسبب في كارثة قيس سعيّد أن تبني معه للمستقبل، وهم ينتقدون سعيّد بينما كانوا سابقاً يرتكبون نفس الممارسات. فقد اعتدى الأمن على الناس خلال فترة حكمهم وأطلق الرصاص والرشّ على المتظاهرين وكذلك الفقر والخصاصة (الفقر وسوء الحال)، فليس لـ"النهضة" أولوية غير الحكم والتموقع.
حَكَمنا مع "النهضة" ونعلم جيداً أولوياتها، فقد سحبوا منّا الثقة عندما فتحنا الملفات خلال أزمة فيروس كورونا وقد اختاروا دعم أضعف وزير في الحكومة، هشام المشيشي، للحظة الأخيرة.
في الجانب الآخر، هناك عبير موسي، والتي لا علاقة لها بالديمقراطية ولا بالحقوق والحرّيات. هي استغلت ظرفاً كره فيه التونسيون الأحزاب لفشلها في تحقيق أي إنجاز، فهي شبيهة بقيس سعيّد وهي تعتقد أن تطبيق نفس القانون الانتخابي يعطيها الأولوية بحسب سبر الآراء لذلك تعارض سعيّد وهي لا مشروع لها سوى إلقاء "الإخوان" في البحر، وهذا كان مشروع زين العابدين بن علي من قبل وفشل فيه.
البلاد تمر بورطة حقيقية وصحيح ليس هناك بديل، ولكننا نواصل نضالنا. ركزنا جهدنا في الماضي لإسقاط الاستفتاء وقد أسقطناه فعلاً سياسياً وأخلاقياً على الرغم من تمريره ونشره، واليوم نتحول من المعارضة إلى المقاومة لإسقاط سعيّد وهذه المقاومة تحتاج إلى تقديم بديل ديمقراطي اجتماعي قادر على إقناع الشعب.
الشعب اليوم يطالب بتحسين وضعه الاجتماعي ولا يحتاج تغيير دستور ولا انتخابات تشريعية، وهذا ما لفتنا له انتباه الرئيس في أكتوبر/تشرين الأول 2020 وطلبنا حواراً اقتصادياً واجتماعياً، ووافق على ذلك وقتها، ثم بدأ يتلكأ ويتحجج بعدم الجلوس إلى الفاسدين. فالرئيس يرفض الحوار، هو يريد أن يتكلم وحده ويرفض أن يستمع إلى أحد ويلقي الاتهامات.
سيرة
غازي الشواشي من مؤسسي حزب التيار الديمقراطي.
شغل منصب نائب الأمين العام للحزب من 2013 إلى 2016، ثم أصبح أمينه العام.
انتخب عضواً في مجلس نواب الشعب (البرلمان التونسي) في الانتخابات التشريعية 2014 وفي انتخابات 2019 عن دائرة بن عروس.
شغل منصب وزير أملاك الدولة في حكومة إلياس الفخفاخ (فبراير/شباط 2020 - يوليو/تموز 2020).
الشواشي محامٍ وناشط حقوقي معروف، كان عضواً في "الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان".