عودة "داعش" إلى الرمادي.. تحديات جديدة أمام العراق وحلفائه

عثمان المختار (العربي الجديد)
عثمان المختار
صحافي عراقي متخصص بصحافة البيانات وتدقيق المعلومات. مدير مكتب "العربي الجديد" في العراق.
14 مايو 2016
6D60E20E-AB3C-4CD0-8779-E47939B871E0
+ الخط -
تواجه قوات التحالف الدولي، بقيادة واشنطن، تحدّياً من نوع جديد فرضه سير المعارك مع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في مناطق شمال وغرب البلاد خلال الأيام الخمسة الماضية، في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة العراقية إلى استثمار التصعيد العسكري من قِبل التنظيم، لنقل الزخم المسلح لمليشيات "الحشد الشعبي" المتكدسة في بغداد منذ اقتحام المنطقة الخضراء من قِبل أتباع التيار الصدري نهاية الشهر الماضي، واتساع حدة الخلافات بين كتل "التحالف الوطني" الحاكم للبلاد.
على مختلف الأصعدة، فإن تغييرات وتطورات جديدة طرأت على ساحة المواجهات والمعارك في العراق بين القوات النظامية العراقية ومقاتلي العشائر ومليشيات "الحشد" من جهة، مدعومين بقوات التحالف الدولي، وبين تنظيم "داعش"، على طول أكثر من 100 ألف كيلومتر تُمثّل خطوط تماس بين التنظيم والقوات المشتركة، تبدأ من الموصل شمالاً وحتى الرطبة غرباً.
وتتمثّل تلك التطورات باستعادة "داعش" أجزاء من مدينة الرمادي بعد نحو خمسة أشهر على تحرير القوات العراقية إياها وانسحاب التنظيم منها، إذ سيطر مساء الخميس على منطقتي البو عيثة والبو فراج وطريق الطراح شمال وشمال شرق الرمادي، كما استعاد سيطرته على منطقة جزيرة الخالدية بشكل كامل، ليصبح على بُعد نحو 10 كيلومترات من قاعدة الحبانية، التي تضم نحو 600 عسكري أميركي بين جندي ومستشار ومدرب. وبذلك بات التنظيم يسيطر على نحو 20 في المائة من الرمادي، ويقطع طريق الإمداد الرئيسي الرابط بين بغداد ومناطق غرب العراق القريبة من الأردن وسورية، خصوصاً بعد تفجيره الجسر الوحيد المهم الرابط بين الرمادي وشمالها المحاذي للطريق الدولي السريع. كما نجح، بالتزامن مع سلسلة اعتداءات إرهابية نفذها في بغداد، في استعادة عدة قرى جنوب الموصل ضمن محور مخمور، وحقق نجاحاً في سلسلة جبال حمرين بين محافظتي كركوك وصلاح الدين.
في أثناء ذلك، تشير التقارير إلى مقتل وإصابة ما لا يقل عن 300 من القوات العراقية والعشائر والمليشيات وقوات البيشمركة في تلك الهجمات. ويكشف مسؤول عسكري عراقي في وزارة الدفاع ببغداد، لـ"العربي الجديد"، عن أن "داعش" استقدم قوات إضافية من سورية إلى العراق، مستغلاً عدة عوامل أبرزها العواصف الرملية، التي ضربت المنطقة الصحراوية في ربيعة والجزيرة من محور الموصل، وفي البو كمال- القائم في محور الأنبار.
ويؤكد المسؤول العراقي أن "ما لا يقل عن 5 آلاف مقاتل جدد، نقلهم التنظيم إلى العراق، فضلاً عن اتباعِه أسلوباً جديداً في القتال فرض علينا مراجعة الخطط والاستراتيجيات المتبعة طيلة العامين الماضيين"، لافتاً إلى أن "التنظيم نجح في تشتيت الطيران الأميركي من خلال مهاجمة أكثر من ثلاث مناطق في وقت واحد وبوقت قياسي يتراوح بين ساعة وساعة ونصف الساعة فقط، بواسطة عربات مفخخة ثم يتبعها مسلحون ينفذون هجمات عنيفة وينسحبون أو ينتشرون في المنطقة في حال سيطرتهم عليها، وهذا ما يجعل الطيران الأميركي يصل متأخراً إذا تم استدعاؤه، لأن كل المقاتلات الأميركية تتواجد في قواعد في الكويت قرب البصرة وفي قاعدة إنجرليك التركية".
ويشير المسؤول إلى أن "هذا الأسلوب الجديد لداعش، المتمثل بالهجوم على أكثر من منطقة غرب العراق، ثم في أقصى الشمال، ثم في الوسط أو قرب بغداد، يؤدي إلى تشتت الجهد الجوي للتحالف ويوجب زيادة عدد المقاتلات وساعات الطيران، حتى أن بعض المقاتلات عادت إلى قواعدها بكامل ذخيرتها من دون أن تجد هدفاً بسبب وصولها متأخرة".


من جهته، يقول العميد الركن، محمد عبد النبي الوائلي، من قيادة العمليات المشتركة في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن "التنظيم انتقل إلى مرحلة جديدة بالقتال يعتمد فيها على السرعة وعدم السماح للطيران بقصفه، والتوزع في أكثر من بقعة على الأرض لعدم السماح للطائرات برصده".
ويلفت إلى أن "القوات الأميركية قد تعالج الموضوع من خلال تزويد العراق بالمدفعية المتوسطة الذكية التي تتمكن من تحديد المواقع في وقت قياسي وقصفها وذلك من خلال نشر بطاريات مدفعية في مناطق عدة من البلاد"، مضيفاً أن "القوات العراقية أبدت استبسالاً كبيراً في التصدي للتنظيم في اليومين الماضيين، وتمكنت من إيقاف العديد من هجماته خصوصاً في المحور الغربي والشمالي، وهو ما يدحض نظرية أنه لولا القوات الأميركية لما حقق العراقيون أي نصر على التنظيم".
في هذه الاثناء يسعى رئيس الوزراء، حيدر العبادي، إلى استثمار زيادة هجمات "داعش" وتهديده لابتلاع الرمادي ومناطق أخرى من خلال مطالبته مليشيات "الحشد" بالانسحاب من بغداد والتوجّه إلى مناطق القتال لدعم القوات العراقية هناك. وتكشف مصادر حكومية عراقية عن أن العبادي طالب مليشيات "بدر" و"العصائب" و"أبو الفضل العباس" و"حزب الله" العراقي وفصائل أخرى بالانسحاب من شوارع بغداد فوراً، والتوجه إلى مناطق التماس مع تنظيم "داعش". وتؤكد المصادر أن "بعض الفصائل وافقت على سحب جزئي لقواتها والإبقاء على أخرى بسبب الوضع المتوتر في العاصمة".
وحول ذلك يقول الخبير العسكري العراقي، أحمد المحمود، لـ"العربي الجديد"، إن "التكتيك الجديد لتنظيم داعش سيفرض واقعاً مختلفاً على سير المعارك في عموم العراق". ويضيف المحمود أن "المراقب لداعش يجد أن هجماته استهدفت الرمادي بعنف وبشكل خاطف في التاسعة من صباح الخميس، وفي الوقت نفسه هاجم التنظيم محور مخمور الذي يبعد نحو 600 كيلومتر، ثم هاجم في الوقت نفسه جنوب تكريت عند سلسلة حوران التي تبعد عن الموقع الثاني 350 كيلومتراً، وكل ذلك بالتزامن مع تفجيرات بسيارات مفخخة وانتحاريين في بغداد ومدن وسط العراق"، لافتاً إلى أن "كل تلك العمليات كانت هجمات خاطفة لم تستمر أكثر من ساعتين في أفضل الأحوال، انسحب (داعش) بعدها من مناطق بعد تحقيقه إصابات وخسائر في صفوف القوات العراقية المشتركة، وانتشر في مناطق أخرى بعد نجاح الهجوم وهذا يعني تشتيت جهود التحالف".
ويوضح أن "أسلوب داعش كان، حتى وقت قريب جداً، يعتمد على التركيز على منطقة واحدة فقط يهاجمها بقوات كبيرة ويحتل منطقة ويتمركز فيها، ثم يأتي التحالف ويقصفه، أما الآن فقد تغير الحال"، مشيراً إلى أن "طائرات التحالف تحتاج إلى ساعة وساعة وربع الساعة للوصول إلى الأهداف في العراق منطلقة من الكويت أو تركيا، وهناك أربع مراحل تسبق قصف الهدف تحتاج إلى ما بين ساعة إلى ساعة وربع الساعة، وهو وقت كافٍ لداعش لتحقيق تقدّم كبير والانسحاب أو التفرق قبل وصول الطيران الأميركي".
وحول سلاح الجو العراقي، يقول المحمود إن "الطيران العراقي ما زال يعاني من تأخر وقت التجهيز والطيران نحو الهدف، كون أغلب الطائرات تحظى بحماية مسبقة خوفاً من القصف على القواعد العسكرية بالهاون والصواريخ من تنظيم داعش، وتسعى القوات الأميركية إلى معالجة هذه المشكلة"، مرجحاً أن تزيد واشنطن وباقي دول التحالف عدد مقاتلاتها في البداية قبل أن تنتقل إلى مرحلة الإقلاع من قواعد عسكرية في أربيل ودهوك وبغداد، وذلك لتقليل المسافة للوصول إلى أهدافها وتقديم الدعم الجوي للقوات العراقية، لكنه يلفت إلى أن هذا الأمر "يعني أيضاً زيادة في كلفة العمليات المادية وقد لا يأتي بنتائج كبيرة بسبب حجم رقعة المعارك، مما يعني الحاجة إلى إعادة رسم المشهد العسكري وطرح خيار التدخل البري بشكل أقوى".

ذات صلة

الصورة
زعيم مليشيا "أنصار الله الأوفياء" حيدر الغراوي (إكس)

سياسة

أدرجت وزارة الخارجية الأميركية حركة "أنصار الله الأوفياء" العراقية وزعيمها حيدر الغراوي، على قائمة المنظمات والشخصيات الإرهابية.
الصورة
تواصل الاحتجاجات ضد "هيئة تحرير الشام"، 31/5/2024 (العربي الجديد)

سياسة

شهدت مدن وبلدات في أرياف محافظتي إدلب وحلب الواقعة ضمن مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام احتجاجات ضد زعيمها أبو محمد الجولاني وجهازها الأمني
الصورة
الحريات في العراق

سياسة

إتاحة الحريات في العراق ما بعد صدام حسين كانت من شعارات غزو بلاد الرافدين. لكن منذ سنوات يتراجع منسوب الديمقراطية والحريات الفردية والجماعية في هذا البلد بسرعة.
الصورة
تنظيم داعش/فرنسا

سياسة

رفعت فرنسا، أول من أمس الأحد، مستوى التأهب الأمني إلى الدرجة القصوى، وذلك في أعقاب هجوم موسكو الدموي الذي تبناه تنظيم "داعش"، مستعيدة تهديدات عدة للتنظيم.
المساهمون